للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا يَحْيَى) هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ.

قَوْلُهُ: (عَنْ أَنَسٍ). زَادَ الْأَصِيلِيُّ: ابْنَ مَالِكٍ.

قَوْلُهُ: (لَأُحَدِّثَنَّكُمْ) بِفَتْحِ اللَّامِ وَهُوَ جَوَابُ قَسَمٍ مَحْذُوفٍ، أَيْ وَاللَّهِ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ، وَصَرَّحَ بِهِ أَبُو عَوَانَةَ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، وَلِمُسْلِمٍ مِنْ رِوَايَةِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ قَالَ لَهُمْ أَوَّلًا: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ؟ فَقَالَوا: نَعَمْ، فَقَالَ: لَأُحَدِّثَنَّكُمْ.

قَوْلُهُ: (لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ بَعْدِي) كَذَا لَهُ وَلِمُسْلِمٍ بِحَذْفِ الْمَفْعُولِ، وَلِابْنِ مَاجَهْ مِنْ رِوَايَةِ غُنْدَرٍ، عَنْ شُعْبَةَ: لَا يُحَدِّثُكُمْ بِهِ أَحَدٌ بَعْدِي، وَلِلْمُصَنِّفِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ لَا يُحَدِّثُكُمْ بِهِ غَيْرِي، وَلِأَبِي عَوَانَةَ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: لَا يُحَدِّثُكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ بَعْدِي وَعَرَفَ أَنَسٌ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ أَحَدٌ مِمَّنْ سَمِعَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ غَيْرُهُ ; لِأَنَّهُ كَانَ آخِرَ مَنْ مَاتَ بِالْبَصْرَةِ مِنَ الصَّحَابَةِ، فَلَعَلَّ الْخِطَابَ بِذَلِكَ كَانَ لِأَهْلِ الْبَصْرَةِ، أَوْ كَانَ عَامًّا وَكَانَ تَحْدِيثُهُ بِذَلِكَ فِي آخِرِ عُمْرِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ بَعْدَهُ مِنَ الصَّحَابَةِ مَنْ ثَبَتَ سَمَاعُهُ مِنَ النَّبِيِّ إِلَّا النَّادِرَ مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْمَتْنُ فِي مَرْوِيِّهِ. وَقَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: يُحْتَمَلُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ لِمَا رَأَى مِنَ التَّغْيِيرِ وَنَقْصِ الْعِلْمِ، يَعْنِي فَاقْتَضَى ذَلِكَ عِنْدَهُ أَنَّهُ لِفَسَادِ الْحَالِ لَا يُحَدِّثُهُمْ أَحَدٌ بِالْحَقِّ. قُلْتُ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى.

قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ) هُوَ بَيَانٌ، أَوْ بَدَلٌ لِقَوْلِهِ لَأُحَدِّثَنَّكُمْ.

قَوْلُهُ: (أَنْ يَقِلَّ الْعِلْمُ) هُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ مِنَ الْقِلَّةِ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ، عَنْ غُنْدَرٍ وَغَيْرِهِ عَنْ شُعْبَةَ: أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ، وَهَمَّامٍ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي الْحُدُودِ وَهِشَامٍ عِنْدَهُ فِي النِّكَاحِ كُلُّهُمْ عَنْ قَتَادَةَ، وَهُوَ مُوَافِقٌ لِرِوَايَةِ أَبِي التَّيَّاحِ، وَلِلْمُصَنِّفِ أَيْضًا فِي الْأَشْرِبَةِ مِنْ طَرِيقِ هِشَامٍ: أَنْ يَقِلَّ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِقِلَّتِهِ أَوَّلَ الْعَلَامَةِ وَبِرَفْعِهِ آخِرَهَا، أَوْ أُطْلِقَتِ الْقِلَّةُ وَأُرِيدَ بِهَا الْعَدَمُ كَمَا يُطْلَقُ الْعَدَمُ وَيُرَادُ بِهِ الْقِلَّةُ، وَهَذَا أَلْيَقُ لِاتِّحَادِ الْمَخْرَجِ.

قَوْلُهُ: (وَتَكْثُرُ النِّسَاءُ) قِيلَ: سَبَبُهُ أَنَّ الْفِتَنَ تَكْثُرُ فَيَكْثُرُ الْقَتْلُ فِي الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُمْ أَهْلُ الْحَرْبِ دُونَ النِّسَاءِ. وَقَالَ أَبُو عَبْدِ الْمَلِكِ: هُوَ إِشَارَةٌ إِلَى كَثْرَةِ الْفُتُوحِ فَتَكْثُرُ السَّبَايَا فَيَتَّخِذُ الرَّجُلُ الْوَاحِدُ عِدَّةَ مَوْطُوآتٍ. قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ ; لِأَنَّهُ صَرَّحَ بِالْقِلَّةِ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الْآتِي فِي الزَّكَاةِ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فَقَالَ: مِنْ قِلَّةِ الرِّجَالِ وَكَثْرَةِ النِّسَاءِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا عَلَامَةٌ مَحْضَةٌ لَا لِسَبَبٍ آخَرَ، بَلْ يُقَدِّرُ اللَّهُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَنْ يَقِلَّ مَنْ يُولَدُ مِنَ الذُّكُورِ، وَيَكْثُرُ مَنْ يُولَدُ مِنَ الْإِنَاثِ، وَكَوْنُ كَثْرَةِ النِّسَاءِ مِنَ الْعَلَامَاتِ مُنَاسِبَةٌ لِظُهُورِ الْجَهْلِ وَرَفْعِ الْعِلْمِ. وَقَوْلُهُ: لِخَمْسِينَ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ حَقِيقَةُ هَذَا الْعَدَدِ، أَوْ يَكُونَ مَجَازًا عَنِ الْكَثْرَةِ. وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى: وَتَرَى الرَّجُلَ الْوَاحِدَ يَتْبَعُهُ أَرْبَعُونَ امْرَأَةً.

قَوْلُهُ: (الْقَيِّمُ) أَيْ: مَنْ يَقُومُ بِأَمْرِهِنَّ، وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ إِشْعَارًا بِمَا هُوَ مَعْهُودٌ مِنْ كَوْنِ الرِّجَالِ قَوَّامِينَ عَلَى النِّسَاءِ. وَكَأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ الْخَمْسَةَ خُصَّتْ بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهَا مُشْعِرَةً بِاخْتِلَالِ الْأُمُورِ الَّتِي يَحْصُلُ بِحِفْظِهَا صَلَاحُ الْمَعَاشِ وَالْمَعَادِ، وَهِيَ الدِّينُ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْعِلْمِ يُخِلُّ بِهِ، وَالْعَقْلُ؛ لِأَنَّ شُرْبَ الْخَمْرِ يُخِلُّ بِهِ، وَالنَّسَبُ؛ لِأَنَّ الزِّنَا يُخِلُّ بِهِ، وَالنَّفْسُ وَالْمَالُ؛ لِأَنَّ كَثْرَةَ الْفِتَنِ تُخِلُّ بِهِمَا. قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَإِنَّمَا كَانَ اخْتِلَالُ هَذِهِ الْأُمُورِ مُؤْذِنًا بِخَرَابِ الْعَالَمِ؛ لِأَنَّ الْخَلْقَ لَا يُتْرَكُونَ هَمَلًا، وَلَا نَبِيَّ بَعْدَ نَبِيِّنَا صَلَوَاتُ اللَّهُ تَعَالَى وَسَلَامُهُ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، فَيَتَعَيَّنُ ذَلِكَ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَلَمٌ مِنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ، إِذْ أَخْبَرَ عَنْ أُمُورٍ سَتَقَعُ فَوَقَعَتْ، خُصُوصًا فِي هَذِهِ الْأَزْمَانِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْقَيِّمِ مَنْ يَقُومُ عَلَيْهِنَّ سَوَاءٌ كُنَّ مَوْطُوآتٍ أَمْ لَا. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَقَعُ فِي الزَّمَانِ الَّذِي لَا يَبْقَى فِيهِ مَنْ يَقُولُ: اللَّهُ اللَّهُ، فَيَتَزَوَّجُ الْوَاحِدُ بِغَيْرِ عَدَدٍ جَهْلًا بِالْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ. قُلْتُ: وَقَدْ وُجِدَ ذَلِكَ مِنْ بَعْضِ أُمَرَاءِ التُّرْكُمَانِ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ هَذَا الزَّمَانِ مَعَ دَعْوَاهُ الْإِسْلَامَ. وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ.