الْإِسْمَاعِيلِيِّ أَحْرِقُونِي ثُمَّ اطْحَنُونِي ثُمَّ ذَرُونِي.
قَوْلُهُ: (ثُمَّ إِذَا كَانَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ حَتَّى إِذْ كَانَ.
قَوْلُهُ: (فَأَخَذَ مَوَاثِيقَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَرَبِّي) هُوَ مِنَ الْقَسَمِ الْمَحْذُوفِ جَوَابُهُ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ حِكَايَةَ الْمِيثَاقِ الَّذِي أَخَذَهُ، أَيْ قَالَ لِمَنْ أَوْصَاهُ قُلْ وَرَبِّي لَأَفْعَلَنَ ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ عِنْدَ مُسْلِمٍ فَأَخَذَ مِنْهُمْ يَمِينًا لَكِنْ يُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ أَنَّهُ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ أَيْضًا فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ وَرَبِّي فَتَعَيَّنَ أَنَّهُ قَسَمٌ مِنَ الْمُخْبِرِ، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الَّذِي فِي الْبُخَارِيِّ هُوَ الصَّوَابُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ الَّذِي عِنْدَ مُسْلِمٍ لَعَلَّهُ أَصْوَبُ، وَوَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ مِنْ مُسْلِمٍ وَذُرِّي بِضَمِّ الْمُعْجَمَةِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ الْمَكْسُورَةِ بَدَلَ وَرَبِّي أَيْ فَعَلُوا مَا أَمَرَهُمْ بِهِ مِنَ التَّذْرِيَةِ، قَالَ عِيَاضٌ: إِنْ كَانَتْ مَحْفُوظَةً فَهِيَ الْوَجْهُ، وَلَعَلَّ الذَّالَ سَقَطَتْ لِبَعْضِ النُّسَّاخِ ثُمَّ صُحِّفَتِ اللَّفْظَةُ، كَذَا قَالَ. وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْجَهُ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ تَصْوِيبِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَخْطِئَةُ الْحُفَّاظِ بِغَيْرِ دَلِيلٍ، وَلِأَنَّ غَايَتَهَا أَنْ تَكُونَ تَفْسِيرًا أَوْ تَأْكِيدًا لِقولِهِ: فَفَعَلُوا بِهِ ذَلِكَ بِخِلَافِ قَوْلِهِ: وَرَبِّي فَإِنَّهَا تَزِيدُ مَعْنًى آخَرَ غَيْرَ قَوْلِهِ وَذُرِّي وَأَبْعَدَ الْكِرْمَانِيُّ فَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ فِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ وَرَبِّي بِصِيغَةِ الْمَاضِي مِنَ التَّرْبِيَةِ أَيْ رَبِّي أَخَذَ الْمَوَاثِيقَ بِالتَّأْكِيدَاتِ وَالْمُبَالَغَاتِ، قَالَ لَكِنَّهُ مَوْقُوفٌ عَلَى الرِّوَايَةِ.
قَوْلُهُ: (فَقَالَ اللَّهُ كُنْ) فِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ وَكَذَا فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ الَّذِي قَبْلَهُ فَجَمَعَهُ اللَّهُ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَأَمَرَ اللَّهُ الْأَرْضَ فَقَالَ اجْمَعِي مَا فِيكِ مِنْهُ فَفَعَلَتْ.
قَوْلُهُ: (فَإِذَا رَجُلٌ قَائِمٌ) قَالَ ابْنُ مَالِكٍ: جَازَ وُقُوعُ الْمُبْتَدَأِ نَكِرَةً مَحْضَةً بَعْدَ إِذَا الْمُفَاجِئَةِ لِأَنَّهَا مِنَ الْقَرَائِنِ الَّتِي تَحْصُلُ بِهَا الْفَائِدَةُ كَقَوْلِكَ: خَرَجْتُ فَإِذَا سَبُعٌ.
قَوْلُهُ: (مَخَافَتُكَ، أَوْ فَرَقٌ مِنْكَ) بِفَتْحِ الْفَاءِ وَالرَّاءِ وَهُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي. وَفِي رِوَايَةِ أَبِي عَوَانَةَ مَخَافَتُكَ بِغَيْرِ شَكٍّ، وَتَقَدَّمَ بِلَفْظِ خَشْيَتُكَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ. وَبَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِيهِ فِيمَا مَضَى، وَهُوَ بِالرَّفْعِ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ مِنْ خَشْيَتِكَ وَلِبَعْضِهِمْ خَشْيَتَكَ بِغَيْرِ مِنْ وَهِيَ بِفَتْحِ التَّاءِ، وَجَوَّزُوا الْكَسْرَ عَلَى تَقْدِيرِ حَذْفِهَا وَإِبْقَاءِ عَمَلِهَا.
قَوْلُهُ: (فَمَا تَلَافَاهُ أَنْ رَحِمَهُ) أَيْ تَدَارَكَهُ ومَا مَوْصُولَةٌ أَيِ الَّذِي تَلَافَاهُ هُوَ الرَّحْمَةُ، أَوْ نَافِيَةٌ وَصِيغَةُ الِاسْتِثْنَاءِ مَحْذُوفَةٌ، أَوِ الضَّمِيرُ فِي تَلَافَاهُ لِعَمَلِ الرَّجُلِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي هَذِهِ اللَّفْظَةِ هُنَاكَ، وَفِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ فَغَفَرَ لَهُ وَكَذَا فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: غَفَرَ لَهُ لِأَنَّهُ تَابَ عِنْدَ مَوْتِهِ وَنَدِمَ عَلَى فِعْلِهِ، وَقَالَتِ الْمُرْجِئَةُ: غَفَرَ لَهُ بِأَصْلِ تَوْحِيدِهِ الَّذِي لَا تَضُرُّ مَعَهُ مَعْصِيَةٌ، وَتُعُقِّبَ الْأَوَّلُ بِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ رَدَّ الْمَظْلِمَةَ فَالْمَغْفِرَةِ حِينَئِذٍ بِفَضْلِ اللَّهِ لَا بِالتَّوْبَةِ لِأَنَّهَا لَا تَتِمُّ إِلَّا بِأَخْذِ الْمَظْلُومِ حَقَّهُ مِنَ الظَّالِمِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ نَبَّاشًا، وَتُعُقِّبَ الثَّانِي بِأَنَّهُ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ أَوَّلًا أَنَّهُ عُذِّبَ، فَعَلَى هَذَا فَتُحْمَلُ الرَّحْمَةُ وَالْمَغْفِرَةُ عَلَى إِرَادَةِ تَرْكِ الْخُلُودِ فِي النَّارِ، وَبِهَذَا يُرَدُّ عَلَى الطَّائِفَتَيْنِ مَعًا: عَلَى الْمُرْجِئَةِ فِي أَصْلِ دُخُولِ النَّارِ، وَعَلَى الْمُعْتَزِلَةِ فِي دَعْوَى الْخُلُودِ فِيهَا.
وَفِيهِ أَيْضًا رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ مِنَ الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ بِذَلِكَ الْكَلَامِ تَابَ فَوَجَبَ عَلَى اللَّهِ قَبُولُ تَوْبَتِهِ، قَالَ ابْنُ أَبِي جَمْرَةَ: كَانَ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا لِأَنَّهُ قَدْ أَيْقَنَ بِالْحِسَابِ، وَأَنَّ السَّيِّئَاتِ يُعَاقَبُ عَلَيْهَا، وَأَمَّا مَا أَوْصَى بِهِ فَلَعَلَّهُ كَانَ جَائِزًا فِي شَرْعِهِمْ ذَلِكَ لِتَصْحِيحِ التَّوْبَةِ، فَقَدْ ثَبَتَ فِي شَرْعِ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَتْلُهُمْ أَنْفُسَهُمْ لِصِحَّةِ التَّوْبَةِ. قَالَ: وَفِي الْحَدِيثِ جَوَازُ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا قَرُبَ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ قَالَ: حَضَرَهُ الْمَوْتُ وَإِنَّمَا الَّذِي حَضَرَهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ عَلَامَاتُهُ، وَفِيهِ فَضْلُ الْأُمَّةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ لِمَا خُفِّفَ عَنْهُمْ مِنْ وَضْعِ مِثْلِ هَذِهِ الْآصَارِ، وَمَنَّ عَلَيْهِمْ بِالْحَنِيفِيَّةِ السَّمْحَةِ، وَفِيهِ عِظَمُ قُدْرَةِ اللَّهِ - تَعَالَى - أَنْ جَمَعَ جَسَدَ الْمَذْكُورِ بَعْدَ أَنْ تَفَرَّقَ ذَلِكَ التَّفْرِيقَ الشَّدِيدَ، قُلْتُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ ذَلِكَ إِخْبَارٌ عَمَّا يَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَتَقْرِيرُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى.
قَوْلُهُ: (قَالَ فَحَدَّثْتُ أَبَا عُثْمَانَ) الْقَائِلُ هُوَ سُلَيْمَانُ التَّيْمِيُّ وَالِدُ مُعْتَمِرٍ، وَأَبُو عُثْمَانَ هُوَ النَّهْدِيُّ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute