للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِأَصْحَابِهِ فِي امْتِثَالِ الْأَمْرِ سَوَاءٌ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ مُطْلَقًا أَوْ مُقَيَّدًا بِالصَّلَاةِ، وَأَمَّا تَعَيُّنُهُ فِي الصَّلَاةِ فَعَنْ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةٍ، وَالْأَصَحُّ عِنْدَ أَتْبَاعِهِ: لَا تَجِبُ وَاخْتُلِفَ فِي الْأَفْضَلِ، فَعَنْ أَحْمَدَ أَكْمَلُ مَا وَرَدَ وَعَنْهُ يَتَخَيَّرُ، وَأَمَّا الشَّافِعِيَّةُ فَقَالُوا: يَكْفِي أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَاخْتَلَفُوا هَلْ يَكْفِي الْإِتْيَانُ بِمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، كَأَنْ يَقُولَهُ بِلَفْظِ الْخَبَرِ فَيَقُولُ: صَلَّى اللَّهِ عَلَى مُحَمَّدٍ مَثَلًا، وَالْأَصَحُّ إِجْزَاؤُهُ، وَذَلِكَ أَنَّ الدُّعَاءَ بِلَفْظِ الْخَبَرِ آكَدُ، فَيَكُونُ جَائِزًا بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَمَنْ مَنَعَ وَقَفَ عِنْدَ التَّعَبُّدِ وَهُوَ الَّذِي رَجَّحَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ.

بَلْ كَلَامُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّوَابَ الْوَارِدَ لِمَنْ صَلَّى عَلَى النَّبِيِّ إِنَّمَا يَحْصُلُ لِمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ بِالْكَيْفِيَّةِ الْمَذْكُورَةِ، وَاتَّفَقَ أَصْحَابُنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يُجْزِئُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْخَبَرِ، كَأَنْ يَقُولَ: الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ، إِذْ لَيْسَ فِيهِ إِسْنَادُ الصَّلَاةِ إِلَى اللَّهِ - تَعَالَى -، وَاخْتَلَفُوا فِي تَعَيُّنِ لَفْظِ مُحَمَّدٍ، لَكِنْ جَوَّزُوا الِاكْتِفَاءَ بِالْوَصْفِ دُونَ الِاسْمِ كَالنَّبِيِّ وَرَسُولِ اللَّهِ؛ لِأَنَّ لَفْظَ مُحَمَّدٍ وَقَعَ التَّعَبُّدُ بِهِ فَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ إِلَّا مَا كَانَ أَعْلَى مِنْهُ، وَلِهَذَا قَالُوا: لَا يُجْزِئُ الْإِتْيَانُ بِالضَّمِيرِ وَلَا بِأَحْمَدَ مَثَلًا فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا، مَعَ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي التَّشَهُّدِ بِقَوْلِهِ: النَّبِيِّ وَبِقَوْلِهِ: مُحَمَّدٍ، وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الِاجْتِزَاءِ بِكُلِّ لَفْظٍ أَدَّى الْمُرَادَ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: وَلَوْ قَالَ فِي أَثْنَاءِ التَّشَهُّدِ: الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ أَجْزَأَ، وَكَذَا لَوْ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، بِخِلَافِ مَا إِذَا قَدَّمَ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَهَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْبَنِيَ عَلَى أَنَّ تَرْتِيبَ أَلْفَاظِ التَّشَهُّدِ لَا يُشْتَرَطُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ، وَلَكِنْ دَلِيلُ مُقَابِلِهِ قَوِيٌّ؛ لِقولِهِمْ: كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ وَقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ: عَدَّهُنَّ فِي يَدَيَّ وَرَأَيْتُ لِبَعْضِ الْمُتَأَخِّرِينَ فِيهِ تَصْنِيفًا وَعُمْدَةُ الْجُمْهُورِ فِي الِاكْتِفَاءِ بِمَا ذُكِرَ أَنَّ الْوُجُوبَ ثَبَتَ بِنَصِّ الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾ فَلَمَّا سَأَلَ الصَّحَابَةُ عَنِ الْكَيْفِيَّةِ، وَعَلَّمَهَا لَهُمُ النَّبِيُّ -

وَاخْتَلَفَ النَّقْلُ لِتِلْكَ الْأَلْفَاظِ اقْتَصَرَ عَلَى مَا اتَّفَقَتْ عَلَيْهِ الرِّوَايَاتُ، وَتَرَكَ مَا زَادَ عَلَى ذَلِكَ، كَمَا فِي التَّشَهُّدِ؛ إِذْ لَوْ كَانَ الْمَتْرُوكُ وَاجِبًا لَمَا سَكَتَ عَنْهُ، انْتَهَى.

وَقَدِ اسْتَشْكَلَ ذَلِكَ ابْنُ الْفِرْكَاحِ فِي الْإِقْلِيدِ فَقَالَ: جَعْلُهُمْ هَذَا هُوَ الْأَقَلَّ يَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ عَلَى الِاكْتِفَاءِ بِمُسَمَّى الصَّلَاةِ فَإِنَّ الْأَحَادِيثَ الصَّحِيحَةَ لَيْسَ فِيهَا الِاقْتِصَارُ، وَالْأَحَادِيثَ الَّتِي فِيهَا الْأَمْرُ بِمُطْلَقِ الصَّلَاةِ لَيْسَ فِيهَا مَا يُشِيرُ إِلَى مَا يَجِبُ مِنْ ذَلِكَ فِي الصَّلَاةِ، وَأَقَلُّ مَا وَقَعَ فِي الرِّوَايَاتِ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَمِنْ ثَمَّ حَكَى الْفُورَانِيُّ عَنْ صَاحِبِ الْفُرُوعِ فِي إِيجَابِ ذِكْرِ إِبْرَاهِيمَ وَجْهَيْنِ، وَاحْتَجَّ لِمَنْ لَمْ يُوجِبْهُ بِأَنَّهُ وَرَدَ بِدُونِ ذِكْرِهِ فِي حَدِيثِ زَيْدِ بْنِ خَارِجَةَ عِنْدَ النَّسَائِيِّ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ، وَلَفْظُهُ: صَلُّوا عَلَيَّ وَقُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ مِنِ اخْتِصَارِ بَعْضِ الرُّوَاةِ؛ فَإِنَّ النَّسَائِيَّ أَخْرَجَهُ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ بِتَمَامِهِ، وَكَذَا الطَّحَاوِيُّ، وَاخْتُلِفَ فِي إِيجَابِ الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ فَفِي تَعَيُّنِهَا أَيْضًا عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنَابِلَةِ رِوَايَتَانِ، وَالْمَشْهُورُ عِنْدَهُمْ لَا، وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، وَادَّعَى كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِيهِ الْإِجْمَاعَ، وَأَكْثَرُ مَنْ أَثْبَتَ الْوُجُوبَ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ نَسَبُوهُ إِلَى التُّرُنْجِيِّ، وَنَقَلَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الشُّعَبِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ - وَهُوَ مِنْ كِبَارِ الشَّافِعِيَّةِ - قَالَ: أَنَا أَعْتَقِدُ وُجُوبَهَا، قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: وَفِي الْأَحَادِيثِ الثَّابِتَةِ دَلَالَةٌ عَلَى صِحَّةِ مَا قَالَ، قُلْتُ:

وَفِي كَلَامِ الطَّحَاوِيِّ فِي مُشْكِلِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ حَرْمَلَةَ نَقَلَهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ، وَاسْتَدَلَّ بِهِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ وَآلِهِ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ، وَالْمُصَحَّحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ اسْتِحْبَابُ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ، وَأَمَّا الْأَوَّلُ فَبَنَاهُ الْأَصْحَابُ عَلَى حُكْمِ ذَلِكَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ إِنْ قُلْنَا بِالْوُجُوبِ.

قُلْتُ: وَاسْتُدِلَّ بِتَعْلِيمِهِ لِأَصْحَابِهِ الْكَيْفِيَّةَ بَعْدَ سُؤَالِهِمْ عَنْهَا بِأَنَّهَا أَفْضَلُ كَيْفِيَّاتِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْتَارُ لِنَفْسِهِ إِلَّا الْأَشْرَفَ الْأَفْضَلَ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ: لَوْ حَلَفَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ أَفْضَلَ الصَّلَاةِ؛ فَطَرِيقُ الْبِرِّ أَنْ يَأْتِيَ بِذَلِكَ، هَكَذَا صَوَّبَهُ النَّوَوِيُّ فِي الرَّوْضَةِ بَعْدَ