للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فَعَدَلُوا بِهِ عَنْ سُنَنِ الْوُجُوبِ، وَلَمَّا كَانَ مُشْتَمِلًا عَلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَالتَّفْوِيضِ إِلَيْهِ كَانَ مَنْدُوبًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ، ثُمَّ نَقُولُ: هُوَ ظَاهِرٌ فِي تَأْخِيرِ الدُّعَاءِ عَنِ الصَّلَاةِ، فَلَوْ دَعَا بِهِ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ احْتَمَلَ الْإِجْزَاءَ، وَيَحْتَمِلُ التَّرْتِيبَ عَلَى تَقْدِيمِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ الدُّعَاءِ؛ فَإِنَّ مَوْطِنَ الدُّعَاءِ فِي الصَّلَاةِ السُّجُودُ أَوِ التَّشَهُّدُ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: الْحِكْمَةُ فِي تَقْدِيمِ الصَّلَاةِ عَلَى الدُّعَاءِ أَنَّ الْمُرَادَ بِالِاسْتِخَارَةِ حُصُولُ الْجَمْعِ بَيْنَ خَيْرَيِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، فَيَحْتَاجُ إِلَى قَرْعِ بَابِ الْمَلِكِ، وَلَا شَيْءَ لِذَلِكَ أَنْجَعُ وَلَا أَنْجَحَ مِنَ الصَّلَاةِ؛ لِمَا فِيهَا مِنْ تَعْظِيمِ اللَّهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ وَالِافْتِقَارِ إِلَيْهِ مَآلًا وَحَالًا.

قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ) الْبَاءُ لِلتَّعْلِيلِ، أَيْ: لِأَنَّكَ أَعْلَمُ وَكَذَا هِيَ فِي قَوْلِهِ: بِقُدْرَتِكَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِعَانَةِ كَقَوْلِهِ: ﴿بِسْمِ اللَّهِ مَجْرَاهَا﴾ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِعْطَافِ كَقَوْلِهِ: ﴿قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ﴾ الْآيَةَ، وَقَوْلُهُ: وَأَسْتَقْدِرُكَ أَيْ: أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تَجْعَلَ لِي عَلَى ذَلِكَ قُدْرَةً، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَطْلُبُ مِنْكَ أَنْ تَقْدُرَهُ لِي، وَالْمُرَادُ بِالتَّقْدِيرِ: التَّيْسِيرُ.

قَوْلُهُ: (وَأَسَالُكَ مِنْ فَضْلِكَ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ إِعْطَاءَ الرَّبِّ فَضْلٌ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ عَلَيْهِ حَقٌّ فِي نِعَمِهِ، كَمَا هُوَ مَذْهَبُ أَهْلِ السُّنَّةِ.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ) إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْعِلْمَ وَالْقُدْرَةَ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَلَيْسَ لِلْعَبْدِ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا مَا قَدَّرَ اللَّهُ لَهُ، وَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنْتَ يَا رَبِّ تَقْدِرُ قَبْلَ أَنْ تَخْلُقَ فِيِّ الْقُدْرَةِ، وَعِنْدَمَا تَخْلُقُهَا فِيَّ وَبَعْدَ مَا تَخْلُقُهَا.

قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ) فِي رِوَايَةِ مَعْنٍ وَغَيْرِهِ: فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ هَذَا الْأَمْرَ زَادَ أَبُو دَاوُدَ فِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُقَاتِلٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي الْمَوَالِ: الَّذِي يُرِيدُ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ مَعْنٍ: ثُمَّ يُسَمِّيهِ بِعَيْنِهِ وَقَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فِي الْبَابِ، وَظَاهِرُ سِيَاقِهِ أَنْ يَنْطِقَ بِهِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكْتَفِيَ بِاسْتِحْضَارِهِ بِقَلْبِهِ عِنْدَ الدُّعَاءِ، وَعَلَى الْأَوَّلِ تَكُونُ التَّسْمِيَةُ بَعْدَ الدُّعَاءِ، وَعَلَى الثَّانِي تَكُونُ الْجُمْلَةُ حَالِيَّةً، وَالتَّقْدِيرُ: فَلْيَدْعُ مُسَمِّيًا حَاجَتَهُ. وَقَوْلُهُ: إِنْ كُنْتَ اسْتَشْكَلَ الْكِرْمَانِيُّ الْإِتْيَانَ بِصِيغَةِ الشَّكِّ هُنَا، وَلَا يَجُوزُ الشَّكُّ فِي كَوْنِ اللَّهِ عَالِمًا، وَأَجَابَ بِأَنَّ الشَّكَّ فِي أَنَّ الْعِلْمَ مُتَعَلِّقٌ بِالْخَيْرِ أَوِ الشَّرِّ لَا فِي أَصْلِ الْعِلْمِ.

قَوْلُهُ: (وَمَعَاشِي) زَادَ أَبُو دَاوُدَ وَمَعَادِي وَهُوَ يُؤَيِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَعَاشِ الْحَيَاةُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِالْمَعَاشِ مَا يُعَاشُ فِيهِ، وَلِذَلِكَ وَقَعَ فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَفِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ: فِي دُنْيَايَ وَآخِرَتِي زَادَ ابْنُ حِبَّانَ فِي رِوَايَتِهِ: وَدِينِي وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: فِي دِينِي وَمَعِيشَتِي.

قَوْلُهُ: (وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ) هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَلَمْ تَخْتَلِفِ الطُّرُقُ فِي ذَلِكَ، وَاقْتَصَرَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عَلَى: عَاقِبَةِ أَمْرِي وَكَذَا فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَهُوَ يُؤَيِّدُ أَحَدَ الِاحْتِمَالَيْنِ فِي أَنَّ الْعَاجِلَ وَالْآجِلَ مَذْكُورَانِ بَدَلَ الْأَلْفَاظِ الثَّلَاثَةِ، أَوْ بَدَلَ الْأَخِيرَيْنِ فَقَطْ، وَعَلَى هَذَا فَقَوْلُ الْكِرْمَانِيِّ: لَا يَكُونُ الدَّاعِي جَازِمًا بِمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا إِنْ دَعَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ يَقُولُ مَرَّةً: فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي وَمَرَّةً: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ وَمَرَّةً: فِي دِينِي وَعَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ قُلْتُ: وَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ أَيِ الشَّكُّ فِي حَدِيثِ أَبِي أَيُّوبَ، وَلَا أَبِي هُرَيْرَةَ أَصْلًا.

قَوْلُهُ: (فَاقْدُرْهُ لِي) قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ: أَهْلُ بَلَدِنَا يَكْسِرُونَ الدَّالَ، وَأَهْلُ الشَّرْقِ يَضُمُّونَهَا، وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ: اجْعَلْهُ مَقْدُورًا لِي أَوْ قَدِّرْهُ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: يَسِّرْهُ لِي، زَادَ مَعْنٌ: وَيَسِّرْهُ لِي وَبَارِكْ لِي فِيهِ.

قَوْلُهُ: (فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ) أَيْ: حَتَّى لَا يَبْقَى قَلْبُهُ بَعْدَ صَرْفِ الْأَمْرِ عَنْهُ مُتَعَلِّقًا بِهِ، وَفِيهِ دَلِيلٌ لِأَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الشَّرَّ مِنْ تَقْدِيرِ اللَّهِ عَلَى الْعَبْدِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى اخْتِرَاعِهِ لَقَدَرَ عَلَى صَرْفِهِ، وَلَمْ يَحْتَجْ إِلَى طَلَبِ صَرْفِهِ عَنْهُ.

قَوْلُهُ: (وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ) فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ - بَعْدَ قَوْلِهِ: وَاقْدُرْ لِيَ الْخَيْرَ أَيْنَمَا كَانَ -: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ.

قَوْلُهُ: (ثُمَّ رَضِّنِي)