كِتَابُ اللَّهِ وَالصِّحَاحُ مِنَ الْأَخْبَارِ، فَلْتُطْلَبِ الْبَقِيَّةُ مِنَ الْأَخْبَارِ الصَّحِيحَةِ.
قَالَ الْغَزَالِيُّ: وَأَظُنُّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثَ يَعْنِي الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ أَوْ بَلَغَهُ فَاسْتَضْعَفَ إِسْنَادَهُ.
قُلْتُ: الثَّانِي هُوَ مُرَادُهُ فَإِنَّهُ ذَكَرَ نَحْوَ ذَلِكَ فِي الْمُحَلَّى، ثُمَّ قَالَ: وَالْأَحَادِيثُ الْوَارِدَةُ فِي سَرْدِ الْأَسْمَاءِ ضَعِيفَةٌ لَا يَصِحُّ شَيْءٌ مِنْهَا أَصْلًا وَجَمِيعُ مَا تَتَبَّعْتُهُ مِنَ الْقُرْآنِ ثَمَانِيَةٌ وَسِتُّونَ اسْمًا، فَإِنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ بِصُورَةِ الِاسْمِ لَا مَا يُؤْخَذُ مِنَ الِاشْتِقَاقِ كَالْبَاقِي مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ﴾، وَلَا مَا وَرَدَ مُضَافًا كَالْبَدِيعِ مِنْ قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ﴾.
وَسَأُبَيِّنُ الْأَسْمَاءَ الَّتِي اقْتَصَرَ عَلَيْهَا قَرِيبًا، وَقَدِ اسْتَضْعَفَ الْحَدِيثَ أَيْضًا جَمَاعَةٌ، فَقَالَ الدَاوُدِيُّ: لَمْ يَثْبُتْ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ عَيَّنَ الْأَسْمَاءَ الْمَذْكُورَةَ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْأَسْمَاءُ تَكْمِلَةَ الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ مِنْ جَمْعِ بَعْضِ الرُّوَاةِ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدِي. وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ: أَسْمَاءُ اللَّهِ وَصِفَاتُهُ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِالتَّوْقِيفِ مِنَ الْكِتَابِ أَوِ السُّنَّةِ أَوِ الْإِجْمَاعِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهَا الْقِيَاسُ، وَلَمْ يَقَعْ فِي الْكِتَابِ ذِكْرُ عَدَدٍ مُعَيَّنٍ. وَثَبَتَ فِي السُّنَّةِ أَنَّهَا تِسْعَةٌ وَتِسْعُونَ، فَأَخْرَجَ بَعْضُ النَّاسِ مِنَ الْكِتَابِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا أَخْرَجَ مِنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ بَعْضَهَا لَيْسَتْ أَسْمَاءً يَعْنِي صَرِيحَةً.
وَنَقَلَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ، عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْبَلْخِيِّ: أَنَّهُ طَعَنَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، فَقَالَ: أَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي لَمْ يُسْرَدْ فِيهَا الْأَسْمَاءُ، وَهِيَ الَّتِي اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهَا أَقْوَى مِنَ الرِّوَايَةِ الَّتِي سُرِدَتْ فِيهَا الْأَسْمَاءُ فَضَعِيفَةٌ مِنْ جِهَةِ أَنَّ الشَّارِعَ ذَكَرَ هَذَا الْعَدَدَ الْخَاصَّ. وَيَقُولُ: إِنَّ مَنْ أَحْصَاهُ دَخَلَ الْجَنَّةَ، ثُمَّ لَا يَسْأَلُهُ السَّامِعُونَ عَنْ تَفْصِيلِهَا، وَقَدْ عَلِمْتُ شِدَّةَ رَغْبَةِ الْخَلْقِ فِي تَحْصِيلِ هَذَا الْمَقْصُودِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ لَا يُطَالِبُوهُ بِذَلِكَ وَلَوْ طَالَبُوهُ لَبَيَّنَهَا لَهُمْ، وَلَوْ بَيَّنَهَا لَمَا أَغْفَلُوهُ وَلَنُقِلَ ذَلِكَ عَنْهُمْ. وَأَمَّا الرِّوَايَةُ الَّتِي سُرِدَتْ فِيهَا الْأَسْمَاءُ فَيَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهَا عَدَمُ تَنَاسُبِهَا فِي السِّيَاقِ وَلَا فِي التَّوْقِيفِ وَلَا فِي الِاشْتِقَاقِ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ الْمُرَادُ الْأَسْمَاءَ فَقَطْ فَغَالِبُهَا صِفَاتٌ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ الصِّفَاتِ فَالصِّفَاتُ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ. وَأَجَابَ الْفَخْرُ الرَّازِيُّ عَنِ الْأَوَّلِ: بِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ عَدَمِ تَفْسِيرِهَا أَنْ يَسْتَمِرُّوا عَلَى الْمُوَاظَبَةِ بِالدُّعَاءِ بِجَمِيعِ مَا وَرَدَ مِنَ الْأَسْمَاءِ؛ رَجَاءَ أَنْ يَقَعُوا عَلَى تِلْكَ الْأَسْمَاءِ الْمَخْصُوصَةِ، كَمَا أُبْهِمَتْ سَاعَةُ الْجُمُعَةِ وَلَيْلَةُ الْقَدْرِ وَالصَّلَاةُ الْوُسْطَى. وَعَنِ الثَّانِي: بِأَنَّ سَرْدَهَا إِنَّمَا وَقَعَ بِحَسَبِ التَّتَبُّعِ وَالِاسْتِقْرَاءِ عَلَى الرَّاجِحِ، فَلَمْ يَحْصُلْ الِاعْتِنَاءُ بِالتَّنَاسُبِ، وَبِأَنَّ الْمُرَادَ مَنْ أَحْصَى هَذِهِ الْأَسْمَاءَ دَخَلَ الْجَنَّةَ بِحَسَبِ مَا وَقَعَ الِاخْتِلَافُ فِي تَفْسِيرِ الْمُرَادِ بِالْإِحْصَاءِ، فَلَمْ يَكُنِ الْقَصْدُ حَصْرَ الْأَسْمَاءِ. انْتَهَى.
وَإِذَا تَقَرَّرَ رُجْحَانُ أَنَّ سَرْدَ الْأَسْمَاءِ لَيْسَ مَرْفُوعًا، فَقَدِ اعْتَنَى جَمَاعَةٌ بِتَتَبُّعِهَا مِنَ الْقُرْآنِ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ بِعَدَدٍ، فَرُوِّينَا فِي كِتَابِ الْمِائَتَيْنِ لِأَبِي عُثْمَانَ الصَّابُونِيِّ بِسَنَدِهِ إِلَى مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى الذُّهْلِيِّ: أَنَّهُ اسْتَخْرَجَ الْأَسْمَاءَ مِنَ الْقُرْآنِ، وَكَذَا أَخْرَجَ أَبُو نُعَيْمٍ، عَنِ الطَّبَرَانِيِّ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَمْرٍو الْخَلَّالِ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَمْرٍو حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ الصَّادِقِ عَنِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، فَقَالَ: هِيَ فِي الْقُرْآنِ. وَرُوِّينَا فِي فَوَائِدِ تَمَّامٍ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الطَّاهِرِ بْنِ السَّرْحِ، عَنْ حِبَّانَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ. الْحَدِيثَ. يَعْنِي حَدِيثَ إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا قَالَ: فَوَعَدَنَا سُفْيَانُ أَنْ يُخْرِجَهَا لَنَا مِنَ الْقُرْآنِ فَأَبْطَأَ، فَأَتَيْنَا أَبَا زَيْدٍ، فَأَخْرَجَهَا لَنَا، فَعَرَضْنَاهَا عَلَى سُفْيَانَ، فَنَظَرَ فِيهَا أَرْبَعَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ: نَعَمْ، هِيَ هَذِهِ.
وَهَذَا سِيَاقُ مَا ذَكَرَهُ جَعْفَرٌ، وَأَبُو زَيْدٍ، قَالَا: فَفِي الْفَاتِحَةِ خَمْسَةٌ اللَّهُ رَبٌّ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ مَالِكٌ وَفِي الْبَقَرَةِ مُحِيطٌ قَدِيرٌ عَلِيمٌ حَكِيمٌ عَلِيٌّ عَظِيمٌ تَوَّابٌ بَصِيرٌ وَلِيٌّ وَاسِعٌ كَافٍ رَءُوفٌ بَدِيعٌ شَاكِرٌ وَاحِدٌ سَمِيعٌ قَابِضٌ بَاسِطٌ حَيٌّ قَيُّومٌ غَنِيٌّ حَمِيدٌ غَفُورٌ حَلِيمٌ - وَزَادَ جَعْفَرٌ إِلَهٌ قَرِيبٌ مُجِيبٌ عَزِيزٌ نَصِيرٌ قَوِيٌّ شَدِيدٌ سَرِيعٌ خَبِيرٌ - قَالَا: وَفِي آلِ عِمْرَانَ وَهَّابٌ قَائِمٌ - زَادَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute