للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اشْتِرَاطَ كَوْنِهَا لِلَّهِ - تَعَالَى - وُجُودُ النَّدَمِ عَلَى الْفِعْلِ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ الْإِقْلَاعَ عَنْ أَصْلِ تِلْكَ الْمَعْصِيَةِ كَمَنْ قَتَلَ وَلَدَهُ مَثَلًا وَنَدِمَ لِكَوْنِهِ وَلَدَهُ، وَكَمَنَ بَذَلَ مَالًا فِي مَعْصِيَةٍ ثُمَّ نَدِمَ عَلَى نَقْصِ ذَلِكَ الْمَالِ مِمَّا عِنْدَهُ، وَاحْتَجَّ مَنْ شَرَطَ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ مِنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ أَنْ يَرُدَّ تِلْكَ الْمَظْلِمَةَ بِأَنَّ مَنْ غَصَبَ أَمَةً فَزَنَى بِهَا لَا تَصِحُّ تَوْبَتُهُ إِلَّا بِرَدِّهَا لِمَالِكِهَا، وَأَنَّ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا عَمْدًا لَا تَصِحُّ تَوْبَتُهُ إِلَّا بِتَمْكِينِ نَفْسِهِ مِنْ وَلِيِّ الدَّمِ لِيَقْتَصَّ أَوْ يَعْفُوَ.

قُلْتُ: وَهَذَا مِنْ جِهَةِ التَّوْبَةِ مِنَ الْغَصْبِ وَمِنْ حَقِّ الْمَقْتُولِ وَاضِحٌ، وَلَكِنْ يُمْكِنُ أَنْ تَصِحَّ التَّوْبَةُ مِنَ الْعَوْدِ إِلَى الزِّنَا، وَإِنِ اسْتَمَرَّتِ الْأَمَةُ فِي يَدِهِ وَمِنَ الْعَوْدِ إِلَى الْقَتْلِ، وَإِنْ لَمْ يُمَكِّنْ مِنْ نَفْسِهِ، وَزَادَ بَعْضُ مَنْ أَدْرَكْنَاهُ فِي شُرُوطِ التَّوْبَةِ أُمُورًا أُخْرَى مِنْهَا أَنْ يُفَارِقَ مَوْضِعَ الْمَعْصِيَةِ، وَأَنْ لَا يَصِلَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ إِلَى الْغَرْغَرَةِ، وَأَنْ لَا تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا وَأَنْ لَا يَعُودَ إِلَى ذَلِكَ الذَّنْبِ فَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ بَان أَنَّ تَوْبَتَهُ بَاطِلَةٌ.

قُلْتُ: وَالْأَوَّلُ مُسْتَحَبٌّ، وَالثَّانِي وَالثَّالِثُ دَاخِلَانِ فِي حَدِّ التَّكْلِيفِ، وَالرَّابِعُ الْأَخِيرُ عُزِيَ لِلْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ الْبَاقِلَّانِيِّ. وَيَرُدُّهُ الْحَدِيثُ الْآتِي بَعْدَ عِشْرِينَ بَابًا وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَيْهِ فِي بَابِ فَضْلِ الِاسْتِغْفَارِ وَقَدْ قَالَ الْحَلِيمِيُّ فِي تَفْسِيرِ التَّوَّابِ فِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى أَنَّهُ الْعَائِدُ عَلَى عَبْدِهِ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ كُلَّمَا رَجَعَ لِطَاعَتِهِ وَنَدِمَ عَلَى مَعْصِيَتِهِ فَلَا يُحْبِطُ عَنْهُ مَا قَدَّمَهُ مِنْ خَيْرٍ وَلَا يَحْرِمُهُ مَا وَعَدَ بِهِ الطَّائِعَ مِنَ الْإِحْسَانِ. وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ: التَّوَّابُ الَّذِي يَعُودُ إِلَى الْقَبُولِ كُلَّمَا عَادَ الْعَبْدُ إِلَى الذَّنْبِ وَتَابَ.

قَوْلُهُ: وَقَالَ قَتَادَةُ تَوْبَةً نَصُوحًا الصَّادِقَةُ النَّاصِحَةُ، وَصَلَهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ مِنْ طَرِيقِ شَيْبَانَ، عَنْ قَتَادَةَ مِثْلَهُ وَقِيلَ: سُمِّيَتْ نَاصِحَةً؛ لِأَنَّ الْعَبْدَ يَنْصَحُ نَفْسَهُ فِيهَا فَذُكِرَتْ بِلَفْظِ الْمُبَالَغَةِ، وَقَرَأَ عَاصِمٌ نُصُوحًا بِضَمِّ النُّونِ أَيْ ذَاتَ نُصْحٍ وَقَالَ الرَّاغِبُ: النُّصْحُ تَحَرِّي قَوْلٍ أَوْ فِعْلٍ فِيهِ صَلَاحٌ، تَقُولُ: نَصَحْتُ لَكَ الْوُدَّ أَيْ أَخْلَصْتُهُ وَنَصَحْتُ الْجِلْدَ أَيْ خِطْتُهُ، وَالنَّاصِحُ الْخَيَّاطُ وَالنِّصَاحُ الْخَيْطُ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ تَوْبَةً نَصُوحًا مَأْخُوذًا مِنَ الْإِخْلَاصِ أَوْ مِنَ الْإِحْكَامِ وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ الْمُفَسِّرُ أَنَّهُ اجْتَمَعَ لَهُ مِنْ أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ فِي تَفْسِيرِ التَّوْبَةِ النَّصُوحِ ثَلَاثَةٌ وَعِشْرُونَ قَوْلًا: الْأَوَّلُ قَوْلُ عُمَرَ أَنْ يُذْنِبَ الذَّنْبَ ثُمَّ لَا يَرْجِعُ وَفِي لَفْظٍ ثُمَّ لَا يَعُودُ فِيهِ أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مِثْلَهُ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مَرْفُوعًا وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ فَقَالَ: أَنْ يَنْدَمَ إِذَا أَذْنَبَ، فَيَسْتَغْفِرَ ثُمَّ لَا يَعُودَ إِلَيْهِ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ جِدًّا.

الثَّانِي: أَنْ يُبْغِضَ الذَّنْبَ وَيَسْتَغْفِرَ مِنْهُ كُلَّمَا ذَكَرَهُ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ، الثَّالِثُ: قَوْلُ قَتَادَةَ الْمَذْكُورُ قَبْلُ، الرَّابِعُ: أَنْ يُخْلِصَ فِيهَا، الْخَامِسُ: أَنْ يَصِيرَ مِنْ عَدَمِ قَبُولِهَا عَلَى وَجَلٍ، السَّادِسُ: أَنْ لَا يَحْتَاجَ مَعَهَا إِلَى تَوْبَةٍ أُخْرَى، السَّابِعُ: أَنْ يَشْتَمِلَ عَلَى خَوْفٍ وَرَجَاءٍ وَيُدْمِنَ الطَّاعَةَ.

الثَّامِنُ مِثْلُهُ، وَزَادَ وَأَنْ يُهَاجِرَ مَنْ أَعَانَهُ عَلَيْهِ، التَّاسِعُ: أَنْ يَكُونَ ذَنْبُهُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ، الْعَاشِرُ: أَنْ يَكُونَ وَجْهًا بِلَا قَفًا كَمَا كَانَ فِي الْمَعْصِيَةِ قَفًا بِلَا وَجْهٍ، ثُمَّ سَرَدَ بَقِيَّةَ الْأَقْوَالِ مِنْ كَلَامِ الصُّوفِيَّةِ بِعِبَارَاتٍ مُخْتَلِفَةٍ وَمَعَانٍ مُجْتَمِعَةٍ تَرْجِعُ إِلَى مَا تَقَدَّمَ، وَجَمِيعُ ذَلِكَ مِنَ الْمُكَمِّلَاتِ لَا مِنْ شَرَائِطِ الصِّحَّةِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

قَوْلُهُ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ يُونُسَ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُونُسَ نُسِبَ إِلَى جَدِّهِ، وَاشْتُهِرَ بِذَلِكَ وَأَبُو شِهَابٍ شَيْخُهُ اسْمُهُ عَبْدُ رَبِّهِ بْنُ نَافِعٍ الْحَنَّاطُ بِالْمُهْمَلَةِ وَالنُّونِ وَهُوَ أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ الصَّغِيرُ، وَأَمَّا أَبُو شِهَابٍ الْحَنَّاطُ الْكَبِيرُ، فَهُوَ فِي طَبَقَةِ شُيُوخِ هَذَا، وَاسْمُهُ مُوسَى بْنُ نَافِعٍ، وَلَيْسَا أَخَوَيْنِ، وَهُمَا كُوفِيَّانِ، وَكَذَا بَقِيَّةُ رِجَالِ هَذَا السَّنَدِ.

قَوْلُهُ: عَنْ عُمَارَةَ بْنِ عُمَيْرٍ، فَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ تَصْرِيحَ الْأَعْمَشِ بِالتَّحْدِيثِ وَتَصْرِيحَ شَيْخِهِ عُمَارَةَ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي أُسَامَةَ الْمُعَلَّقَةِ بَعْدَ هَذَا وَعُمَارَةُ تَيْمِيٌّ مِنْ بَنِي تَيْمِ اللَّاتِ ابْنِ ثَعْلَبَةَ، كُوفِيٌّ مِنْ طَبَقَةِ الْأَعْمَشِ، وَشَيْخُهُ الْحَارِثُ بْنُ سُوَيْدٍ تَيْمِيٌّ أَيْضًا، وَفِي السَّنَدِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ،