وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ تَقُولُ إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ.
قَوْلُهُ: إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ أَيْ إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَضْطَجِعَ، وَوَقَعَ صَرِيحًا كَذَلِكَ فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَذْكُورَةِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ فِطْرِ بْنِ خَلِيفَةَ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيِّ: إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ وَأَنْتَ طَاهِرٌ فَتَوَسَّدْ يَمِينَكَ الْحَدِيثُ نَحْوُ حَدِيثِ الْبَابِ، وَسَنَدُهُ جَيِّدٌ، وَلَكِنْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي أَثْنَاءِ حَدِيثٍ آخَرَ سَأُشِيرُ إِلَيْهِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ الْآتِي فِي الْبَابِ بَعْدَهُ، وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ الرَّبِيعِ بْنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ قَالَ: قَالَ الْبَرَاءُ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِلَفْظِ مَنْ تَكَلَّمَ بِهَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ حِينَ يَأْخُذُ جَنْبَهُ مِنْ مَضْجَعِهِ بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ فَذَكَرَ نَحْوَ حَدِيثِ الْبَابِ.
قَوْلُهُ: فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ الْأَمْرُ فِيهِ لِلنَّدَبِ، وَلَهُ فَوَائِدُ مِنْهَا أَنْ يَبِيتَ عَلَى طَهَارَةٍ لِئَلَّا يَبْغَتَهُ الْمَوْتُ فَيَكُونُ عَلَى هَيْئَةٍ كَامِلَةٍ، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ النَّدْبُ إِلَى الِاسْتِعْدَادِ لِلْمَوْتِ بِطَهَارَةِ الْقَلْبِ لِأَنَّهُ أَوْلَى مِنْ طَهَارَةِ الْبَدَنِ، وَقَدْ أَخْرَجَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ مِنْ طَرِيقِ مُجَاهِدٍ قَالَ: قَالَ لِي ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا تَبِيتَنَّ إِلَّا عَلَى وُضُوءٍ فَإِنَّ الْأَرْوَاحَ تُبْعَثُ عَلَى مَا قُبِضَتْ عَلَيْهِ وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَبَا يَحْيَى الْقَتَّاتَ هُوَ صَدُوقٌ فِيهِ كَلَامٌ، وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مِرَايَةَ الْعِجْلِيِّ، قَالَ: مَنْ أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ طَاهِرًا وَنَامَ ذَاكِرًا كَانَ فِرَاشُهُ مَسْجِدًا وَكَانَ فِي صَلَاةٍ، وَذِكْرٍ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَمِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ نَحْوَهُ، وَيَتَأَكَّدُ ذَلِكَ فِي حَقِّ الْمُحْدِثِ وَلَا سِيَّمَا الْجُنُبُ وَهُوَ أَنْشَطُ لِلْعَوْدِ، وَقَدْ يَكُونُ مُنَشِّطًا لِلْغُسْلِ فَيَبِيتُ عَلَى طَهَارَةٍ كَامِلَةٍ وَمِنْهَا أَنْ يَكُونَ أَصْدَقَ لِرُؤْيَاهُ، وَأَبْعَدَ مِنْ تَلَعُّبِ الشَّيْطَانِ بِهِ. قَالَ التِّرْمِذِيُّ: لَيْسَ فِي الْأَحَادِيثِ ذِكْرُ الْوُضُوءِ عِنْدَ النَّوْمِ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
قَوْلُهُ: ثُمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ بِكَسْرِ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الْقَافِ أَيِ الْجَانِبِ، وَخَصَّ الْأَيْمَنَ لِفَوَائِدَ مِنْهَا أَنَّهُ أَسْرَعُ إِلَى الِانْتِبَاهِ وَمِنْهَا أَنَّ الْقَلْبَ مُتَعَلِّقٌ إِلَى جِهَةِ الْيَمِينِ فَلَا يَثْقُلُ بِالنَّوْمِ وَمِنْهَا قَالَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ: هَذِهِ الْهَيْئَةُ نَصَّ الْأَطِبَّاءُ عَلَى أَنَّهَا أَصْلَحُ لِلْبَدَنِ، قَالُوا: يَبْدَأُ بِالِاضْطِجَاعِ عَلَى الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ سَاعَةً ثُمَّ يَنْقَلِبُ إِلَى الْأَيْسَرِ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ سَبَبٌ لِانْحِدَارِ الطَّعَامِ وَالنَّوْمُ عَلَى الْيَسَارِ يَهْضِمُ لِاشْتِمَالِ الْكَبِدِ عَلَى الْمَعِدَةِ.
(تَنْبِيه):
هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، وَأَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الْبَرَاءِ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ ﷺ وَلَفْظُهُ كَمَا سَيَأْتِي قَرِيبًا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ نَامَ عَلَى شِقِّهِ الْأَيْمَنِ. ثُمَّ قَالَ الْحَدِيثَ، فَيُسْتَفَادُ مَشْرُوعِيَّةُ هَذَا الذِّكْرِ مِنْ قَوْلِهِ ﷺ وَمِنْ فِعْلِهِ، وَوَقَعَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ مِنْ رِوَايَةِ حُصَيْنِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنِ الْبَرَاءِ وَزَادَ فِي أَوَّلِهِ: ثُمَّ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَوَقَعَ عِنْدَ الْخَرَائِطِيِّ فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْبَرَاءِ بِلَفْظِ: كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي وَمَلِيكِي وَإِلَهِي لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ إِلَيْكَ، وَجَّهْتُ وَجْهِي. الْحَدِيثَ.
قَوْلُهُ: وَقُلِ اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي زَيْدٍ وَلِغَيْرِهِمَا أَسْلَمْتُ نَفْسِي قِيلَ الْوَجْهُ وَالنَّفْسُ هُنَا بِمَعْنَى الذَّاتِ وَالشَّخْصِ، أَيْ أَسْلَمْتُ ذَاتِي وَشَخْصِي لَكَ وَفِيهِ نَظَرٌ لِلْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فِي رِوَايَةِ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنِ الْبَرَاءِ الْآتِيَةِ بَعْدَ بَابٍ، وَلَفْظُهُ: أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا أَيْضًا فِي رِوَايَةِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَزَادَ خَصْلَةً رَابِعَةً وَلَفْظُهُ: أَسْلَمْتُ نَفْسِي إِلَيْكَ وَوَجَّهْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ. فَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِالنَّفْسِ هُنَا الذَّاتُ وَبِالْوَجْهِ الْقَصْدُ، وَأَبْدَى الْقُرْطُبِيُّ هَذَا احْتِمَالًا بَعْدَ جَزْمِهِ بِالْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ (أَسْلَمْت) أَيِ اسْتَسْلَمْتُ، وَانْقَدْتُ، وَالْمَعْنَى جَعَلْتُ نَفْسِي مُنْقَادَةً لَكَ تَابِعَةً لِحُكْمِكَ، إِذْ لَا قُدْرَةَ لِي عَلَى تَدْبِيرِهَا وَلَا عَلَى جَلْبِ مَا يَنْفَعُهَا إِلَيْهَا وَلَا دَفْعِ مَا يَضُرُّهَا عَنْهَا. وَقَوْلُهُ وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ أَيْ تَوَكَّلْتُ عَلَيْكَ فِي أَمْرِي كُلِّهِ. وَقَوْلُهُ: وَأَلْجَأْتُ أَيِ اعْتَمَدْتُ فِي أُمُورِي عَلَيْكَ لِتُعِينَنِي عَلَى مَا يَنْفَعُنِي؛ لِأَنَّ مَنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute