وَالتِّرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ: فَإِنْ أَصْبَحْتَ أَصْبَحْتَ، وَقَدْ أَصَبْتَ خَيْرًا وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ مِنْ طَرِيقِ حُصَيْنٍ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَيْدَةَ وَلَفْظُهُ: وَإِنْ أَصْبَحَ أَصَابَ خَيْرًا أَيْ صَلَاحًا فِي الْمَالِ وَزِيَادَةً فِي الْأَعْمَالِ.
قَوْلُهُ: (فَقُلْت) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَأَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَلِغَيْرِهِمَا، فَجَعَلْتُ أَسْتَذْكِرُهُنَّ أَيْ أَتَحَفَّظهُنَّ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الثَّوْرِيِّ، عَنْ مَنْصُورٍ الْمَاضِيَةِ فِي آخِرِ كِتَابِ الْوُضُوءِ فَرَدَّدْتُهَا أَيْ رَدَّدْتُ تِلْكَ الْكَلِمَاتِ لِأَحْفَظَهُنَّ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ فَرَدَّدْتُهُنَّ لِأَسْتَذْكِرَهُنَّ.
قَوْلُهُ: وَبِرَسُولِكِ الَّذِي أَرْسَلْتَ قَالَ: لَا وَبِنَبِيِّكِ الَّذِي أَرْسَلْتَ. فِي رِوَايَةِ جَرِيرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ فَقَالَ: قُلْ وَبِنَبِيِّكَ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: تَبَعًا لِغَيْرِهِ هَذَا حُجَّةٌ لِمَنْ لَمْ يُجِزْ، نَقْلَ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى، وَهُوَ الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ، فَإِنَّ لَفْظَ النُّبُوَّةِ وَالرِّسَالَةِ مُخْتَلِفَانِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ، فَإِنَّ النُّبُوَّةَ مِنَ النَّبَأِ وَهُوَ الْخَبَرُ فَالنَّبِيُّ فِي الْعُرْفِ هُوَ الْمُنَبَّأُ مِنْ جِهَةِ اللَّهِ بِأَمْرٍ يَقْتَضِي تَكْلِيفًا، وَإِنْ أُمِرَ بِتَبْلِيغِهِ إِلَى غَيْرِهِ فَهُوَ رَسُولٌ، وَإِلَّا فَهُوَ نَبِيٌّ غَيْرُ رَسُولٍ، وَعَلَى هَذَا فَكُلُّ رَسُولٍ نَبِيٌّ بِلَا عَكْسٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ وَالرَّسُولَ اشْتَرَكَا فِي أَمْرٍ عَامٍّ وَهُوَ النَّبَأُ، وَافْتَرَقَا فِي الرِّسَالَةِ، فَإِذَا قُلْتَ: فُلَانٌ رَسُولٌ تَضَمَّنَ أَنَّهُ نَبِيٌّ رَسُولٌ. وَإِذَا قُلْتَ: فُلَانٌ نَبِيٌّ لَمْ يَسْتَلْزِمْ أَنَّهُ رَسُولٌ، فَأَرَادَ ﷺ أَنْ يَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فِي اللَّفْظِ لِاجْتِمَاعِهِمَا فِيهِ حَتَّى يُفْهَمَ مِنْ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ حَيْثُ النُّطْقُ مَا وُضِعَ لَهُ وَلِيَخْرُجَ عَمَّا يَكُونُ شِبْهَ التَّكْرَارِ فِي اللَّفْظِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ، فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ وَرَسُولِكَ فَقَدْ فُهِمَ مِنْهُ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ فَإِذَا قَالَ الَّذِي أَرْسَلْتَ صَارَ كَالْحَشْوِ الَّذِي لَا فَائِدَةَ فِيهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فَلَا تَكْرَارَ فِيهِ لَا مُتَحَقِّقًا وَلَا مُتَوَهَّمًا انْتَهَى كَلَامُهُ.
وَقَوْلُهُ: صَارَ كَالْحَشْوِ مُتَعَقَّبٌ لِثُبُوتِهِ فِي أَفْصَحِ الْكَلَامِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ﴾ - ﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ﴾ - ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى﴾ وَمِنْ غَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ يَوْمَ يُنَادِي الْمُنَادِي إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ، فَالْأَوْلَى حَذْفُ هَذَا الْكَلَامِ الْأَخِيرِ وَالِاقْتِصَارُ عَلَى قَوْلِهِ وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ فِي هَذَا الْمَقَامِ أَفْيَدُ مِنْ قَوْلِهِ: وَرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ، لِمَا ذُكِرَ وَالَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْفَرْقِ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالنَّبِيِّ مُقَيَّدٌ بِالرَّسُولِ الْبَشَرِيِّ، وَإِلَّا فَإِطْلَاقُ الرَّسُولِ كَمَا فِي اللَّفْظِ هُنَا يَتَنَاوَلُ الْمَلَكَ كَجِبْرِيلَ مَثَلًا، فَيَظْهَرُ لِذَلِكَ فَائِدَةٌ أُخْرَى، وَهِيَ تَعَيُّنُ الْبَشَرِيِّ دُونَ الْمَلَكِ، فَيَخْلُصُ الْكَلَامُ مِنَ اللَّبْسِ، وَأَمَّا الِاسْتِدْلَالُ بِهِ عَلَى مَنْعِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى، فَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ شَرْطَ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى أَنْ يَتَّفِقَ اللَّفْظَانِ فِي الْمَعْنَى الْمَذْكُورِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ النَّبِيَّ وَالرَّسُولَ مُتَغَايِرَانِ لَفْظًا وَمَعْنًى، فَلَا يَتِمُّ الِاحْتِجَاجُ بِذَلِكَ.
قِيلَ: وَفِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِمَنْعِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى مُطْلَقًا نَظَرٌ، وَخُصُوصًا إِبْدَالَ الرَّسُولِ بِالنَّبِيِّ، وَعَكْسَهُ إِذَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّ الذَّاتَ الْمُحَدِّثَ عَنْهَا وَاحِدَةٌ، فَالْمُرَادُ يُفْهَمُ بِأَيِّ صِفَةٍ وُصِفَ بِهَا الْمَوْصُوفُ إِذَا ثَبَتَتِ الصِّفَةُ لَهُ، وَهَذَا بِنَاءٌ عَلَى أَنَّ السَّبَبَ فِي مَنْعِ الرِّوَايَةِ بِالْمَعْنَى أَنَّ الَّذِي يَسْتَجِيزُ ذَلِكَ قَدْ يُظَنُّ يُوفِي بِمَعْنَى اللَّفْظِ الْآخَرِ، وَلَا يَكُونُ كَذَلِكَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ كَمَا عُهِدَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَحَادِيثِ، فَالِاحْتِيَاطُ: الْإِتْيَانُ بِاللَّفْظِ، فَعَلَى هَذَا إِذَا تَحَقَّقَ بِالْقَطْعِ أَنَّ الْمَعْنَى فِيهِمَا مُتَّحِدٌ لَمْ يَضُرَّ بِخِلَافِ مَا إِذَا اقْتَصَرَ عَلَى الظَّنِّ، وَلَوْ كَانَ غَالِبًا، وَأَوْلَى مَا قِيلَ فِي الْحِكْمَةِ فِي رَدِّهِ ﷺ عَلَى مَنْ قَالَ الرَّسُولَ بَدَلَ النَّبِيِّ أَنَّ أَلْفَاظَ الْأَذْكَارِ تَوْقِيفِيَّةٌ وَلَهَا خَصَائِصُ وَأَسْرَارٌ لَا يَدْخُلُهَا الْقِيَاسُ، فَتَجِبُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى اللَّفْظِ الَّذِي وَرَدَتْ بِهِ، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْمَازِرِيِّ، قَالَ: فَيُقْتَصَرُ فِيهِ عَلَى اللَّفْظِ الْوَارِدِ بِحُرُوفِهِ وَقَدْ يَتَعَلَّقُ الْجَزَاءُ بِتِلْكَ الْحُرُوفِ، وَلَعَلَّهُ أَوْحَى إِلَيْهِ بِهَذِهِ الْكَلِمَاتِ فَيَتَعَيَّنُ أَدَاؤُهَا بِحُرُوفِهَا.
وَقَالَ النَّوَوِيُّ: فِي الْحَدِيثِ ثَلَاثُ سُنَنٍ إِحْدَاهَا الْوُضُوءُ عِنْدَ النَّوْمِ، وَإِنْ كَانَ مُتَوَضِّئًا كَفَاهُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ النَّوْمُ عَلَى طَهَارَةٍ. ثَانِيهَا: النَّوْمُ عَلَى الْيَمِينِ. ثَالِثُهَا: الْخَتْمُ بِذِكْرِ اللَّهِ. وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ: هَذَا الْحَدِيثُ يَشْتَمِلُ عَلَى الْإِيمَانِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute