للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَقَالَ: مَا لَكُمْ وَلِمَجَالِسِ الصُّعُدَاتِ، بِضَمِّ الصَّادِ وَالْعَيْنِ الْمُهْمَلَتَيْنِ جَمْعُ صَعِيدٍ، وَهُوَ الْمَكَانُ الْوَاسِعُ، وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الْمَظَالِمِ، وَمِثْلُهُ لِابْنِ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، زَادَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ مِنْ مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ: فَإِنَّهَا سَبِيلٌ مِنْ سَبِيلِ الشَّيْطَانِ أَوِ النَّارِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لَنَا مِنْ مَجَالِسنَا بُدٌّ، نَتَحَدَّثُ فِيهَا)، قَالَ عِيَاضٌ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَمْرَهُ لَهُمْ لَمْ يَكُنْ لِلْوُجُوبِ، وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى طَرِيقِ التَّرْغِيبِ وَالْأَوْلَى، إِذْ لَوْ فَهِمُوا الْوُجُوبَ لَمْ يُرَاجِعُوهُ هَذِهِ الْمُرَاجَعَةَ، وَقَدْ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ لَا يَرَى الْأَوَامِرَ عَلَى الْوُجُوبِ. قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونُوا رَجَوْا وُقُوعَ النَّسْخِ تَخْفِيفًا لِمَا شَكَوْا مِنَ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ: فَظَنَّ الْقَوْمُ أَنَّهَا عَزْمَةٌ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ: فَقَالُوا: إِنَّمَا قَعَدْنَا لِغَيْرِ مَا بَأْسٍ قَعَدْنَا نَتَحَدَّثُ وَنَتَذَاكَرُ.

قَوْلُهُ: (فَإِذَا أَبَيْتُمْ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ إِذَا أَبَيْتُمْ بِحَذْفِ الْفَاءِ.

قَوْلُهُ: (إِلَّا الْمَجْلِسَ) كَذَا لِلْجَمِيعِ هُنَا بِلَفْظِ إِلَّا بِالتَّشْدِيدِ، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْمَظَالِمِ بِلَفْظِ: فَإِذَا أَتَيْتُمْ إِلَى الْمَجَالِسِ بِالْمُثَنَّاةِ بَدَلَ الْمُوَحَّدَةِ فِي أَتَيْتُمْ وَبِتَخْفِيفِ اللَّامِ مِنْ إِلَى، وَذَكَرَ عِيَاضٌ أَنَّهُ لِلْجَمِيعِ هُنَاكَ هَكَذَا، وَقَدْ بَيَّنْتُ هُنَاكَ أَنَّهُ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ هُنَاكَ كَالَّذِي هُنَا، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ: إِمَّا لَا بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَلَا نَافِيَةٌ وَهِيَ مُمَالَةٌ فِي الرِّوَايَةِ وَيَجُوزُ تَرْكُ الْإِمَالَةِ.

وَمَعْنَاهُ إِلَّا تَتْرُكُوا ذَلِكَ فَافْعَلُوا كَذَا، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ:

افْعَلْ كَذَا إِنْ كُنْتَ لَا تَفْعَلُ كَذَا،

وَدَخَلَتْ مَا صِلَةٌ. وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ: فَإِنْ أَبَيْتُمْ إِلَّا أَنْ تَفْعَلُوا، وَفِي مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ: فَإِنْ كُنْتُمْ لَا بُدَّ فَاعِلِينَ.

قَوْلُهُ: (فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ حَقَّهُ) فِي رِوَايَةِ حَفْصِ بْنِ مَيْسَرَةَ: حَقَّهَا، وَالطَّرِيقُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ عِنْدَ أَحْمَدَ: فَمَنْ جَلَسَ مِنْكُمْ عَلَى الصَّعِيدِ فَلْيُعْطِهِ حَقَّهُ.

قَوْلُهُ: (قَالُوا وَمَا حَقُّ الطَّرِيقِ؟) فِي حَدِيثِ أَبِي شُرَيْحٍ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا حَقُّهُ.

قَوْلُهُ: (غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ السَّلَامِ، وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ) فِي حَدِيثِ أَبِي طَلْحَةَ الْأُولَى وَالثَّانِيَةُ، وَزَادَ: وَحُسْنُ الْكَلَامِ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْأُولَى وَالثَّالِثَةُ وَزَادَ: وَإِرْشَادُ ابْنِ السَّبِيلِ وَتَشْمِيتُ الْعَاطِسِ إِذَا حَمِدَ، وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَكَذَا فِي مُرْسَلِ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ مِنَ الزِّيَادَةِ: وَتُغِيثُوا الْمَلْهُوفَ وَتُهْدُوا الضَّالَّ، وَهُوَ عِنْدَ الْبَزَّارِ بِلَفْظِ: وَإِرْشَادُ الضَّالِّ، وَفِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَالتِّرْمِذِيِّ: اهْدُوا السَّبِيلَ، وَأَعِينُوا الْمَظْلُومَ، وَأَفْشُوا السَّلَامَ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ عِنْدَ الْبَزَّارِ مِنَ الزِّيَادَةِ: وَأَعِينُوا عَلَى الْحَمُولَةِ، وَفِي حَدِيثِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنَ الزِّيَادَةِ: ذِكْرُ اللَّهِ كَثِيرًا، وَفِي حَدِيثِ وَحْشِيِّ بْنِ حَرْبٍ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنَ الزِّيَادَةِ: وَاهْدُوا الْأَغْبِيَاءَ وَأَعِينُوا الْمَظْلُومَ. وَمَجْمُوعُ مَا فِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ أَرْبَعَةَ عَشَرَ أَدَبًا وَقَدْ نَظَمْتُهَا فِي ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ وَهِيَ:

جَمَعْتُ آدَابَ مَنْ رَامَ الْجُلُوسَ عَلَى الطَّـ … ـرِيقِ مِنْ قَوْلِ خَيْرِ الْخَلْقِ إِنْسَانَا

افْشُ السَّلَامَ وَأَحْسِنْ فِي الْكَلَامِ وَشَمِّـ … ـتْ عَاطِسًا وَسَلَامًا رُدَّ إِحْسَانَا

فِي الْحَمْلِ عَاوِنْ وَمَظْلُومًا أَعِنْ وَأَغِثْ … لَهْفَانَ اهْدِ سَبِيلًا واهْدِ حَيْرَانَا

بِالْعُرْفِ مُرْ وَانْهَ عَنْ نُكْرٍ وَكُفَّ أَذًى … وَغُضَّ طَرْفًا وَأَكْثِرْ ذِكْرَ مَوْلَانَا

وَقَدِ اشْتَمَلَتْ عَلَى مَعْنَى عِلَّةِ النَّهْيِ عَنِ الْجُلُوسِ فِي الطُّرُقِ مِنَ التَّعَرُّضِ لِلْفِتَنِ بِخُطُورِ النِّسَاءِ الشَّوَابِّ وَخَوْفِ مَا يَلْحَقُ مِنَ النَّظَرِ إِلَيْهِنَّ مِنْ ذَلِكَ، إِذْ لَمْ يُمْنَعِ النِّسَاءُ مِنَ الْمُرُورِ فِي الشَّوَارِعِ لِحَوَائِجِهِنَّ، وَمِنَ التَّعَرُّضِ لِحُقُوقِ اللَّهِ