وَالْبَحْثُ عَنْهَا كَمَا يُقَالُ قَالَ فُلَانٌ كَذَا، وَقِيلَ عَنْهُ كَذَا مِمَّا يُكْرَهُ حِكَايَتُهُ عَنْهُ، وَقِيلَ: هُوَ أَنْ يَذْكُرَ لِلْحَادِثَةِ عَنِ الْعُلَمَاءِ أَقْوَالًا كَثِيرَةً، ثُمَّ يَعْمَلَ بِأَحَدِهَا بِغَيْرِ مُرَجِّحٍ أَوْ يُطْلِقَهَا مِنْ غَيْرِ تَثَبُّتٍ وَلَا احْتِيَاطٍ لِبَيَانِ الرَّاجِحِ، وَالنَّهْيُ عَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ يَتَنَاوَلُ الْإِلْحَافَ فِي الطَّلَبِ وَالسُّؤَالَ عَمَّا لَا يَعْنِي السَّائِلَ.
وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالنَّهْيِ الْمَسَائِلُ الَّتِي نَزَلَ فِيهَا: ﴿لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾ وَقِيلَ: يَتَنَاوَلُ الْإِكْثَارَ مِنْ تَفْرِيعِ الْمَسَائِلِ، وَنُقِلَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَى أَنْ يَكُونَ هَذَا الَّذِي أَنْتُمْ فِيهِ مِنْ تَفْرِيعِ الْمَسَائِلِ، وَمِنْ ثَمَّ كَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنَ السَّلَفِ السُّؤَالَ عَمَّا لَمْ يَقَعْ لِمَا يَتَضَمَّنُ مِنَ التَّكَلُّفِ فِي الدِّينِ، وَالتَّنَطُّعِ، وَالرَّجْمِ بِالظَّنِّ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ كَثِيرٌ مِنْ هَذِهِ الْمَبَاحِثِ عِنْدَ شَرْحِ الْحَدِيثِ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ بِالنَّهْيِ عَنْ كَثْرَةِ السُّؤَالِ فِي الْمَالِ، وَرَجَّحَهُ بَعْضُهُمْ لِمُنَاسَبَتِهِ لِقولِهِ: وَإِضَاعَةِ الْمَالِ وَتَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ، وَأَمَّا مَنْ فَسَّرَهُ بِكَثْرَةِ سُؤَالِ النَّاسِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَمَا فِي أَيْدِيهِمْ أَوْ عَنْ أَحْدَاثِ الزَّمَانِ، وَمَا لَا يَعْنِي السَّائِلَ فَإِنَّهُ بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: نَهَى عَنْ قِيلَ وَقَالَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ وَوَقَعَ لِلْكُشْمِيهَنِيِّ وَحْدَهُ، وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ وجَزَمَ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ بِمَا عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ.
قَوْلُهُ: (أَنْبَأَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُغِيرَةُ) هُوَ ابْنُ مِقْسَمٍ الضَّبِّيُّ وَفُلَانٌ وَرَجُلٌ ثَالِثٌ، الْمُرَادُ بِفُلَانٍ مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ عَنْ زِيَادِ بْنِ أَيُّوبَ، وَيَعْقُوبَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الدَّوْرَقِيِّ قَالَا: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ أَنْبَأَنَا غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُغِيرَةُ، وَمُجَالِدٌ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي خُثَيْمَةَ، عَنْ هُشَيْمٍ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنْ هُشَيْمٍ، وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ يَعْقُوبَ الدَّوْرَقِيِّ، لَكِنْ قَالَ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مُغِيرَةُ، وَلَمْ يُسَمِّ مُجَالِدًا.
وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنِ الْحَسَنِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ هُشَيْمٍ، أَنْبَأَنَا مُغِيرَةُ وَذَكَرَ آخَرَ وَلَمْ يُسَمِّهِ وَكَأَنَّهُ مُجَالِدٌ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو يَعْلَى، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ يَحْيَى، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَلَمْ يَذْكُرْ مَعَ مُغِيرَةَ أَحَدًا، وَأَمَّا الرَّجُلُ الثَّالِثُ فَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ الْكِرْمَانِيِّ، عَنْ هُشَيْمٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا دَاوُدُ بْنُ أَبِي هِنْدٍ وَغَيْرُهُ عَنِ الشَّعْبِيِّ بِهِ، وَيُحْتَمُلُ أَنْ يَكُونَ زَكَرِيَّا بْنَ أَبِي زَائِدَةَ، أَوْ إِسْمَاعِيلَ بْنَ أَبِي خَالِدٍ فَقَدْ أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ رَاشِدٍ الْوَاسِطِيِّ، عَنْ هُشَيْمٍ، عَنْ مُغِيرَةَ، وَزَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ، وَمُجَالِدٍ، وَإِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ كُلُّهُمْ عَنِ الشَّعْبِيِّ، وَالْحَسَنُ الْمَذْكُورُ ثِقَةٌ مِنْ شُيُوخِ أَبِي دَاوُدَ تَكَلَّمَ فِيهِ عَبْدَانُ بِمَا لَا يَقْدَحُ فِيهِ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: لَمْ أَرَ لَهُ حَدِيثًا مُنْكَرًا.
قَوْلُهُ: (فَكَتَبَ إِلَيْهِ الْمُغِيرَةُ) ظَاهِرُهُ أَنَّ الْمُغِيرَةَ بَاشَرَ الْكِتَابَةَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ ابْنُ حِبَّانَ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ، عَنِ الشَّعْبِيِّ: إنَّ مُعَاوِيَةَ كَتَبَ إِلَى الْمُغِيرَةِ اكْتُبْ إِلَيَّ بِحَدِيثٍ سَمِعْتَهُ، فَدَعَا غُلَامَهُ وَرَّادًا فَقَالَ: اكْتُبْ فَذَكَرَهُ. وَقَوْلُهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ - إِلَى قَوْلِهِ - وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، زَادَ فِي نُسْخَةِ الصَّغَانِيِّ هُنَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ وَرَّادٍ: كَتَبَ مُعَاوِيَةُ إِلَى الْمُغِيرَةِ: اكْتُبْ إِلَيَّ بِشَيْءٍ سَمِعْتَهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، قَالَ: فَكَتَبْتُ إِلَيْهِ بِخَطِّي، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى تَسْمِيَةِ مَنْ كَتَبَ لِمُعَاوِيَةَ صَرِيحًا إِلَّا أَنَّ الْمُغِيرَةَ كَانَ مُعَاوِيَةُ أَمَّرَهُ عَلَى الْكُوفَةِ فِي سَنَةِ إِحْدَى وَأَرْبَعِينَ إِلَى أَنْ مَاتَ سَنَةَ خَمْسِينَ، أَوْ فِي الَّتِي بَعْدَهَا وَكَانَ كَاتِبُ مُعَاوِيَةَ إِذْ ذَاكَ عُبَيْدَ بْنَ أَوْسٍ الْغَسَّانِيَّ. وَفِي الْحَدِيثِ حُجَّةٌ عَلَى مَنْ لَمْ يَعْمَلْ فِي الرِّوَايَةِ بِالْمُكَاتَبَةِ.
وَاعْتَلَّ بَعْضُهُمْ بِأَنَّ الْعُمْدَةَ حِينَئِذٍ عَلَى الَّذِي بَلَّغَ الْكِتَابَ كَأَنْ يَكُونَ الَّذِي أَرْسَلَهُ أَمَرَهُ أَنْ يُوَصِّلَ الْكِتَابَ، وَأَنْ يُبَلِّغَ مَا فِيهِ مُشَافَهَةً، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ هَذَا يَحْتَاجُ إِلَى نَقْلٍ، وَعَلَى تَقْدِيرِ وُجُودِهِ فَتَكُونُ الرِّوَايَةُ عَنْ مَجْهُولٍ، وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ ثِقَةٌ عِنْدَ مَنْ أَرْسَلَهُ وَمَنْ أَرْسَلَ إِلَيْهِ، فَتَجِيءُ فِيهِ مَسْأَلَةُ التَّعْدِيلِ عَلَى الْإِبْهَامِ وَالْمُرَجَّحُ عَدَمُ الِاعْتِدَادِ بِهِ.
قَوْلُهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute