للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنْ يُحْمَلَ الزَّجْرُ عَلَى مَنْ يَتَّخِذُ الشِّبَعَ عَادَةً لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ مِنَ الْكَسَلِ عَنِ الْعِبَادَةِ وَغَيْرِهَا، وَيُحْمَلُ الْجَوَازُ عَلَى مَنْ وَقَعَ لَهُ ذَلِكَ نَادِرًا، وَلَا سِيَّمَا بَعْدَ شِدَّةِ جُوعٍ، وَاسْتِبْعَادُ حُصُولِ شَيْءٍ بَعْدَهُ عَنْ قُرْبٍ.

وَفِيهِ أَنَّ كِتْمَانَ الْحَاجَةِ وَالتَّلْوِيحَ بِهَا أَوْلَى مِنْ إِظْهَارِهَا وَالتَّصْرِيحِ بِهَا. وَفِيهِ كَرَمُ النَّبِيِّ وَإِيثَارُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَأَهْلِهِ وَخَادِمِهِ.

وَفِيهِ مَا كَانَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ عَلَيْهِ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ مِنْ ضِيقِ الْحَالِ، وَفَضْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَتَعَفُّفُهُ عَنِ التَّصْرِيحِ بِالسُّؤَالِ، وَاكْتِفَاؤُهُ بِالْإِشَارَةِ إِلَى ذَلِكَ، وَتَقْدِيمُهُ طَاعَةَ النَّبِيِّ عَلَى حَظِّ نَفْسِهِ مَعَ شِدَّةِ احْتِيَاجِهِ، وَفَضْلُ أَهْلِ الصُّفَّةِ.

وَفِيهِ أَنَّ الْمَدْعُوَّ إِذَا وَصَلَ إِلَى دَارِ الدَّاعِي لَا يَدْخُلُ بِغَيْرِ اسْتِئْذَانٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِيهِ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ مَعَ الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ: رَسُولُ الرَّجُلِ إِذْنُهُ. وَفِيهِ جُلُوسُ كُلِّ أَحَدٍ فِي الْمَكَانِ اللَّائِقِ بِهِ. وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِمُلَازَمَةِ أَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ لِلنَّبِيِّ ، وَدُعَاءُ الْكَبِيرِ خَادِمَهُ بِالْكُنْيَةِ.

وَفِيهِ تَرْخِيمُ الِاسْمِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَالْعَمَلُ بِالْفَرَاسَةِ، وَجَوَابُ الْمُنَادَى بِلَبَّيْكَ، وَاسْتِئْذَانُ الْخَادِمِ عَلَى مَخْدُومِهِ إِذَا دَخَلَ مَنْزِلَهُ، وَسُؤَالُ الرَّجُلِ عَمَّا يَجِدُهُ فِي مَنْزِلِهِ مِمَّا لَا عَهْدَ لَهُ بِهِ؛ لِيُرَتِّبَ عَلَى ذَلِكَ مُقْتَضَاهُ، وَقَبُولُ النَّبِيِّ الْهَدِيَّةَ، وَتَنَاوُلُهُ مِنْهَا وَإِيثَارُهُ بِبَعْضِهَا الْفُقَرَاءَ، وَامْتِنَاعُهُ مِنْ تَنَاوُلِ الصَّدَقَةِ، وَوَضْعُهُ لَهَا فِيمَنْ يَسْتَحِقُّهَا، وَشُرْبُ السَّاقِي آخِرًا، وَشُرْبُ صَاحِبِ الْمَنْزِلِ بَعْدَهُ، وَالْحَمْدُ عَلَى النِّعَمِ، وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ الشُّرْبِ.

(تَنْبِيه): وَقَعَ لِأَبِي هُرَيْرَةَ قِصَّةٌ أُخْرَى فِي تَكْثِيرِ الطَّعَامِ مَعَ أَهْلِ الصُّفَّةِ، فَأَخْرَجَ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمِ بْنِ حِبَّانَ عَنْ أَبِيهِ عَنْهُ قَالَ: أَتَتْ عَلَيَّ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ لَمْ أَطْعَمْ، فَجِئْتُ أُرِيدُ الصُّفَّةَ فَجَعَلْتُ أَسْقُطُ، فَجَعَلَ الصِّبْيَانُ يَقُولُونَ: جُنَّ أَبُو هُرَيْرَةَ، حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى الصُّفَّةِ فَوَافَقْتُ رَسُولَ اللَّهِ أَتَى بِقَصْعَةٍ مِنْ ثَرِيدٍ فَدَعَا عَلَيْهَا أَهْلَ الصُّفَّةِ وهُمْ يَأْكُلُونَ مِنْهَا، فَجَعَلْتُ أَتَطَاوَلُ كَيْ يَدْعُوَنِي، حَتَّى قَامُوا وَلَيْسَ فِي الْقَصْعَةِ إِلَّا شَيْءٌ فِي نَوَاحِيهَا، فَجَمَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ فَصَارَ لُقْمَةً فَوَضَعَهَا عَلَى أَصَابِعِهِ فَقَالَ لِي: كُلْ بِاسْمِ اللَّهِ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا زِلْتُ آكُلُ مِنْهَا حَتَّى شَبِعْتُ.

قَوْلُهُ: (إِنِّي لَأَوَّلُ الْعَرَبِ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ)، زَادَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ بَيَانٍ عَنْ قَيْسٍ: سَمِعْتُ سَعْدًا يَقُولُ: إِنِّي لَأَوَّلُ رَجُلٍ أَهَرَاقَ دَمًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَعْدٍ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي السَّرِيَّةِ الَّتِي خَرَجَ فِيهَا مَعَ عُبَيْدَةَ بْنِ الْحَارِثِ فِي سِتِّينَ رَاكِبًا، وَهِيَ أَوَّلُ السَّرَايَا بَعْدَ الْهِجْرَةِ.

قَوْلُهُ: (وَرَأَيْتُنَا) بِضَمِّ الْمُثَنَّاةِ.

قَوْلُهُ: (وَرَقُ الْحُبْلَةِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ وَبِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ أَيْضًا، وَوَقَعَ فِي مَنَاقِبِ سَعْدٍ بِالتَّرَدُّدِ بَيْنَ الرَّفْعِ وَالنَّصْبِ.

قَوْلُهُ: (وَهَذَا السَّمُرُ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَضَمِّ الْمِيمِ، قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ: هُمَا نَوْعَانِ مِنْ شَجَرِ الْبَادِيَةِ، وَقِيلَ: الْحُبْلَةُ ثَمَرُ الْعِضَاهِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْمُعْجَمَةِ شَجَرُ الشَّوْكِ كَالطَّلْحِ وَالْعَوْسَجِ، قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهَذَا جَيِّدٌ عَلَى رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ لِعَطْفِهِ الْوَرَقَ عَلَى الْحُبْلَةِ.

قُلْتُ: هِيَ رِوَايَةٌ أُخْرَى عِنْدَ الْبُخَارِيِّ بِلَفْظِ: إِلَّا الْحُبْلَةُ وَوَرَقُ السَّمُرِ، وَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَابْنِ سَعْدٍ وَغَيْرِهِمَا، وَفِي رِوَايَةِ بَيَانٍ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ: وَلَقَدْ رَأَيْتُنِي أَغْزُو فِي الْعِصَابَةِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ مَا نَأْكُلُ إِلَّا وَرَقَ الشَّجَرِ وَالْحُبْلَةَ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ عِنْدَ مُسْلِمٍ: إِلَّا وَرَقُ الْحُبْلَةِ هَذَا السَّمُرُ، وَقَالَ ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ: الْحُبْلَةُ ثَمَرُ السَّمُرِ يُشْبِهُ اللُّوبِيَة، وَفِي رِوَايَةِ التَّيْمِيِّ، وَالطَّبَرِيِّ فِي مُسْلِمٍ: وَهَذَا السَّمُرُ بِزِيَادَةِ وَاوٍ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَرِوَايَةُ الْبُخَارِيِّ أَحْسَنُهَا؛ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَ الْوَرَقِ وَالسَّمُرِ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ عُتْبَةَ بْنِ غَزْوَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: لَقَدْ رَأَيْتُنِي سَابِعَ سَبْعَةٍ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ مَا لَنَا طَعَامٌ إِلَّا وَرَقُ الشَّجَرِ حَتَّى قَرِحَتْ أَشْدَاقُنَا.

قَوْلُهُ: (لَيَضَعُ) بِالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ كِنَايَةٌ