أَنْتَ رَبِّي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي، فَاغْفِرْ لِي فَإِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ. قَالَ: وَمَنْ قَالَهَا مِنْ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنْ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ.
[الحديث ٦٣٠٦ - طرفه في ٦٣٢٣]
قَوْلُهُ: بَابُ أَفْضَلِ الِاسْتِغْفَارِ. سَقَطَ لَفْظُ بَابُ لِأَبِي ذَرٍّ. وَوَقَعَ فِي شَرْحِ ابْنِ بَطَّالٍ بِلَفْظِ فَضْلُ الِاسْتِغْفَارِ وَكَأَنَّهُ لَمَّا رَأَى الْآيَتَيْنِ فِي أَوَّلِ التَّرْجَمَةِ وَهُمَا دَالَّتَانِ عَلَى الْحَثِّ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ، ظَنَّ أَنَّ التَّرْجَمَةَ لِبَيَانِ فَضِيلَةِ الِاسْتِغْفَارِ، وَلَكِنَّ حَدِيثَ الْبَابِ يُؤَيِّدُ مَا وَقَعَ عِنْدَ الْأَكْثَرِ، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ أَرَادَ إِثْبَاتَ مَشْرُوعِيَّةِ الْحَثِّ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ بِذِكْرِ الْآيَتَيْنِ، ثُمَّ بَيَّنَ بِالْحَدِيثِ أَوْلَى مَا يُسْتَعْمَلُ مِنْ أَلْفَاظِهِ وَتَرْجَمَ بِالْأَفْضَلِيَّةِ.
وَوَقَعَ الْحَدِيثُ بِلَفْظِ السِّيَادَةِ، وَكَأَنَّهُ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالسِّيَادَةِ الْأَفْضَلِيَّةُ وَمَعْنَاهَا الْأَكْثَرُ نَفْعًا لِمُسْتَعْمِلِهِ، وَمِنْ أَوْضَحِ مَا وَقَعَ فِي فَضْلِ الِاسْتِغْفَارِ مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ حَدِيثِ يَسَارٍ وَغَيْرِهِ مَرْفُوعًا: مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَتْ ذُنُوبُهُ، وَإِنْ كَانَ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ. قَالَ أَبُو نُعَيْمٍ الْأَصْبِهَانِيُّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْكَبَائِرِ تُغْفَرُ بِبَعْضِ الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَضَابِطُهُ الذُّنُوبُ الَّتِي لَا تُوجِبُ عَلَى مُرْتَكِبِهَا حُكْمًا فِي نَفْسٍ وَلَا مَالٍ، وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُ أَنَّهُ مَثَّلَ بِالْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ وَهُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا كَانَ مِثْلَهُ أَوْ دُونَهُ يُغْفَرُ إِذَا كَانَ مِثْلَ الْفِرَارِ مِنَ الزَّحْفِ، فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ عَلَى مُرْتَكِبِهِ حُكْمًا فِي نَفْسٍ وَلَا مَالٍ.
قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ - تَعَالَى -: وَ ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا﴾ الْآيَةَ كَذَا رَأَيْتُ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ، وَسَقَطَتِ الْوَاوُ مِنْ رِوَايَةِ غَيْرِهِ وَهُوَ الصَّوَابُ، فَإِنَّ التِّلَاوَةَ ﴿فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ﴾ وَسَاقَ غَيْرُ أَبِي ذَرٍّ الْآيَةَ إِلَى قَوْلِهِ - تَعَالَى -: أَنْهَارًا، وَكَأَنَّ الْمُصَنِّفَ لَمَّحَ بِذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ إِلَى أَثَرِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ: أَنَّ رَجُلًا شَكَى إِلَيْهِ الْجَدْبَ فَقَالَ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَشَكَى إِلَيْهِ آخَرُ فَقَالَ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَشَكَى إِلَيْهِ آخَرُ جَفَافَ بُسْتَانِهِ فَقَالَ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ، وَشَكَى إِلَيْهِ آخَرُ عَدَمَ الْوَلَدِ فَقَالَ اسْتَغْفِرِ اللَّهَ ثُمَّ تَلَا عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْآيَةَ، وَفِي الْآيَةِ حَثٌّ عَلَى الِاسْتِغْفَارِ وَإِشَارَةٌ إِلَى وُقُوعِ الْمَغْفِرَةِ لِمَنِ اسْتَغْفَرَ، وَإِلَى ذَلِكَ أَشَارَ الشَّاعِرُ بِقَوْلِهِ
لَوْ لَمْ تُرِدْ نَيْلَ مَا أَرْجُو وَأَطْلُبُهُ … مِنْ جُودِ كَفَّيْكَ مَا عَلَّمْتَنِي الطَّلَبَا.
قَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ﴾ الْآيَةَ، كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ وَسَاقَ غَيْرُهُ إِلَى قَوْلِهِ وَهُمْ يَعْلَمُونَ، وَاخْتُلِفَ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ ذَكَرُوا اللَّهَ فَقِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ فَاسْتَغْفَرُوا تَفْسِيرٌ لِلْمُرَادِ بِالذِّكْرِ وَقِيلَ: هُوَ عَلَى حَذْفِ تَقْدِيرِهِ، ذَكَرُوا عِقَابَ اللَّهِ، وَالْمَعْنَى تَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ أَيْ لِأَجْلِ ذُنُوبِهِمْ، وَقَدْ وَرَدَ فِي حَدِيثٍ حَسَنٍ صِفَةُ الِاسْتِغْفَارِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ فِي الْآيَةِ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَالْأَرْبَعَةُ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ حَدِيثِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ﵄ وَصَدَقَ أَبُو بَكْرٍ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ ﷺ يَقُولُ مَا مِنْ رَجُلٍ يُذْنِبُ ذَنْبًا ثُمَّ يَقُومُ، فَيَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ ﷿ إِلَّا غَفَرَ لَهُ، ثُمَّ تَلَا ﴿وَالَّذِينَ إِذَا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute