للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالتَّخْصِيصِ كَمَا فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنْ إِطْلَاقٍ أَوْ تَعْمِيمٍ، وَيُكْتَفَى مِنْ دَلِيلِ التَّقْيِيدِ وَالتَّخْصِيصِ بِالْإِشَارَةِ إِمَّا لِمَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُورِدُهُ أَوْ فِي حَدِيثٍ آخِرَ كَمَا صَنَعَ فِي هَذَا الْبَابِ، فَإِنَّهُ أَشَارَ بِقَوْلِهِ فِيهِ أَبُو هُرَيْرَةَ إِلَى مَا وَرَدَ فِي حَدِيثِهِ مِنْ تَقْيِيدِ الْأَمْرِ بِتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ بِمَا إِذَا حَمِدَ، وَهَذَا أَدَقُّ التَّصَرُّفَيْنِ، وَدَلَّ إِكْثَارُهُ مِنْ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ عَنْ عَمْدٍ مِنْهُ لَا أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ تَهْذِيبِهِ، بَلْ عَدَّ الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ مِنْ دَقِيقِ فَهْمِهِ وَحُسْنِ تَصَرُّفِهِ فِي إِيثَارِ الْأَخْفَى عَلَى الْأَجْلَى شَحْذًا لِلذِّهْنِ وَبَعْثًا لِلطَّالِبِ عَلَى تَتَبُّعِ طُرُقِ الْحَدِيثِ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْفَوَائِدِ. وَقَدْ خُصَّ مِنْ عُمُومِ الْأَمْرِ بِتَشْمِيتِ الْعَاطِسِ جَمَاعَةٌ: الْأَوَّلُ مَنْ لَمْ يَحْمَدْ كَمَا تَقَدَّمَ، وَسَيَأْتِي فِي بَابٍ مُفْرَدٍ. الثَّانِي الْكَافِرُ، فَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ: كَانَتِ الْيَهُودُ يَتَعَاطَسُونَ عِنْدَ النَّبِيِّ رَجَاءَ أَنْ يَقُولَ: يَرْحَمُكُمُ اللَّهُ، فَكَانَ يَقُولُ: يَهْدِيكُمُ اللَّهُ وَيُصْلِحْ بَالَكُمْ. قَالَ ابْنُ دَقِيقِ الْعِيدِ: إِذَا نَظَرْنَا إِلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ إِنَّ التَّشْمِيتَ الدُّعَاءُ بِالْخَيْرِ دَخَلَ الْكُفَّارُ فِي عُمُومِ الْأَمْرِ بِالتَّشْمِيتِ، وَإِذَا نَظَرْنَا إِلَى مَنْ خَصَّ التَّشْمِيتَ بِالرَّحْمَةِ لَمْ يَدْخُلُوا.

قَالَ: وَلَعَلَّ مَنْ خَصَّ التَّشْمِيتَ بِالدُّعَاءِ بِالرَّحْمَةِ بَنَاهُ عَلَى الْغَالِبِ لِأَنَّهُ تَقْيِيدٌ لِوَضْعِ اللَّفْظِ فِي اللُّغَةِ. قُلْتُ: وَهَذَا الْبَحْثُ أَنْشَأَهُ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ، وَأَمَّا مِنْ حَيْثُ الشَّرْعِ فَحَدِيثُ أَبِي مُوسَى دَالٌّ عَلَى أَنَّهُمْ يَدْخُلُونَ فِي مُطْلَقِ الْأَمْرِ بِالتَّشْمِيتِ، لَكِنْ لَهُمْ تَشْمِيتٌ مَخْصُوصٌ وَهُوَ الدُّعَاءُ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ وَإِصْلَاحِ الْبَالِ وَهُوَ الشَّأْنُ وَلَا مَانِعَ مِنْ ذَلِكَ، بِخِلَافِ تَشْمِيتِ الْمُسْلِمِينَ فَإِنَّهُمْ أَهْلُ الدُّعَاءِ بِالرَّحْمَةِ بِخِلَافِ الْكُفَّارِ. الثَّالِثُ الْمَزْكُومُ إِذَا تَكَرَّرَ مِنْهُ الْعُطَاسُ فَزَادَ عَلَى الثَّلَاثِ، فَإِنَّ ظَاهِرَ الْأَمْرِ بِالتَّشْمِيتِ يَشْمَلُ مَنْ عَطَسَ وَاحِدَةً أَوْ أَكْثَرَ، لَكِنْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: يُشَمِّتُهُ وَاحِدَةً وَثِنْتَيْنِ وَثَلَاثًا، وَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ زُكَامٌ هَكَذَا أَخْرَجَهُ مَوْقُوفًا مِنْ رِوَايَةِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ كَذَلِكَ، وَلَفْظُهُ: شَمِّتْ أَخَاكَ. وَأَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ اللَّيْثِ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، وَقَالَ فِيهِ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا رَفَعَهُ إِلَى النَّبِيِّ ، قَالَ أَبُو دَاوُدَ: وَرَفَعَهُ مُوسَى بْنُ قَيْسٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ أَيْضًا. وَفِي الْمُوَطَّأِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ رَفَعَهُ: إِنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ، ثُمَّ إِنْ عَطَسَ فَشَمِّتْهُ، ثُمَّ إِنْ عَطَسَ فَقُلْ: إِنَّكَ مَضْنُوكٌ قَالَ ابْنُ أَبِي بَكْرٍ: لَا أَدْرِي بَعْدَ الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ، وَهَذَا مُرْسَلٌ جَيِّدٌ.

وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: فَشَمِّتْهُ ثَلَاثًا، فَمَا كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ فَهُوَ زُكَامٌ. وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ: شَمِّتُوهُ ثَلَاثًا، فَإِنْ زَادَ فَهُوَ دَاءٌ يَخْرُجُ مِنْ رَأْسِهِ؛ مَوْقُوفٌ أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ أَنَّ رَجُلًا عَطَسَ عِنْدَهُ فَشَمَّتَهُ، ثُمَّ عَطَسَ فَقَالَ لَهُ فِي الرَّابِعَةِ: أَنْتَ مَضْنُوكٌ؛ مَوْقُوفٌ أَيْضًا. وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ مِثْلَهُ، لَكِنْ قَالَ: فِي الثَّالِثَةِ، وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبِ: شَمِّتْهُ مَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ ثَلَاثًا، فَإِنْ زَادَ فَهُوَ رِيحٌ.

وَأَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ قَتَادَةَ: يُشَمَّتُ الْعَاطِسُ إِذَا تَتَابَعَ عَلَيْهِ الْعُطَاسُ ثَلَاثًا، قَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: إِذَا تَكَرَّرَ الْعُطَاسُ مُتَتَابِعًا فَالسُّنَّةُ أَنْ يُشَمِّتَهُ لِكُلِّ مَرَّةٍ إِلَى أَنْ يَبْلُغَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، رَوَيْنَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَأَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ، عَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِيَّ وَعَطَسَ عِنْدَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللَّهُ، ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : الرَّجُلُ مَزْكُومٌ هَذَا لَفْظُ رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، وَأَمَّا أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ فَقَالَا: قَالَ سَلَمَةُ: عَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَ النَّبِيِّ وَأَنَا شَاهِدٌ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ، ثُمَّ عَطَسَ الثَّانِيَةَ أَوِ الثَّالِثَةَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : يَرْحَمُكَ اللَّهُ، هَذَا رَجُلٌ مَزْكُومٌ اهـ كَلَامُهُ، وَنُقِلَتْه مِنْ نُسْخَةٍ عَلَيْهَا خَطُّهُ بِالسَّمَاعِ عَلَيْهِ، وَالَّذِي نَسَبَهُ إِلَى أَبِي دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ إِعَادَةِ قَوْلِهِ لِلْعَاطِسِ يَرْحَمُكَ اللَّهُ