للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بَيْتِ الْمَرْأَةِ هُوَ مِنْ مَالِ الرَّجُلِ، كَذَا قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ، قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ الْوَكِيلَ وَالْمُؤْتَمَنَ إِذَا عَلِمَ أَنَّهُ يَسُرُّ صَاحِبَهُ مَا يَفْعَلُهُ مِنْ ذَلِكَ جَازَ لَهُ فِعْلُهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ عُبَادَةَ كَانَ يَسُرُّهُ أَكْلُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِمَّا قَدَّمَتْهُ لَهُ امْرَأَتُهُ وَلَوْ كَانَ بِغَيْرِ إِذْنٍ خَاصٍّ مِنْهُ، وَتَعَقَّبَهُ الْقُرْطُبِيُّ بِأَنَّ عُبَادَةَ حِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ زَوْجَهَا كَمَا تَقَدَّمَ.

قُلْتُ: لَكِنْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ مَا يَنْفِي أَنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ ذَاتَ زَوْجٍ إِلَّا أَنَّ فِي كَلَامِ ابْنِ سَعْدٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّهَا كَانَتْ حِينَئِذٍ عَزَبًا، وَفِيهِ خِدْمَةُ الْمَرْأَةِ الضَّيْفَ بِتَفْلِيَةِ رَأْسِهِ، وَقَدْ أَشْكَلَ هَذَا عَلَى جَمَاعَةٍ فَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَظُنُّ أَنَّ أُمَّ حَرَامٍ أَرْضَعَتْ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أَوْ أُخْتَهَا أُمَّ سُلَيْمٍ فَصَارَتْ كُلٌّ مِنْهُمَا أُمَّهُ أَوْ خَالَتَهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَلِذَلِكَ كَانَ يَنَامُ عِنْدَهَا وَتَنَالُ مِنْهُ مَا يَجُوزُ لِلْمَحْرَمِ أَنْ يَنَالَهُ مِنْ مَحَارِمِهِ، ثُمَّ سَاقَ بِسَنَدِهِ إِلَى يَحْيَى بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُزَيِّنٍ، قَالَ: إِنَّمَا اسْتَجَازَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أَنْ تَفْلِيَ أُمُّ حَرَامٍ رَأْسَهُ لِأَنَّهَا كَانَتْ مِنْهُ ذَاتَ مَحْرَمٍ مِنْ قِبَلِ خَالَاتِهِ ; لِأَنَّ أُمَّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ جَدِّهِ كَانَتْ مِنْ بَنِي النَّجَّارِ.

وَمِنْ طَرِيقِ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: قَالَ لَنَا ابْنُ وَهْبٍ:، أُمُّ حَرَامٍ إِحْدَى خَالَاتِ النَّبِيِّ ﷺ مِنَ الرَّضَاعَةِ، فَلِذَلِكَ كَانَ يُقِيلُ عِنْدَهَا وَيَنَامُ فِي حِجْرِهَا وَتَفْلِي رَأْسَهُ. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: وَأَيُّهُمَا كَانَ فَهِيَ مَحْرَمٌ لَهُ، وَجَزَمَ أَبُو الْقَاسِمِ بْنُ الْجَوْهَرِيِّ، والدَاوُدِيُّ، وَالْمُهَلَّبُ فِيمَا حَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ عَنْهُ بِمَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ قَالَ وَقَالَ غَيْرُهُ: إِنَّمَا كَانَتْ خَالَةً لِأَبِيهِ أَوْ جَدِّهِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ.

وَقَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: سَمِعْتُ بَعْضَ الْحُفَّاظِ يَقُولُ: كَانَتْ أُمُّ سُلَيْمٍ أُخْتَ آمِنَةَ بِنْتِ وَهْبٍ أُمِّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَحَكَى ابْنُ الْعَرَبِيِّ مَا قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، ثُمَّ قَالَ: وَقَالَ غَيْرُهُ: بَلْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ مَعْصُومًا يَمْلِكُ أَرَبَهُ عَنْ زَوْجَتِهِ، فَكَيْفَ عَنْ غَيْرِهَا مِمَّا هُوَ الْمُنَزَّهُ عَنْهُ، وَهُوَ الْمُبَرَّأُ عَنْ كُلِّ فِعْلٍ قَبِيحٍ وَقَوْلٍ رَفَثٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصِهِ.

ثُمَّ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَبْلَ الْحِجَابِ، وَرُدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ الْحِجَابِ جَزْمًا، وَقَدْ قَدَّمْتُ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ عَلَى شَرْحِهِ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ بَعْدَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَرَدَّ عِيَاضٌ الْأَوَّلَ بِأَنَّ الْخَصَائِصَ لَا تَثْبُتُ بِالِاحْتِمَالِ وَثُبُوتُ الْعِصْمَةِ مُسَلَّمٌ، لَكِنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الْخُصُوصِيَّةِ وَجَوَازُ الِاقْتِدَاءِ بِهِ فِي أَفْعَالِهِ حَتَّى يَقُومَ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ دَلِيلٌ.

وَبَالَغَ الدِّمْيَاطِيُّ فِي الرَّدِّ عَلَى مَنِ ادَّعَى الْمَحْرَمِيَّةَ فَقَالَ: ذَهِلَ كُلُّ مَنْ زَعَمَ أَنَّ أُمَّ حَرَامٍ إِحْدَى خَالَاتِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللّ هُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الرَّضَاعَةِ أَوْ مِنَ النَّسَبِ وَكُلُّ مَنْ أَثْبَتَ لَهَا خُؤُولَةً تَقْتَضِي مَحْرَمِيَّةً ; لِأَنَّ أُمَّهَاتِهِ مِنَ النَّسَبِ وَاللَّاتِي أَرْضَعْنَهُ مَعْلُومَاتٌ لَيْسَ فِيهِنَّ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ألْبَتَّةَ سِوَى أُمِّ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَهِيَ سَلْمَى بِنْتُ عَمْرِو بْنِ زَيْدِ بْنِ لَبِيدِ بْنِ خِرَاشِ بْنِ عَامِرِ بْنِ غَنْمِ بْنِ عَدِيِّ بْنِ النَّجَّارِ وَأُمُّ حَرَامٍ هِيَ بِنْتُ مِلْحَانَ بْنِ خَالِدِ بْنِ زَيْدِ بْنِ حَرَامِ بْنِ جُنْدَبِ بْنِ عَامِرٍ الْمَذْكُورِ، فَلَا تَجْتَمِعُ أُمُّ حَرَامٍ وَسَلْمَى إِلَّا فِي عَامِرِ بْنِ غَنْمٍ جَدِّهِمَا الْأَعْلَى وَهَذِهِ خُؤُولَةٌ لَا تَثْبُتُ بِهَا مَحْرَمِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا خُؤُولُةٌ مَجَازِيَّةٌ وَهِيَ كَقَوْلِهِ ﷺ لِسَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: هَذَا خَالِي لِكَوْنِهِ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ وَهُمْ أَقَارِبُ أُمِّهِ آمِنَةَ وَلَيْسَ سَعْدٌ أَخًا لِآمِنَةَ لَا مِنَ النَّسَبِ وَلَا مِنَ الرَّضَاعَةِ.

ثُمَّ قَالَ: وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ ﷺ كَانَ لَا يَدْخُلُ عَلَى أَحَدٍ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِ إِلَّا عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ فَقِيلَ لَهُ فَقَالَ أَرْحَمُهَا قُتِلَ أَخُوهَا مَعِي يَعْنِي حَرَامَ بْنَ مِلْحَانَ، وَكَانَ قَدْ قُتِلَ يَوْمَ بِئْرِ مَعُونَةَ. قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَتْ قِصَّتُهُ فِي الْجِهَادِ فِي بَابِ فَضْلِ مَنْ جَهَّزَ غَازِيًا وَأَوْضَحْتُ هُنَاكَ وَجْهَ الْجَمْعِ بَيْنَ مَا أَفْهَمَهُ هَذَا الْحَصْرَ وَبَيْنَ مَا دَلَّ عَلَيْهِ حَدِيثُ الْبَابِ فِي أُمِّ حَرَامٍ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّهُمَا أُخْتَانِ كَانَتَا فِي دَارٍ وَاحِدَةٍ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي بَيْتٍ مِنْ تِلْكَ الدَّارِ وَحَرَامُ بْنُ مِلْحَانَ أَخُوهُمَا مَعًا، فَالْعِلَّةُ مُشْتَرِكَةٌ فِيهِمَا.

وَإِنْ ثَبَتَ قِصَّةُ أُمِّ عَبْدِ اللَّهِ بِنْتِ مِلْحَانَ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا قَرِيبًا، فَالْقَوْلُ فِيهَا كَالْقَوْلِ فِي أُمِّ حَرَامٍ، وَقَدِ انْضَافَ إِلَى الْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ كَوْنُ أَنَسٍ خَادِمِ النَّبِيِّ ﷺ وَقَدْ جَرَتِ الْعَادَةُ بِمُخَالَطَةِ الْمَخْدُومِ خَادِمَهُ وَأَهْلَ خَادِمِهِ وَرَفْعِ الْحِشْمَةِ الَّتِي تَقَعُ بَيْنَ الْأَجَانِبِ عَنْهُمْ، ثُمَّ قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ: عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ