طَرِيقِ مُغِيرَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ: حَتَّى تُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا وَتَسْتَأْذِنُوا وَأَخْرَجَهُ إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِسْحَاقَ فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاسْتَشْكَلَهُ وَكَذَا طَعَنَ فِي صِحَّتِهِ جَمَاعَةٌ مِمَّنْ بَعْدَهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ بَنَاهَا عَلَى قِرَاءَتِهِ الَّتِي تَلَقَّاهَا عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَأَمَّا اتِّفَاقُ النَّاسِ عَلَى قِرَاءَتِهَا بِالسِّينِ فَلِمُوَافَقَةِ خَطِّ الْمُصْحَفِ الَّذِي وَقَعَ الِاتِّفَاقُ عَلَى عَدَمِ الْخُرُوجِ عَمَّا يُوَافِقُهُ، وَكَانَ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ مِنَ الْأَحْرُفِ الَّتِي تُرِكَتْ لِلْقِرَاءَةِ بِهَا كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي فَضَائِلِ الْقُرْآنِ. وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ فِي الْقِرَاءَةِ الْأُولَى ثُمَّ نُسِخَتْ تِلَاوَتُهُ، يَعْنِي وَلَمْ يَطَّلِعِ ابْنُ عَبَّاسٍ عَلَى ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ) هُوَ الْبَصْرِيُّ أَخُو الْحَسَنِ.
قَوْلُهُ: (لِلْحَسَنِ) أَيْ لِأَخِيهِ.
قَوْلُهُ: (إِنَّ نِسَاءَ الْعَجَمِ يَكْشِفْنَ صُدُورَهُنَّ وَرُءُوسَهُنَّ، قَالَ: اصْرِفْ بَصَرَكَ عَنْهُنَّ، يَقُولُ اللَّهُ ﷿: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ قَالَ قَتَادَةُ: عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُمْ) كَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ غَيْرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ: اصْرِفْ بَصَرَكَ وَقَوْلِ اللَّهِ ﷿: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ إِلَخْ، فَعَلَى رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَكُونُ الْحَسَنُ اسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ. وَأَوْرَدَ الْمُصَنِّفُ أَثَرَ قَتَادَةَ تَفْسِيرًا لَهَا، وَعَلَى رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ تَكُونُ تَرْجَمَةً مُسْتَأْنَفَةً وَالنُّكْتَةُ فِي ذِكْرِهَا فِي هَذَا الْبَابِ عَلَى الْحَالَيْنِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ أَصْلَ مَشْرُوعِيَّةِ الِاسْتِئْذَانِ لِلِاحْتِرَازِ مِنْ وُقُوعِ النَّظَرِ إِلَى مَا لَا يُرِيدُ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ النَّظَرَ إِلَيْهِ لَوْ دَخَلَ بِغَيْرِ إِذْنٍ، وَأَعْظَمُ ذَلِكَ النَّظَرُ إِلَى النِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ، وَأَثَرُ قَتَادَةَ عِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ وَصَلَهُ مِنْ طَرِيقِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زُرَيْعٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ﴾ قَالَ: عَمَّا لَا يَحِلُّ لَهُمْ.
قَوْلُهُ: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ كَذَا لِلْأَكْثَرِ تَخَلَّلَ أَثَرُ قَتَادَةَ بَيْنَ الْآيَتَيْنِ، وَسَقَطَ جَمِيعُ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ النَّسَفِيِّ فَقَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: ﴿حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا﴾ الْآيَتَيْنِ، وَقَوْلِ اللَّهِ ﷿: ﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ﴾ الْآيَة، ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾
قَوْلُهُ: (خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ مِنِ النَّظَرِ إِلَى مَا نُهِيَ عَنْهُ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِضَمِّ نُونِ نُهِيَ عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَفِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِلَى مَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ وَسَقَطَ لَفْظُ مِنْ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَعِنْدَ ابْنِ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ﴾ قَالَ: هُوَ الرَّجُلُ يَنْظُرُ إِلَى الْمَرْأَةِ الْحَسْنَاءِ تَمُرُّ بِهِ أَوْ يَدْخُلُ بَيْتًا هِيَ فِيهِ فَإِذَا فُطِنَ لَهُ غَضَّ بَصَرَهُ، وَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ يَوَدُّ لَوِ اطَّلَعَ عَلَى فَرْجِهَا وَإِنْ قَدَرَ عَلَيْهَا لَو زَنَى بِهَا، وَمِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ، وَقَتَادَةَ نَحْوَهُ، وَكَأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ خَائِنَةِ الْأَعْيُنِ.
وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: مَعْنَى ﴿يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ﴾ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ النَّظْرَةَ الْمُسْتَرِقَةَ إِلَى مَا لَا يَحِلُّ، وَأَمَّا خَائِنَةُ الْأَعْيُنُ الَّتِي ذُكِرَتْ فِي الْخَصَائِصِ النَّبَوِيَّةِ فَهِيَ الْإِشَارَةُ بِالْعَيْنِ إِلَى أَمْرٍ مُبَاحٍ لَكِنْ عَلَى خِلَافِ مَا يَظْهَرُ مِنْهُ بِالْقَوْلِ. قُلْتُ: وَكَذَا السُّكُوتُ الْمُشْعِرُ بِالتَّقْرِيرِ فَإِنَّهُ يَقُومُ مَقَامَ الْقَوْلِ، وَبَيَانُ ذَلِكَ فِي حَدِيثِ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ النَّاسَ إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ، فَذَكَرَ مِنْهُمْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، إِلَى أَنْ قَالَ: فَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَاخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ، فَجَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بَايِعْهُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، ثُمَّ بَايَعَهُ بَعْدَ الثَّلَاثِ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدَيَّ عَنْهُ فَيَقْتُلُهُ، فَقَالُوا: هَلَّا أَوْمَأْتَ، قَالَ: إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ تَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ الْأَعْيُنِ، أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.
وَأَخْرَجَهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ مُرْسَلِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ أَخْصَرَ مِنْهُ وَزَادَ فِيهِ: وَكَانَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ نَذَرَ إِنْ رَأَى ابْنَ أَبِي سَرْحٍ أَنْ يَقْتُلَهُ، فَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ نَحْوَ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ يَرْبُوعٍ، وَلَهُ طُرُقٌ أُخْرَى يَشُدُّ بَعْضُهَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute