رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قال: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلاَّ الْجَنَّةُ"
قَوْلُهُ (بَابُ الْعَمَلِ الَّذِي يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ - تَعَالَى -) ثَبَتَتْ هَذِهِ التَّرْجَمَةُ لِلْجَمِيعِ وَسَقَطَتْ مِنْ شَرْحِ ابْنِ بَطَّالٍ فَأَضَافَ حَدِيثَهَا عَنْ عِتْبَانَ الَّذِي قَبْلَهُ ثُمَّ أَخَذَ فِي بَيَانِ الْمُنَاسَبَةِ لِتَرْجَمَةِ مَنْ بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً فَقَالَ: خَشِيَ الْمُصَنِّفُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ مَنْ بَلَغَ السِّتِّينَ وَهُوَ مُوَاظِبٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ أَنْ يَنْفُذَ عَلَيْهِ الْوَعِيدُ، فَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ الْمُشْتَمِلَ عَلَى أَنَّ كَلِمَةَ الْإِخْلَاصِ تَنْفَعُ قَائِلَهَا، إِشَارَةً إِلَى أَنَّهَا لَا تَخُصُّ أَهْلَ عُمُرٍ دُونَ عُمُرٍ وَلَا أَهْلَ عَمَلٍ دُونَ عَمَلٍ، قَالَ: وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ التَّوْبَةَ مَقْبُولَةٌ مَا لَمْ يَصِلْ إِلَى الْحَدِّ الَّذِي ثَبَتَ النَّقْلُ فِيهِ أَنَّهَا لَا تُقْبَلُ مَعَهُ وَهُوَ الْوُصُولُ إِلَى الْغَرْغَرَةِ. وَتَبِعَهُ ابْنُ الْمُنِيرِ فَقَالَ: يُسْتَفَادُ مِنْهُ أَنَّ الْأَعْذَارَ لَا تَقْطَعُ التَّوْبَةَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِنَّمَا تَقْطَعُ الْحُجَّةَ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لِلْعَبْدِ بِفَضْلِهِ، وَمَعَ ذَلِكَ فَالرَّجَاءُ بَاقٍ بِدَلِيلِ حَدِيثِ عِتْبَانَ وَمَا ذُكِرَ مَعَهُ. قُلْتُ: وَعَلَى مَا وَقَعَ فِي الْأُصُولِ فَهَذِهِ مُنَاسَبَةُ تَعْقِيبِ الْبَابِ الْمَاضِي بِهَذَا الْبَابِ.
قَوْلُهُ (فِيهِ سَعْدٌ) كَذَا لِلْجَمِيعِ وَسَقَطَ لِلنَّسَفِيِّ، وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَسَعْدٌ فِيمَا يَظْهَرُ لِي هُوَ ابْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَحَدِيثُهُ الْمُشَارُ إِلَيْهِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْمَغَازِي وَغَيْرِهَا مِنْ رِوَايَةِ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ فِي قِصَّةِ الْوَصِيَّةِ وَفِيهِ الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَثِيرٌ، وَفِيهِ قَوْلُهُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أُخَلَّفُ بَعْدَ أَصْحَابِي؟ قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تُخَلَّفَ فَتَعْمَلَ عَمَلًا تَبْتَغِي بِهِ وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا ازْدَدْتَ بِهِ دَرَجَةً وَرِفْعَةً الْحَدِيثَ. وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا اللَّفْظُ فِي كِتَابِ الْهِجْرَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ.
ثم ذكر المصنف طرفا من حديث محمود بن الربيع عن عتبان بن مالك.
قوله (حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ أَسَدٍ) هُوَ الْمَرْوَزِيُّ، وَشَيْخُهُ عَبْدُ اللَّهِ هُوَ ابْنُ الْمُبَارَكِ.
قَوْلُهُ (غَدَا عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ: لَنْ يُوَافِيَ) هَكَذَا أَوْرَدَهُ مُخْتَصَرًا وَلَيْسَ هَذَا الْقَوْلُ مُعَقَّبًا بِالْغُدُوِّ بَلْ بَيْنَهُمَا أُمُورٌ كَثِيرَةٌ مِنْ دُخُولِ النَّبِيِّ ﷺ مَنْزِلَهُ وَصَلَاتِهِ فِيهِ وَسُؤَالِهِمْ أَنْ يَتَأَخَّرَ عِنْدَهُمْ حَتَّى يُطْعِمُوهُ وَسُؤَالِهِ عَنْ مَالِكِ بْنِ الدَّخْشَمِ وَكَلَامِ مَنْ وَقَعَ فِي حَقِّهِ وَالْمُرَاجَعَةِ فِي ذَلِكَ. وَفِي آخِرِهِ ذَلِكَ الْقَوْلُ الْمَذْكُورُ هُنَا. وَقَدْ أَوْرَدَهُ فِي بَابِ الْمَسَاجِدِ فِي الْبُيُوتِ فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ. وَأَوْرَدَهُ أَيْضًا مُطَوَّلًا مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي أَبْوَابِ صَلَاةِ التَّطَوُّعِ، وَأَخْرَجَ مِنْهُ أَيْضًا فِي أَوَائِلِ الصَّلَاةِ فِي بَابِ إِذَا زَارَ قَوْمًا فَصَلَّى عِنْدَهُمْ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَسَدٍ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ فِي حَدِيثِ الْبَابِ مِنَ الْمَتْنِ طَرَفًا غَيْرَ الْمَذْكُورِ هُنَا. وَقَوْلُهُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ النَّارَ وَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْمَاضِيَةِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ قَالَ الْكَرْمَانِيُّ مَا مُلَخَّصُهُ: وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ لِوُجُودِ التَّلَازُمِ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ. وَاللَّفْظُ الْأَوَّلُ هُوَ الْحَقِيقَةُ؛ لِأَنَّ النَّارَ تَأْكُلُ مَا يُلْقَى فِيهَا، وَالتَّحْرِيمُ يُنَاسِبُ الْفَاعِلَ فَيَكُونُ اللَّفْظُ الثَّانِي مَجَازًا.
قَوْلُهُ (عَنْ عَمْرٍو) هُوَ ابْنُ أَبِي عَمْرٍو مَوْلَى الْمُطَّلِبِ.
قَوْلُهُ (إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: يَقُولُ اللَّهُ - تَعَالَى -: مَا لِعَبْدِي الْمُؤْمِنِ عِنْدِي جَزَاءٌ) أَيْ ثَوَابٌ، وَلَمْ أَرَ لَفْظَ جَزَاءٍ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ سُفْيَانَ، وَلِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ طَرِيقِ السَّرَّاجِ، كِلَاهُمَا عَنْ قُتَيْبَةَ.
قَوْلُهُ (إِذَا قَبَضْتُ صَفِيَّهُ) بِفَتْحِ الصَّادِّ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الْفَاءِ وَتَشْدِيدِ التَّحْتَانِيَّةِ، وَهُوَ الْحَبِيبُ الْمُصَافِي كَالْوَلَدِ وَالْأَخِ وَكُلِّ مَنْ يُحِبُّهُ الْإِنْسَانُ، وَالْمُرَادُ بِالْقَبْضِ قَبْضُ رُوحِهِ وَهُوَ الْمَوْتُ.
قَوْلُهُ (ثُمَّ احْتَسَبَهُ إِلَّا الْجَنَّةُ) قَالَ الْجَوْهَرِيُّ: احْتَسَبَ وَلَدَهُ إِذَا مَاتَ كَبِيرًا فَإِنْ مَاتَ صَغِيرًا قِيلَ أَفْرَطَهُ وَلَيْسَ هَذَا التَّفْصِيلُ مُرَادًا هُنَا بَلِ الْمُرَادُ بِـ احْتَسَبَهُ صَبَرَ عَلَى فَقْدِهِ رَاجِيًا الْأَجْرَ مِنَ اللَّهِ عَلَى ذَلِكَ وَأَصْلُ الْحِسْبَةِ بِالْكَسْرِ الْأُجْرَةُ وَالِاحْتِسَابُ طَلَبُ الْأَجْرِ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى -