يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ * إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ﴾، جَمْعُهُ سُعُرٌ. قَالَ مُجَاهِدٌ: ﴿الْغَرُورُ﴾ الشَّيْطَانُ.
٦٤٣٣ - حَدَّثَنَا سَعْدُ بْنُ حَفْصٍ، حَدَّثَنَا شَيْبَانُ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْقُرَشِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنِي مُعَاذُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّ ابْنَ أَبَانَ أَخْبَرَهُ قَالَ: أَتَيْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بِطَهُورٍ، وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمَقَاعِدِ فَتَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ: رَأَيْتُ النَّبِيَّ ﷺ تَوَضَّأَ، وَهُوَ فِي هَذَا الْمَجْلِسِ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ قَالَ: مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الْوُضُوءِ ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ جَلَسَ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ. قَالَ: وَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: لَا تَغْتَرُّوا.
قَوْلُهُ (بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ﴾ الْآيَةَ، إِلَى قَوْلِهِ ﴿السَّعِيرِ﴾) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ الْآيَتَيْنِ.
قَوْلُهُ (جَمْعُهُ سُعُرٌ) بِضَمَّتَيْنِ يَعْنِي السَّعِيرَ، وَهُوَ فَعِيلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ مِنَ السَّعْرِ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَسُكُونِ ثَانِيهِ، وَهُوَ الشِّهَابُ مِنَ النَّارِ.
قَوْلُهُ (وَقَالَ مُجَاهِدٌ: الْغَرُورُ الشَّيْطَانُ) ثَبَتَ هَذَا الْأَثَرُ هُنَا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ، وَوَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ وَرْقَاءَ، عَنِ ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَهُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ﴾، وَهُوَ فَعُولٌ بِمَعْنَى فَاعِلٍ تَقُولُ غَرَرْتُ فُلَانًا أَصَبْتُ غُرَّتَهُ وَنِلْتُ مَا أَرَدْتُ مِنْهُ، وَالْغِرَّةُ بِالْكَسْرِ غَفْلَةٌ فِي الْيَقَظَةِ، وَالْغَرُورُ كُلُّ مَا يَغُرُّ الْإِنْسَانَ، وَإِنَّمَا فُسِّرَ بِالشَّيْطَانِ لِأَنَّهُ رَأْسٌ فِي ذَلِكَ.
قَوْلُهُ (شَيْبَانُ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَ (يَحْيَى) هُوَ ابْنُ كَثِيرٍ، وَ (مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هُوَ التَّيْمِيُّ، وَاسْمُ جَدِّهِ الْحَارِثُ بْنُ خَالِدٍ، وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ.
قَوْلُهُ (أَخْبَرَنِي مُعَاذُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أَيِ ابْنِ عُثْمَانَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ التَّيْمِيُّ، وَعُثْمَانُ جَدُّهُ هُوَ أَخُو طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَوَالِدُهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ صَحَابِيٌّ أَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَكَانَ يُلَقَّبُ شَارِبَ الذَّهَبِ وَقُتِلَ مَعَ ابْنِ الزُّبَيْرِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ، عَنْ يَحْيَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ. هَذِهِ رِوَايَةُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عِنْدَ النَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الْحَمِيدِ بْنِ حَبِيبٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ بِسَنَدِهِ عَنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ بَدَلَ شَقِيقِ بْنِ سَلَمَةَ. قَالَ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ: رِوَايَةُ الْوَلِيدِ أَصْوَبُ. قُلْتُ: وَرِوَايَةُ شَيْبَانَ أَرْجَحُ مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ؛ لِأَنَّ نَافِعَ بْنَ جُبَيْرٍ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ وَافَقَا مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيَّ فِي رِوَايَتِهِ لَهُ عَنْ مُعَاذِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الطَّرِيقَانِ مَحْفُوظَيْنِ لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ صَاحِبُ حَدِيثٍ فَلَعَلَّهُ سَمِعَهُ مِنْ مُعَاذٍ وَمِنْ عِيسَى بْنِ طَلْحَةَ وَكُلٌّ مِنْهُمَا مِنْ رَهْطِهِ وَمِنْ بَلَدِهِ الْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، وَأَمَّا شَقِيقُ بْنُ سَلَمَةَ فَلَيْسَ مِنْ رَهْطِهِ وَلَا مِنْ بَلَدِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ (أَنَّ ابْنَ أَبَانٍ أَخْبَرَهُ) قَالَ عِيَاضٌ: وَقَعَ لِأَبِي ذَرٍّ، وَالنَّسَفِيِّ وَالْكَافَّةِ أَنَّ ابْنَ أَبَانٍ أَخْبَرَهُ وَوَقَعَ لِابْنِ السَّكَنِ أَنَّ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانٍ، وَوَقَعَ لِلجُّرْجَانِيِّ وَحْدَهُ أَنَّ أَبَان أَخْبَرَهُ وَهُوَ خَطَأٌ. قُلْتُ: وَوَقَعَ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ ابْنَ أَبَانٍ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُوسَى، عَنْ شَيْبَانَ بِسَنَدِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ، وَوَقَعَ عِنْدَهُ أَنَّ حُمْرَانَ بْنَ أَبَانٍ أَخْبَرَهُ.
قَوْلُهُ (فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ) فِي رِوَايَةِ نَافِعِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنْ حُمْرَانَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، وَتَقَدَّمَ فِي الطَّهَارَةِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ حُمْرَانَ بَيَانُ صِفَةِ الْإِسْبَاغِ الْمَذْكُورِ وَالتَّثْلِيثِ فِيهِ وَقَوْلُ عُرْوَةَ إِنَّ هَذَا أَسْبَغَ الْوُضُوءَ.
قَوْلُهُ (ثُمَّ قَالَ مَنْ تَوَضَّأَ مِثْلَ هَذَا الْوُضُوءِ) تَقَدَّمَ هُنَاكَ تَوْجِيهُهُ وَتُعُقِّبَ مَنْ نَفَى وُرُودَ الرِّوَايَةِ بِلَفْظِ مِثْلَ وَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي وُرُودِهَا بِلَفْظِ نَحْوَ التَّعَذُّرُ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ أَنْ يَأْتِيَ بِمِثْلِ وُضُوءِ النَّبِيِّ ﷺ.
قَوْلُهُ (ثُمَّ أَتَى الْمَسْجِدَ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ) هَكَذَا