وَذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثةَ أَحَادِيثَ.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ قَوْلُهُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سِنَانٍ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ وَنُونَيْنِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْعِلْمِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ مَقْرُونًا بِرِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُلَيْحٍ عَنْ أَبِيهِ، وَسَاقَهُ هُنَاكَ عَلَى لَفْظِهِ، وَفِيهِ قِصَّةُ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَ عَنْ قِيَامِ السَّاعَةِ.
قَوْلُهُ: إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ هَذَا جَوَابُ الْأَعْرَابِيِّ الَّذِي سَأَلَ عَنْ قِيَامِ السَّاعَةِ وَهُوَ الْقَائِلُ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا؟
قَوْلُهُ: إِذَا أُسْنِدَ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: أَجَابَ عَنْ كَيْفِيَّةِ الْإِضَاعَةِ بِمَا يَدُلُّ عَلَى الزَّمَانِ، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْجَوَابَ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْهُ بَيَانُ أَنَّ كَيْفِيَّتَهَا هِيَ الْإِسْنَادُ الْمَذْكُورُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هُنَاكَ بِلَفْظِ وُسِّدَ مَعَ شَرْحِهِ وَالْمُرَادُ مِنَ الْأَمْرِ جِنْسُ الْأُمُورِ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِالدِّينِ كَالْخِلَافَةِ وَالْإِمَارَةِ وَالْقَضَاءِ وَالْإِفْتَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَوْلُهُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: أَتَى بِكَلِمَةِ إِلَى بَدَلَ اللَّامِ لِيَدُلَّ عَلَى تَضْمِينِ مَعْنَى الْإِسْنَادِ.
قَوْلُهُ: فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ الْفَاءُ لِلتَّفْرِيعِ، أَوْ جَوَابُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ إِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَانْتَظِرْ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: مَعْنَى أُسْنِدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ أَنَّ الْأَئِمَّةَ قَدِ ائْتَمَنَهُمُ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ وَفَرَضَ عَلَيْهِمُ النَّصِيحَةَ لَهُمْ، فَيَنْبَغِي لَهُمْ تَوْلِيَةُ أَهْلِ الدِّينِ، فَإِذَا قَلَّدُوا غَيْرَ أَهْلِ الدِّينِ فَقَدْ ضَيَّعُوا الْأَمَانَةَ الَّتِي قَلَّدَهُمُ اللَّهُ - تَعَالَى - إِيَّاهَا.
قال الفربري: قال أبو جعفر: حدثت أبا عبد الله فقال: سمعت أبا أحمد بن عاصم يقول: سمعت أبا عبيد يقول: قال الأصمعي وأبو عمرو وغيرهما: جذر قلوب الرجال، الجذر الأصل من كل شيء. والوكت أثر الشيء اليسير منه. والمجل أثر العمل في الكف إذا غلظ.
الْحَدِيثُ الثَّانِي حَدِيثُ حُذَيْفَةَ فِي ذِكْرِ الْأَمَانَةِ وَفِي ذِكْرِ رَفْعِهَا، وَسَيَأْتِي بِسَنَدِهِ وَمَتْنِهِ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ وَيُشْرَحُ هُنَاكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى - وَالْجَذْرُ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِهَا الْأَصْلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَالْوَكْتُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الْكَافِ بَعْدَهَا مُثَنَّاةٌ أَثَرُ النَّارِ وَنَحْوُهُ، وَالْمَجْلُ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَسُكُونِ الْجِيمِ بَعْدَهَا لَامٌ هُوَ أَثَرُ الْعَمَلِ فِي الْكَفِّ، وَالْمُنْتَبِرُ بِنُونٍ ثُمَّ مُثَنَّاةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ مَكْسُورَةٍ وَهُوَ الْمُتَنَفِّطُ.
قَوْلُهُ: وَلَا يَكَادُ أَحَدُهُمْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ أَحَدٌ بِغَيْرِ ضَمِيرٍ.
قَوْلُهُ: (مِنْ إِيمَانٍ) قَدْ يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَمَانَةِ فِي الْحَدِيثِ الْإِيمَانُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلْ ذَكَرَ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا لَازِمَةَ الْإِيمَانِ.
قَوْلُهُ: (بَايَعْت) قَالَ الْخَطَّابِيُّ: تَأَوَّلَهُ بَعْضُ النَّاسِ عَلَى بَيْعَةِ الْخِلَافَةِ، وَهَذَا خَطَأٌ، وكَيْفَ يَكُونُ وَهُوَ يَقُولُ: إِنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَي سَاعِيهِ، فَهَلْ يُبَايَعُ النَّصْرَانِيُّ عَلَى الْخِلَافَةِ؟ وَإِنَّمَا أَرَادَ مُبَايَعَةَ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ.
قَوْلُهُ: رَدَّهُ عَلَي الْإِسْلَامِ، فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي بِالْإِسْلَامِ بِزِيَادَةِ مُوَحَّدَةٍ.
قَوْلُهُ: نَصْرَانِيًّا رَدَّهُ عَلَي سَاعِيهِ أَيْ وَالِيهِ الَّذِي أُقِيمَ عَلَيْهِ لِيُنْصَفَ مِنْهُ، وَأَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ السَّاعِي فِي وُلَاةِ الصَّدَقَةِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرَادَ بِهِ هُنَا الَّذِي يَتَوَلَّى قَبْضَ الْجِزْيَةِ.
قَوْلُهُ: إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَكَرَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ سَمَّى اثْنَيْنِ مِنَ الْمَشْهُورِينَ بِالْأَمَانَةِ إِذْ ذَاكَ فَأَبْهَمَهُمَا الرَّاوِي، وَالْمَعْنَى: لَسْتُ أَثِقُ بِأَحَدٍ أَأْتِمِنُهُ عَلَى بَيْعٍ وَلَا شِرَاءٍ إِلَّا فُلَانًا وَفُلَانًا.
قَوْلُهُ: (قَالَ الْفَرَبْرِيُّ) ثَبَتَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ، وَأَبُو جَعْفَرٍ الَّذِي رَوَى عَنْهُ هُنَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ الْبُخَارِيُّ وَرَّاقُ الْبُخَارِيِّ، أَيْ نَاسِخُ كُتُبِهِ، وَقَوْلُهُ حَدَّثْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يُرِيدُ الْبُخَارِيَّ وَحَذَفَ مَا حَدَّثَهُ بِهِ لِعَدَمِ احْتِيَاجِهِ لَهُ حِينَئِذٍ، وَقَوْلُهُ فَقَالَ سَمِعْتُ الْقَائِلُ هُوَ الْبُخَارِيُّ، وَشَيْخُهُ أَحْمَدُ بْنُ عَاصِمٍ هُوَ الْبَلْخِيُّ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ، وَأَخْرَجَ عَنْهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ.
قَوْلُهُ: (سَمِعْتُ أَبَا عُبَيْدٍ) هُوَ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ الْمَشْهُورُ صَاحِبُ كِتَابِ غَرِيبِ الْحَدِيثِ وَغَيْرِهِ مِنَ التَّصَانِيفِ، وَلَيْسَ لَهُ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا هَذَا الْمَوْضِعُ، وَكَذَا الْأَصْمَعِيُّ، وَأَبُو عَمْرٍو. وَقَوْلُهُ: قَالَ الْأَصْمَعِيُّ هُوَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قَرِيبٍ، وَأَبُو عَمْرٍو هُوَ ابْنُ الْعَلَاءِ.
قَوْلُهُ: (وَغَيْرهمَا) ذَكَرَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ بَعْدَ أَنْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْوَلِيدِ الْعَدَنِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، ثُمَّ قَالَ فِي آخِرِهِ قَالَ سُفْيَانُ: الْجَذْرُ الْأَصْلُ.
قَوْلُهُ: الْجَذْرُ الْأَصْلُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ اتَّفَقُوا عَلَى التَّفْسِيرِ، وَلَكِنْ عِنْدَ أَبِي عَمْرٍو أَنَّ الْجِذْرَ بِكَسْرِ الْجِيمِ، وَعِنْدَ الْأَصْمَعِيِّ بِفَتْحِهَا.
قَوْلُهُ: وَالْوَكْتُ أَثَرُ الشَّيْءِ الْيَسِيرُ مِنْهُ هَذَا مِنْ كَلَامِ أَبِي عُبَيْدٍ أَيْضًا، وَهُوَ أَخَصُّ مِمَّا تَقَدَّمَ لِتَقْيِيدِهِ