للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِوُرُودِ الْأَمْرِ بِهِ، وَهُوَ بَعِيدٌ بَلْ ضَعِيفٌ لِأَنَّهَا وَاقِعَةُ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا، وَقَدْ نَقَلَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الْإِجْمَاعَ عَلَى أَنَّ الِابْتِدَاءَ بِالسَّلَامِ سُنَّةٌ، وَلَكِنْ فِي كَلَامِ الْمَازِرِيِّ مَا يَقْتَضِي إِثْبَاتَ خِلَافٍ فِي ذَلِكَ، كَذَا زَعَمَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ.

وَقَدْ رَاجَعْتُ كَلَامَ الْمَازِرِيِّ، وَلَيْسَ فِيهِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ قَالَ: ابْتِدَاءُ السَّلَامِ سُنَّةٌ وَرَدُّهُ وَاجِبٌ هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ مِنْ عِبَادَاتِ الْكِفَايَةِ، فَأَشَارَ بِقَوْلِهِ الْمَشْهُورِ إِلَى الْخِلَافِ فِي وُجُوبِ الرَّدِّ هَلْ هُوَ فَرْضُ عَيْنٍ أَوْ كِفَايَةٍ؟ وَقَدْ صُرِّحَ بَعْدَ ذَلِكَ بِخِلَافِ أَبِي يُوسُفَ كَمَا سَأَذْكُرُهُ بَعْدُ، نَعَمْ وَقَعَ فِي كَلَامِ الْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ فِيمَا نَقَلَهُ عَنْهُ عِيَاضٌ قَالَ: لَا خِلَافَ أَنَّ ابْتِدَاءَ السَّلَامِ سُنَّةٌ أَوْ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ، فَإِنْ سَلَّمَ وَاحِدٌ مِنَ الْجَمَاعَةِ أَجْزَأَ عَنْهُمْ، قَالَ عِيَاضٌ: مَعْنَى قَوْلِهِ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ مَعَ نَقْلِ الْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّهُ سُنَّةٌ أَنَّ إِقَامَةَ السُّنَنِ وَإِحْيَاءَهَا فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ.

قَوْلُهُ: (نَفَرٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ) بِالْخَفْضِ فِي الرِّوَايَةِ، وَيَجُوزُ الرَّفْعُ وَالنَّصْبُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَعْيِينِهِمْ.

قَوْلُهُ: (فَاسْتَمِعْ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ فَاسْمَعْ.

قَوْلُهُ: (مَا يُحَيُّونَكَ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِالْمُهْمَلَةِ مِنَ التَّحِيَّةِ، وَكَذَا تَقَدَّمَ فِي خَلْقِ آدَمَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَكَذَا عِنْدَ أَحْمَدَ، وَمُسْلِمٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ رَافِعٍ كِلَاهُمَا عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ هُنَا بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ مِنَ الْجَوَابِ، وَكَذَا هُوَ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ لِلْمُصَنِّفِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُحَمَّدٍ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهَا) أَيِ الْكَلِمَاتِ الَّتِي يُحَيُّونَ بِهَا أَوْ يُجِيبُونَ.

قَوْلُهُ: (تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ) أَيْ مِنْ جِهَةِ الشَّرْعِ، أَوِ الْمُرَادُ بِالذُّرِّيَّةِ بَعْضُهُمْ وَهُمُ الْمُسْلِمُونَ. وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ وَابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ سُهَيْلِ بْنِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ مَرْفُوعًا: مَا حَسَدَتْكُمُ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ مَا حَسَدُوكُمْ عَلَى السَّلَامِ وَالتَّأْمِينِ، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ شُرِعَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ دُونَهُمْ.

وَفِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الطَّوِيلِ فِي قِصَّةِ إِسْلَامِهِ قَالَ: وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: فَكُنْتُ أَوَّلَ مَنْ حَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْإِسْلَامِ فَقَالَ: وَعَلَيْكَ وَرَحْمَتُ اللَّهِ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ.

وَأَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي أُمَامَةَ رَفَعَهُ: جَعَلَ اللَّهُ السَّلَامَ تَحِيَّةً لِأُمَّتِنَا وَأَمَانًا لِأَهْلِ ذِمَّتِنَا. وَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ: كُنَّا نَقُولُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ: أَنْعِمْ بِكَ عَيْنًا، وَأَنْعِمْ صَبَاحًا. فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ نُهِينَا عَنْ ذَلِكَ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ لَكِنَّهُ مُنْقَطِعٌ.

وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ مُقَاتِلِ بْنِ حَيَّانَ قَالَ: كَانُوا فِي الْجَاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ: حُيِّيتَ مَسَاءً حُيِّيتَ صَبَاحًا فَغَيَّرَ اللَّهُ ذَلِكَ بِالسَّلَامِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ)، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ عَلَّمَهُ كَيْفِيَّةَ ذَلِكَ تَنْصِيصًا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فُهِمَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ لَهُ: فَسَلِّمْ، قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَلْهَمَهُ ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ حَمْدِ الْعَاطِسِ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: أَنَّ آدَمَ لَمَّا خَلَقَهُ اللَّهُ عَطَسَ فَأَلْهَمَهُ اللَّهُ أَنْ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، الْحَدِيثَ. فَلَعَلَّهُ أَلْهَمَهُ أَيْضًا صِفَةَ السَّلَامِ.

وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ هِيَ الْمَشْرُوعَةُ لِابْتِدَاءِ السَّلَامِ لِقَوْلِهِ: فَهِيَ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ وَهَذَا فِيمَا لَوْ سَلَّمَ عَلَى جَمَاعَةٍ، فَلَوْ سَلَّمَ عَلَى وَاحِدٍ فَسَيَأْتِي حُكْمُهُ بَعْدَ أَبْوَابٍ، وَلَوْ حَذَفَ اللَّامَ فَقَالَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ أَجْزَأَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿سَلامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ﴾ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، لَكِنْ بِاللَّامِ أَوْلَى لِأَنَّهَا لِلتَّفْخِيمِ وَالتَّكْثِيرِ وَثَبَتَ فِي حَدِيثِ التَّشَهُّدِ: السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ.

قَالَ عِيَاضٌ: وَيُكْرَهُ أَنْ يَقُولَ فِي الِابْتِدَاءِ: عَلَيْكَ السَّلَامُ، وَقَالَ النَّوَوِيُّ فِي الْأَذْكَارِ: إِذَا قَالَ الْمُبْتَدِئُ وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ لَا يَكُونُ سَلَامًا وَلَا يَسْتَحِقُّ جَوَابًا، لِأَنَّ هَذِهِ الصِّيغَةَ لَا تَصْلُحُ لِلِابْتِدَاءِ قَالَهُ الْمُتَوَلِّي، فَلَوْ قَالَهُ بِغَيْرِ وَاوٍ فَهُوَ سَلَامٌ،