للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عَلَيْهِمَا وَقَدِ اسْتَشْكَلَ شَيْخُنَا فِي شَرْحِ التِّرْمِذِيِّ هَذَا الْكَلَامَ، وَقَالَ: مَا عَرَفْتُ الْمُرَادَ بِهِ؛ فَإِنَّ ابْنَ الْمُنْكَدِرِ، وَثَابِتًا ثِقَتَانِ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، قُلْتُ: يَظْهَرُ لِي أَنَّ مُرَادَهُمُ التَّهَكُّمُ، وَالنُّكْتَةُ فِي اخْتِصَاصِ التَّرْجَمَةِ لِلشُّهْرَةِ وَالْكَثْرَةِ، ثُمَّ سَاقَ ابْنُ عَدِيٍّ، لِعَبْدِ الرَّحْمَنِ أَحَادِيثَ، وَقَالَ: هُوَ مُسْتَقِيمُ الْحَدِيثِ، وَالَّذِي أَنْكَرَ عَلَيْهِ حَدِيثَ الِاسْتِخَارَةِ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ، كَمَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي الْمَوَالِ.

قُلْتُ: يُرِيدُ أَنَّ لِلْحَدِيثِ شَوَاهِدَ، وَهُوَ كَمَا قَالَ مَعَ مُشَاحَحَةٍ فِي إِطْلَاقِهِ، قَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَهُ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ أَبِي الْمَوَالِ، وَهُوَ مَدَنِيٌّ ثِقَةٌ، رَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، وَفِي الْبَابِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَبِي أَيُّوبَ.

قُلْتُ: وَجَاءَ أَيْضًا عَنْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، فَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِمُ، وَحَدِيثُ أَبِي أَيُّوبَ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ وَصَحَّحَهُ ابْنُ حِبَّانَ، وَالْحَاكِمُ، وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُمَا ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ، وَحَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ حَدِيثٌ وَاحِدٌ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَةَ، عَنْ عَطَاءٍ عَنْهُمَا، وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا ذِكْرُ الصَّلَاةِ سِوَى حَدِيثِ جَابِرٍ، إِلَّا أَنَّ لَفْظَ أَبِي أَيُّوبَ: اكْتُمِ الْخُطْبَةَ وَتَوَضَّأْ فَأَحْسِنِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ صَلِّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكَ الْحَدِيثَ فَالتَّقْيِيدُ بِرَكْعَتَيْنِ خَاصٌّ بِحَدِيثِ جَابِرٍ، وَجَاءَ ذِكْرُ الِاسْتِخَارَةِ فِي حَدِيثِ سَعْدٍ رَفَعَهُ: مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ اسْتِخَارَتُهُ اللَّهَ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ، وَأَصْلُهُ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ لَكِنْ بِذِكْرِ الرِّضَا وَالسُّخْطِ لَا بِلَفْظِ الِاسْتِخَارَةِ وَمِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَنَّ النَّبِيَّ كَانَ إِذَا أَرَادَ أَمْرًا قَالَ: اللَّهُمَّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ، وَفِي حَدِيثِ أَنَسٍ رَفَعَهُ: مَا خَابَ مَنِ اسْتَخَارَ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ بِسَنَدٍ وَاهٍ جِدًّا.

قَوْلُهُ: (عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ، عَنْ جَابِرٍ) وَقَعَ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقِ مَعْنِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ: سَمِعْتُ مُحَمَّدَ بْنَ الْمُنْكَدِرِ يُحَدِّثُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَسَنِ - أَيِ ابْنَ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ - يَقُولُ: أَخْبَرَنِي جَابِرٌ السَّلَمِيُّ وَهُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَاللَّامِ نِسْبَةً إِلَى بَنِي سَلِمَةَ بِكَسْرِ اللَّامِ بَطْنٌ مِنَ الْأَنْصَارِ، وَعِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ عُمَيْرٍ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ سَمِعْتُ ابْنَ الْمُنْكَدِرِ، حَدَّثَنِي جَابِرٌ.

قَوْلُهُ: (كَانَ النَّبِيُّ يُعَلِّمُنَا الِاسْتِخَارَةَ) فِي رِوَايَةِ مَعْنٍ: يُعَلِّمُ أَصْحَابَهُ وَكَذَا فِي طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ عُمَيْرٍ.

قَوْلُهُ: (فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا) قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: هُوَ عَامٌّ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ؛ فَإِنَّ الْوَاجِبَ وَالْمُسْتَحَبَّ لَا يُسْتَخَارُ فِي فِعْلِهِمَا، وَالْحَرَامُ وَالْمَكْرُوهُ لَا يُسْتَخَارُ فِي تَرْكِهِمَا، فَانْحَصَرَ الْأَمْرُ فِي الْمُبَاحِ وَفِي الْمُسْتَحَبِّ، إِذَا تَعَارَضَ مِنْهُ أَمْرَانِ أَيُّهُمَا يَبْدَأُ بِهِ وَيَقْتَصِرُ عَلَيْهِ، قُلْتُ: وَتَدْخُلُ الِاسْتِخَارَةُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ فِي الْوَاجِبِ وَالْمُسْتَحَبِّ الْمُخَيَّرِ، وَفِيمَا كَانَ زَمَنُهُ مُوَسَّعًا، وَيَتَنَاوَلُ الْعُمُومَ الْعَظِيمَ مِنَ الْأُمُورِ، وَالْحَقِيرَ فَرُبَّ حَقِيرٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ الْأَمْرُ الْعَظِيمُ.

قَوْلُهُ: (كَالسُّورَةِ مِنَ الْقُرْآنِ) فِي رِوَايَةِ قُتَيْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْمَاضِيَةِ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ: كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، قِيلَ: وَجْهُ التَّشْبِيهِ عُمُومُ الْحَاجَةِ فِي الْأُمُورِ كُلِّهَا إِلَى الِاسْتِخَارَةِ كَعُمُومِ الْحَاجَةِ إِلَى الْقُرْآنِ فِي الصَّلَاةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مَا يَقَعُ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي التَّشَهُّدِ: عَلَّمَنِي رَسُولُ اللَّهِ التَّشَهُّدَ كَفِّي بَيْنَ كَفَّيْهِ أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي الِاسْتِئْذَانِ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَخَذْتُ التَّشَهُّدَ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ كَلِمَةً كَلِمَةً أَخْرَجَهَا الطَّحَاوِيُّ، وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ نَحْوَهُ، وَقَالَ: حَرْفًا حَرْفًا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: التَّشْبِيهُ فِي تَحَفُّظِ حُرُوفِهِ وَتَرَتُّبِ كَلِمَاتِهِ وَمَنْعِ الزِّيَادَةِ وَالنَّقْصِ مِنْهُ وَالدَّرْسِ لَهُ وَالْمُحَافَظَةِ عَلَيْهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ الِاهْتِمَامِ بِهِ وَالتَّحَقُّقِ لِبَرَكَتِهِ وَالِاحْتِرَامِ لَهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ جِهَةِ كَوْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا عَلِمَ بِالْوَحْيِ.