لَا يُحْفَظُ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ أَنَّهُ تَرَكَ تَعَاطِيَ الرِّزْقِ مُقْتَصِرًا عَلَى مَا يُفْتَحُ عَلَيْهِ، وَاحْتَجَّ مَنْ فَضَّلَ الْغِنَى بِآيَةِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ﴾ الْآيَةَ قَالَ: وَذَلِكَ لَا يَتِمٌّ إِلَّا بِالْمَالِ، وَأَجَابَ مَنْ فَضَّلَ الْفَقْرَ بِأَنَّهُ لَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ الْغِنَى فِي جَانِبٍ أَفْضَلَ مِنَ الْفَقْرِ فِي حَالَةٍ مَخْصُوصَةٍ، وَلَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ أَفْضَلَ مُطْلَقًا، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ فِي الْبَابِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ: الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ:
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو نُعَيْمٍ، وَأَبُو حَازِمٍ هُوَ سَلَمَةُ بْنُ دِينَارٍ.
قَوْلُهُ: (مَرَّ رَجُلٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقَالَ لِرَجُلٍ عِنْدَهُ: مَا رَأْيُكَ فِي هَذَا)؟ تَقَدَّمَ فِي بَابِ الْأَكْفَاءِ فِي الدِّينِ مِنْ أَوَائِلِ النِّكَاحِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ: فَقَالَ: مَا تَقُولُونَ فِي هَذَا وَهُوَ خِطَابٌ لِجَمَاعَةٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ جُبَيْرِ بْنِ نُفَيْرٍ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَبِي يَعْلَى، وَابْنِ حِبَّانَ بِلَفْظِ: قَالَ لِي النَّبِيُّ ﷺ انْظُرْ إِلَى أَرْفَعِ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فِي عَيْنَيْكَ، قَالَ: فَنَظَرْتُ إِلَى رَجُلٍ فِي حُلَّةٍ الْحَدِيثَ، فَعُرِفَ مِنْهُ أَنَّ الْمَسْئُولَ هُوَ أَبُو ذَرٍّ، وَيُجْمَعُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ حَدِيثِ سَهْلٍ أَنَّ الْخِطَابَ وَقَعَ لِجَمَاعَةٍ مِنْهُمْ أَبُو ذَرٍّ، وَوُجِّهَ إِلَيْهِ فَأَجَابَ وَلِذَلِكَ نَسَبَهُ لِنَفْسِهِ، وَأَمَّا الْمَارُّ فَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِهِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى لِابْنِ حِبَّانَ: سَأَلَنِي رَسُولُ ﷺ عَنْ رَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ فَقَالَ: هَلْ تَعْرِفُ فُلَانًا؟ قُلْتُ: نَعَمْ .. الْحَدِيثَ، وَوَقَعَ فِي الْمَغَازِي لِابْنِ إِسْحَاقَ مَا قَدْ يُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّهُ عُيَيْنَةُ بْنُ حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ، أَوِ الْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ التَّمِيمِيُّ كَمَا سَأَذْكُرُهُ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ)؛ أَيِ الْمَسْئُولُ.
قَوْلُهُ: (رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ)؛ أَيْ هَذَا رَجُلٌ مِنْ أَشْرَافِ النَّاسِ، وَوَقَعَ كَذَلِكَ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الصَّبَّاحِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ.
قَوْلُهُ: (هَذَا وَاللَّهِ حَرِيٌّ) بِفَتْحِ الْحَاءِ وَكَسْرِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَتَيْنِ وَتَشْدِيدِ آخِرِهِ؛ أَيْ جَدِيرٌ وَحَقِيقٌ وَزْنًا وَمَعْنًى، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ حَمْزَةَ قَالُوا حَرِيٌّ.
قَوْلُهُ: (إِنْ خَطَبَ أَنْ يُنْكَحَ) بِضَمِّ أَوَّلِهِ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ؛ أَيْ تُجَابَ خِطْبَتُهُ (وَإِنْ شَفَعَ أَنْ يُشَفَّعَ) بِتَشْدِيدِ الْفَاءِ؛ أَيْ تُقْبَلَ شَفَاعَتُهُ، وَزَادَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ فِي رِوَايَتِهِ: وَإِنْ قَالَ أَنْ يُسْتَمَعَ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ: إِذَا سَأَلَ أُعْطِيَ وَإِذَا حَضَرَ أُدْخِلَ.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ مَرَّ رَجُلٌ) زَادَ إِبْرَاهِيمُ: مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ: مِسْكِينٌ مِنْ أَهْلِ الصُّفَّةِ.
قَوْلُهُ: (هَذَا خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ وَسُكُونِ اللَّامِ مَهْمُوزٌ.
قَوْلُهُ: (مِثْلِ) بِكَسْرِ اللَّامِ، وَيَجُوزُ فَتْحُهَا، قَالَ الطِّيبِيُّ: وَقَعَ التَّفْضِيلُ بَيْنَهُمَا بِاعْتِبَارِ مُمَيِّزِهِ وَهُوَ قَوْلُهُ بَعْدَ هَذَا؛ لِأَنَّ الْبَيَانَ وَالْمُبِينَ شَيْءٌ وَاحِدٌ، زَادَ أَحْمَدُ، وَابْنُ حِبَّانَ: عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ حِبَّانَ الْأُخْرَى: خَيْرٌ مِنْ طِلَاعِ الْأَرْضِ مِنَ الْآخِرِ، وَطِلَاعُ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ اللَّامِ، وَآخِرَهُ مُهْمَلَةٌ؛ أَيْ مَا طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مِنَ الْأَرْضِ كَذَا قَالَ عِيَاضٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ: الْمُرَادُ مَا فَوْقَ الْأَرْضِ، وَزَادَ فِي آخِرِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا يُعْطَى هَذَا كَمَا يُعْطَى الْآخَرُ؟ قَالَ: إِذَا أُعْطِيَ خَيْرًا فَهُوَ أَهْلُهُ، وَإِذَا صُرِفَ عَنْهُ فَقَدْ أُعْطِيَ حَسَنَةً، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيِّ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ فِيمَا أَخْرَجَهُ مُحَمَّدُ بْنُ هَارُونَ الرُّويَانِيُّ فِي مُسْنَدِهِ، وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ فِي فُتُوحِ مِصْرَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ الرَّبِيعِ الْجِيزِيُّ فِي مُسْنَدِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ نَزَلُوا مِصْرَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ تَسْمِيَةُ الْمَارِّ الثَّانِي وَلَفْظُهُ: أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ لَهُ: كَيْفَ تَرَى جُعَيْلًا؟ قُلْتُ: مِسْكِينًا كَشَكْلِهِ مِنَ النَّاسِ، قَالَ: فَكَيْفَ تَرَى فُلَانًا؟ قُلْتُ: سَيِّدًا مِنَ السَّادَاتِ، قَالَ: فَجُعَيْلٌ خَيْرٌ مِنْ مِلْءِ الْأَرْضِ مِثْلَ هَذَا. قَالَ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَفُلَانٌ هَكَذَا وَتَصْنَعُ بِهِ مَا تَصْنَعُ؟ قَالَ: إِنَّهُ رَأْسُ قَوْمِهِ فَأَتَأَلَّفُهُمْ.
وَذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ مُرْسَلًا أَوْ مُعْضَلًا قَالَ: قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَعْطَيْتُ عُيَيْنَةَ، وَالْأَقْرَعَ مِائَةَ مِائَةٍ وَتَرَكْتُ جُعَيْلًا. قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَجُعَيْلُ بْنُ سُرَاقَةَ خَيْرٌ مِنْ طِلَاعِ الْأَرْضِ مِثْلَ عُيَيْنَةَ، وَالْأَقْرَعِ، وَلَكِنِّي أَتَأَلَّفُهُمَا وَأَكِلُ جُعَيْلًا إِلَى إِيمَانِهِ. وَلِجُعَيْلٍ الْمَذْكُورِ ذِكْرٌ فِي حَدِيثِ أَخِيهِ عَوْفِ