قَوْلُهُ: بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ كَهَاتَيْنِ قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ الْعُكْبَرِيُّ فِي إِعْرَابِ الْمُسْنَدِ: السَّاعَةَ بِالنَّصْبِ، وَالْوَاوُ فِيهِ بِمَعْنَى مَعَ قَالَ: وَلَوْ قُرِئَ بِالرَّفْعِ لَفَسَدَ الْمَعْنَى، لِأَنَّهُ لَا يُقَالُ بُعِثَتِ السَّاعَةُ، وَلَا هُوَ فِي مَوْضِعِ الْمَرْفُوعِ، لِأَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ بَعْدُ، وَأَجَازَ غَيْرُهُ الْوَجْهَيْنِ، بَلْ جَزَمَ عِيَاضٌ بِأَنَّ الرَّفْعَ أَحْسَنُ، وَهُوَ عَطْفٌ عَلَى ضَمِيرِ الْمَجْهُولِ فِي بُعِثْتُ. قَالَ: وَيَجُوزُ النَّصْبُ، وَذَكَرَ نَحْوَ تَوْجِيهِ أَبِي الْبَقَاءِ، وَزَادَ: أَوْ عَلَى ضَمِيرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَالُ، نَحْو فَانْتَظَرُوا، كَمَا قُدِّرَ فِي نَحْوِ جَاءَ الْبَرْدُ وَالطَّيَالِسَةُ فَاسْتَعِدُّوا.
قُلْتُ: وَالْجَوَابُ عَنِ الَّذِي اعْتَلَّ بِهِ أَبُو الْبَقَاءِ أَوَّلًا أَنْ يُضَمَّنَ بُعِثْتُ مَعْنًى يَجْمَعُ إِرْسَالَ الرَّسُولِ وَمَجِيءَ السَّاعَةِ، نَحْوُ جِئْتُ، وَعَنِ الثَّانِي بِأَنَّهَا نُزِّلَتْ مَنْزِلَةَ الْمَوْجُودِ مُبَالَغَةً فِي تَحَقُّقِ مَجِيئِهَا، وَيُرَجِّحُ النَّصْبَ مَا وَقَعَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ وَالنَّازِعَاتِ مِنْ هَذَا الصَّحِيحِ مِنْ طَرِيقِ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ بِلَفْظِ: بُعِثْتُ وَالسَّاعَةَ، فَإِنَّهُ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْوَاوَ لِلْمَعِيَّةِ.
قَوْلُهُ: ﴿وَمَا أَمْرُ السَّاعَةِ إِلا كَلَمْحِ الْبَصَرِ﴾] الْآيَةَ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَفِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ ﴿أَوْ هُوَ أَقْرَبُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ كَذَا لِلْجَمِيعِ مَعْطُوفًا عَلَى الْحَدِيثِ بِغَيْرِ فَصْلٍ، وَهُوَ يُوهِمُ أَنْ تَكُونَ بَقِيَّتَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ التَّقْدِيرُ وَقَوْلُ اللَّهِ ﷿ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ، وَلَمَّا أَرَادَ الْبُخَارِيُّ إِدْخَالَ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَصِفَةِ الْقِيَامَةِ فِي كِتَابِ الرِّقَاقِ اسْتَطْرَدَ مِنْ حَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي قَبْلَهُ الْمُشْتَمِلِ عَلَى ذِكْرِ الْمَوْتِ الدَّالِّ عَلَى فَنَاءِ كُلِّ شَيْءٍ إِلَى ذِكْرِ مَا يَدُلُّ عَلَى قُرْبِ الْقِيَامَةِ، وَهُوَ مِنْ لَطِيفِ تَرْتِيبِهِ. ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ: عَنْ سَهْلٍ، وَأَنَسٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظٍ وَاحِدٍ، وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ زِيَادَةُ الْإِشَارَةِ.
قَوْلُهُ: عَنْ سَهْلٍ) فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، سَمِعْتُ مِنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كَمَا تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ اللِّعَانِ.
قَوْلُهُ: بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ الْمُرَادُ بِالسَّاعَةِ هُنَا يَوْمُ الْقِيَامَةِ، وَالْأَصْلُ فِيهَا قِطْعَةٌ مِنَ الزَّمَانِ، وَفِي عُرْفِ أَهْلِ الْمِيقَاتِ جُزْءٌ مِنْ أَرْبَعَةٍ وَعِشْرِينَ جُزْءًا مِنَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ، وَثَبَتَ مِثْلُهُ فِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ: يَوْمُ الْجُمُعَةِ اثْنَتَا عَشْرَةَ سَاعَةً، وَقَدْ بَيَّنْتُ حَالَهُ فِي كِتَابِ الْجُمُعَةِ، وَأَطْلَقْتُ فِي الْحَدِيثِ عَلَى انْخِرَامِ قَرْنِ الصَّحَابَةِ. فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ كَانَ الْأَعْرَابُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنِ السَّاعَةِ، فَنَظَرَ إِلَى أَحْدَثِ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ فَقَالَ: إِنْ يَعِشْ هَذَا لَمْ يُدْرِكْهُ الْهَرَمُ قَامَتْ عَلَيْكُمْ سَاعَتُكُمْ. وَعِنْدَهُ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ نَحْوَهُ، وَأُطْلِقَتْ أَيْضًا عَلَى مَوْتِ الْإِنْسَانِ الْوَاحِدِ.
قَوْلُهُ: (كَهَاتَيْنِ) كَذَا وَقَعَ عِنْدَ الْكُشْمِيهَنِيِّ فِي حَدِيثِ سَهْلٍ، وَلِغَيْرِهِ كَهَاتَيْنِ هَكَذَا وَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ لَكِنْ بِلَفْظِ كَهَذِهِ مِنْ هَذِهِ أَوْ كَهَاتَيْنِ وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ هَكَذَا، وَفِي رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ قَالَ بِأُصْبُعَيْهِ هَكَذَا.
قَوْلُهُ: وَيُشِيرُ بِأصْبَعَيْهِ فَيَمُدُّهُمَا فِي رِوَايَةِ سُفْيَانَ وَقَرَنَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى وَفِي رِوَايَةِ فُضَيْلِ بْنِ سُلَيْمَانَ، وَيَعْقُوبَ بِالْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ وَلِلْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِيهِ وَجَمَعَ بَيْنَ أصْبَعَيْهِ وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا شَيْئًا وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ضَمْرَةَ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ عِنْدَ ابْنِ جَرِيرٍ وَضَمَّ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ الْوُسْطَى وَالَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ وَقَالَ: وَمَا مَثَلِي وَمَثَلُ السَّاعَةِ إِلَّا كَفَرَسَيْ رِهَانٍ، وَنَحْوُهُ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ بِلَفْظِ بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةَ، إِنْ كَادَتْ لَتَسْبِقُنِي. أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالطَّبَرِيُّ وَسَنَدُهُ حَسَنٌ، وَفِي حَدِيثِ الْمُسْتَوْرِدِ بْنِ شَدَّادٍ بُعِثْتُ فِي نَفْسِ السَّاعَةِ سَبَقَتهَا كَمَا سَبَقَتْ هَذِهِ لِهَذِهِ، لِأصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى. أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ، وَالطَّبَرِيُّ. وَقَوْلُهُ: فِي نَفَسٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنِ الْقُرْبِ، أَيْ بُعِثْتُ عِنْدَ تَنَفُّسِهَا. وَمِثْلُهُ فِي حَدِيثِ أَبِي جَبِيرَةَ - بِفَتْحِ الْجِيمِ وَكَسْرِ الْمُوَحَّدَةِ - الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَشْيَاخٍ مِنْ الْأَنْصَارِ، أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنْ أَبِي جَبِيرَةَ مَرْفُوعًا بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ بِلَفْظٍ آخَرَ سَأُنَبِّهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute