وَلِمَا يُخْشَى مِنِ انْحِبَاسِ بَقِيَّةِ الْبَوْلِ فِي الْغُرْلَةِ وَلَا سِيَّمَا لِلْمُسْتَجْمِرِ فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ يَسِيلَ فَيُنَجِّسَ الثَّوْبَ أَوِ الْبَدَنَ، فَكَانَتِ الْمُبَادَرَةُ لِقَطْعِهَا عِنْدَ بُلُوغِ السِّنِّ الَّذِي يُؤْمَرُ بِهِ الصَّبِيُّ بِالصَّلَاةِ أَلْيَقَ الْأَوْقَاتِ، وَقَدْ بَيَّنْتُ الِاخْتِلَافَ فِي الْوَقْتِ الَّذِي يُشْرَعُ فِيهِ فِيمَا مَضَى.
قَوْلُهُ: وَاخْتَتَنَ بِالْقَدُومِ مُخَفَّفَةً ثُمَّ أَشَارَ إِلَيْهِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى مُشَدَّدَةً، وَزَادَ وَهُوَ مَوْضِعٌ وَقَدْ قَدَّمْتُ بَيَانَهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْمَذْكُورِ فِي تَرْجَمَةِ إِبْرَاهِيمَ ﵇ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ، وَأَشَرْتُ إِلَيْهِ أَيْضًا فِي أَثْنَاءِ اللِّبَاسِ، وَقَالَ الْمُهَلَّبُ: الْقَدُومُ بِالتَّخْفِيفِ الْآلَةُ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ
عَلَى خُطُوبٍ مِثْلِ نَحْتِ الْقَدُومِ
وَبِالتَّشْدِيدِ الْمَوْضِعُ، قَالَ: وَقَدْ يَتَّفِقُ لِإِبْرَاهِيمَ ﵇ الْأَمْرَانِ يَعْنِي أَنَّهُ اخْتَتَنَ بِالْآلَةِ وَفِي الْمَوْضِعِ.
قُلْتُ: وَقَدْ قَدَّمْتُ الرَّاجِحَ مِنْ ذَلِكَ هُنَاكَ وَفِي الْمُتَّفَقِ لِلجَّوْزَقِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ قَالَ: الْقَدُّومُ الْقَرْيَةُ، وَأَخْرَجَ أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ فِي تَارِيخِهِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنِ ابْنِ عَجْلَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: اخْتَتَنَ إِبْرَاهِيمُ بِالْقَدُومِ فَقُلْتُ لِيَحْيَى: مَا الْقَدُومُ؟ قَالَ الْفَأْسُ.
قَالَ الْكَمَالُ بْنُ الْعَدِيمِ فِي الْكِتَابِ الْمَذْكُورِ: الْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّ الْقَدُومَ الَّذِي اخْتَتَنَ بِهِ إِبْرَاهِيمُ هُوَ الْآلَةُ، يُقَالُ بِالتَّشْدِيدِ وَالتَّخْفِيفِ، وَالْأَفْصَحُ التَّخْفِيفُ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَتَيِ الْبُخَارِيِّ بِالْوَجْهَيْنِ، وَجَزَمَ النَّضْرُ بْنُ شُمَيْلٍ أَنَّهُ اخْتَتَنَ بِالْآلَةِ الْمَذْكُورَةِ فَقِيلَ لَهُ يَقُولُونَ قَدُومٌ قَرْيَةٌ بِالشَّامِ، فَلَمْ يَعْرِفْهُ، وَثَبَتَ عَلَى الْأَوَّلِ وَفِي صِحَاحِ الْجَوْهَرِيِّ الْقَدُومُ الْآلَةُ، وَالْمَوْضِعُ بِالتَّخْفِيفِ مَعًا، وَأَنْكَرَ ابْنُ السِّكِّيتِ التَّشْدِيدَ مُطْلَقًا، وَوَقَعَ فِي مُتَّفِقِ الْبُلْدَانِ لِلْحَازِمِيِّ قَدُومٌ قَرْيَةٌ كَانَتْ عِنْدَ حَلَبَ وَكَانَتْ مَجْلِسَ إِبْرَاهِيمَ.
قَوْلُهُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ. هُوَ الْبَغْدَادِيُّ الْمَعْرُوفُ بِصَاعِقَةَ، وَشَيْخُهُ عَبَّادُ بْنُ مُوسَى، هُوَ الْخُتَّلِيُّ بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْمُثَنَّاةِ الْفَوْقَانِيَّةِ وَفَتْحِهَا بَعْدَهَا لَامٌ مِنَ الطَّبَقَةِ الْوُسْطَى مِنْ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ نَزَلَ الْبُخَارِيُّ فِي هَذَا الْإِسْنَادِ دَرَجَةً بِالنِّسْبَةِ لِإِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ، فَإِنَّهُ أَخْرَجَ الْكَثِيرَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَعْفَرٍ بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ كَقُتَيْبَةَ وَعَلِيِّ بْنِ حُجْرٍ وَنَزَلَ فِيهِ دَرَجَتَيْنِ بِالنِّسْبَةِ لِإِسْرَائِيلَ؛ فَإِنَّهُ أَخْرَجَ عَنْهُ بِوَاسِطَةٍ وَاحِدَةٍ كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى، وَمُحَمَّدِ بْنِ سَابِقٍ.
قَوْلُهُ: أَنَا يومئذ مَخْتُونٌ، أَيْ وَقَعَ لَهُ الْخِتَانُ يُقَالُ: صَبِيٌّ مَخْتُونٌ وَمُخْتَتَنٌ وَخَتِينٌ بِمَعْنًى.
قَوْلُهُ: وَكَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ، أَيْ حَتَّى يَبْلُغَ الْحُلُمَ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: لَا أَدْرِي مَنِ الْقَائِلُ وَكَانُوا يَخْتِنُونَ أَهُوَ أَبُو إِسْحَاقَ أَوْ إِسْرَائِيلُ أَوْ مَنْ دُونَهُ، وَقَدْ قَالَ أَبُو بِشْرٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قُبِضَ النَّبِيُّ ﷺ وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ وَقَالَ الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ بِمِنًى وَأَنَا قَدْ نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ قَالَ: وَالْأَحَادِيثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي هَذَا مُضْطَرِبَةٌ.
قُلْتُ: وَفِي كَلَامِهِ نَظَرٌ، أَمَّا أَوَّلًا فَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنَّ الَّذِي يَثْبُتُ فِي الْحَدِيثِ مَعْطُوفًا عَلَى مَا قَبْلَهُ فَهُوَ مُضَافٌ إِلَى مَنْ نَقَلَ عَنْهُ الْكَلَامَ السَّابِقَ حَتَّى يَثْبُتَ أَنَّهُ مِنْ كَلَامِ غَيْرِهِ، وَلَا يَثْبُتُ الْإِدْرَاجُ بِالِاحْتِمَالِ، وَأَمَّا ثَانِيًا فَدَعْوَى الِاضْطِرَابِ مَرْدُودَةٌ مَعَ إِمْكَانِ الْجَمْعِ أَوِ التَّرْجِيحِ، فَإِنَّ الْمَحْفُوظَ الصَّحِيحَ أَنَّهُ وُلِدَ بِالشِّعْبِ وَذَلِكَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِثَلَاثِ سِنِينَ، فَيَكُونُ لَهُ عِنْدَ الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ سَنَةً وَبِذَلِكَ قَطَعَ أَهْلُ السِّيَرِ وَصَحَّحَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَأَوْرَدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: وُلِدْتُ وَبَنُو هَاشِمٍ فِي الشِّعْبِ وَهَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ: نَاهَزْتُ الِاحْتِلَامَ أَيْ قَارَبْتُهُ، وَلَا قَوْلَهُ: وَكَانُوا لَا يَخْتِنُونَ الرَّجُلَ حَتَّى يُدْرِكَ؛ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَدْرَكَ، فَخُتِنَ قَبْلَ الْوَفَاةِ النَّبَوِيَّةِ وَبَعْدِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ، وَأَمَّا قَوْلُهُ وَأَنَا ابْنُ عَشْرٍ فَمَحْمُولٌ عَلَى إِلْغَاءِ الْكَسْرِ وَرَوَى أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ كَانَ حِينَئِذٍ ابْنَ خَمْسَ عَشْرَةَ، وَيُمْكِنُ رَدُّهُ إِلَى رِوَايَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ بِأَنْ يَكُونَ ابْنَ ثَلَاثَ عَشْرَةَ وَشَيْءٍ وَوُلِدَ فِي أَثْنَاءِ السَّنَةِ، فَجَبْرُ الْكَسْرَيْنِ بِأَنْ يَكُونَ وُلِدَ مَثَلًا فِي شَوَّالٍ فَلَهُ مِنَ السَّنَةِ الْأُولَى ثَلَاثَةُ