الْمُرَقَّقِ مِنْ كِتَابِ الْأَطْعِمَةِ.
الْحَدِيثُ السَّابِعُ ذَكَرَهُ مِنْ طَرِيقَيْنِ، وَقَدْ سَقَطَتِ الثَّانِيَةُ لِلنَّسَفِيِّ، وَأَبِي ذَرٍّ، وَثَبَتَتْ لِلْبَاقِينَ وَهِيَ عِنْدَ الْجَمِيعِ فِي كِتَابِ الْهِبَةِ.
قَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الْأُولَى: (يَحْيَى) هُوَ الْقَطَّانُ، وَهِشَامٌ هُوَ ابْنُ عُرْوَةَ.
قَوْلُهُ: (كَانَ يَأْتِي عَلَيْنَا الشَّهْرُ مَا نُوقِدُ فِيهِ نَارًا إِنَّمَا هُوَ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، إِلَّا أَنْ نُؤْتَى بِاللُّحَيْمِ) كَذَا فِيهِ بِالتَّصْغِيرِ إِشَارَةٌ إِلَى قِلَّتِهِ.
وَقَوْلُهُ فِي الطَّرِيقِ الثَّانِيَةِ: ابْنُ أَبِي حَازِمٍ هُوَ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ، وَفِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ فِي نَسَقٍ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ: أَبُو حَازِمٍ، وَيَزِيدُ، وَعُرْوَةُ.
قَوْلُهُ: (ابْنَ أُخْتِي) بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ؛ أَيْ يَا ابْنَ أُخْتِي، لِأَنَّ أُمَّهُ أَسْمَاءُ بِنْتُ أَبِي بَكْرٍ.
قَوْلُهُ: (إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلَالِ ثَلَاثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ)، الْمُرَادُ بِالْهِلَالِ الثَّالِثِ هِلَالُ الشَّهْرِ الثَّالِثِ، وَهُوَ يُرَى عِنْدَ انْقِضَاءِ الشَّهْرَيْنِ، وَبِرُؤْيَتِهِ يَدْخُلُ أَوَّلُ الشَّهْرِ الثَّالِثِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ: كَانَ يَمُرُّ بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ هِلَالٌ ثُمَّ هِلَالٌ ثُمَّ هِلَالٌ لَا يُوقَدُ فِي شَيْءٍ مِنْ بُيُوتِهِ نَارٌ لَا لِخُبْزٍ وَلَا لِطَبْخٍ.
قَوْلُهُ: (فَقُلْتُ مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ)؟ بِضَمِّ أَوَّلِهِ يُقَالُ: أَعَاشَهُ اللَّهُ؛ أَيْ أَعْطَاهُ الْعَيْشَ، وَفِي رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ عَنْ عَائِشَةَ نَحْوَهُ، وَفِيهِ قُلْتُ: فَمَا كَانَ طَعَامُكُمْ؟ قَالَتِ: الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالُوا: بِأَيِّ شَيْءٍ كَانُوا يَعِيشُونَ نَحْوَهُ. وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى ثَانِي الْحَالِ بَعْدَ أَنْ فُتِحَتْ قُرَيْظَةُ وَغَيْرُهَا، وَمِنْ هَذَا مَا أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الزُّبَيْرِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ﴾ قُلْتُ: وَأَيُّ نَعِيمٍ نُسْأَلُ عَنْهُ؟ وَإِنَّمَا هُوَ الْأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ قَالَ: إِنَّهُ سَيَكُونُ.
قَالَ الصَّغَانِيُّ: الْأَسْوَدَانِ يُطْلَقُ عَلَى التَّمْرِ وَالْمَاءِ، وَالسَّوَادُ لِلتَّمْرِ دُونَ الْمَاءِ، فَنُعِتَا بِنَعْتٍ وَاحِدٍ تَغْلِيبًا، وَإِذَا اقْتَرَنَ الشَّيْئَانِ سُمِّيَا بِاسْمِ أَشْهَرِهِمَا، وَعَنْ أَبِي زَيْدٍ: الْمَاءُ يُسَمَّى الْأَسْوَدَ وَاسْتَشْهَدَ لِذَلِكَ بِشِعْرٍ.
قُلْتُ: وَفِيهِ نَظَرٌ، وَقَدْ تَقَعُ الْخِفَّةُ أَوِ الشَّرَفُ مَوْضِعَ الشُّهْرَةِ كَالْعُمَرَيْنِ لِأَبِي بَكْرٍ، وَعُمَرَ، وَالْقَمَرَيْنِ لِلشَّمْسِ وَالْقَمَرِ.
قَوْلُهُ: (إِلَّا أَنَّهُ قَدْ كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ جِيرَانٌ مِنَ الْأَنْصَارِ)، زَادَ أَبُو هُرَيْرَةَ فِي حَدِيثِهِ جَزَاهُمُ اللَّهُ خَيْرًا.
قَوْلُهُ: (كَانَ لَهُمْ مَنَائِحُ) جَمْعُ مَنِيحَةٍ بِنُونٍ وَحَاءٍ مُهْمَلَةٍ، وَعِنْدَ التِّرْمِذِيِّ وَصَحَّحَهُ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَبِيتُ اللَّيَالِيَ الْمُتَتَابِعَةَ وَأَهْلُهُ طَاوِينَ لَا يَجِدُونَ عَشَاءً. وَعِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ: أُتِيَ النَّبِيُّ ﷺ بِطَعَامٍ سُخْنٍ فَأَكَلَ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ مَا دَخَلَ بَطْنِي طَعَامٌ سُخْنٌ مُنْذُ كَذَا وَكَذَا، وَسَنَدُهُ حَسَنٌ، وَمِنْ شَوَاهِدِ الْحَدِيثِ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ مِرَارًا: وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا أَصْبَحَ عِنْدَ آلِ مُحَمَّدٍ صَاعُ حَبٍّ وَلَا صَاعُ تَمْرٍ، وَإِنَّ لَهُ يَوْمَئِذٍ لَتِسْعَ نِسْوَةٍ. وَلَهُ شَاهِدٌ عِنْدَ ابْنِ مَاجَهْ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ.
الْحَدِيثُ الثَّامِنُ قَوْلُهُ: (عَنْ أَبِيهِ) هُوَ فُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ، وَعُمَارَةُ هُوَ ابْنُ الْقَعْقَاعِ، وَأَبُو زُرْعَةَ هُوَ ابْنُ عَمْرِو بْنِ جَرِيرٍ.
قَوْلُهُ: (اللَّهُمَّ ارْزُقْ آلَ مُحَمَّدٍ قُوتًا) هَكَذَا وَقَعَ هُنَا، وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عُمَارَةَ، عِنْدَ مُسْلِمٍ، وَالتِّرْمِذِيِّ، وَالنَّسَائِيِّ، وَابْنِ مَاجَهْ: اللَّهُمَّ اجْعَلْ رِزْقَ آلِ مُحَمَّدٍ قُوتًا وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ؛ فَإِنَّ اللَّفْظَ الْأَوَّلَ صَالِحٌ لِأَنْ يَكُونَ دُعَاءً بِطَلَبِ الْقُوتِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَأَنْ يَكُونَ طَلَبَ لَهُمُ الْقُوتَ، بِخِلَافِ اللَّفْظِ الثَّانِي فَإِنَّهُ يُعَيِّنُ الِاحْتِمَالَ الثَّانِيَ، وَهُوَ الدَّالُّ عَلَى الْكَفَافِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَعَلَى ذَلِكَ شَرَحَهُ ابْنُ بَطَّالٍ فَقَالَ: فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ الْكَفَافِ، وَأَخْذِ الْبُلْغَةِ مِنَ الدُّنْيَا وَالزُّهْدِ فِيمَا فَوْقَ ذَلِكَ رَغْبَةً فِي تَوَفُّرِ نَعِيمِ الْآخِرَةِ، وَإِيثَارًا لِمَا يَبْقَى عَلَى مَا يَفْنَى، فَيَنْبَغِي أَنْ تَقْتَدِيَ بِهِ أُمَّتُهُ فِي ذَلِكَ.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: مَعْنَى الْحَدِيثِ أَنَّهُ طَلَبَ الْكَفَافَ، فَإِنَّ الْقُوتَ مَا يَقُوتُ الْبَدَنَ وَيَكُفُّ عَنِ الْحَاجَةِ، وَفِي هَذِهِ الْحَالَةِ سَلَامَةٌ مِنْ آفَاتِ الْغِنَى وَالْفَقْرِ جَمِيعًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.