سَاعَةً ثُمَّ أَفَاقَ فَأَشْخَصَ بَصَرَهُ إِلَى السَّقْفِ ثُمَّ قَالَ "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى" قُلْتُ إِذًا لَا يَخْتَارُنَا وَعَرَفْتُ أَنَّهُ الْحَدِيثُ الَّذِي كَانَ يُحَدِّثُنَا بِهِ قَالَتْ فَكَانَتْ تِلْكَ آخِرَ كَلِمَةٍ تَكَلَّمَ بِهَا النَّبِيُّ ﷺ قَوْلُهُ "اللَّهُمَّ الرَّفِيقَ الأَعْلَى"
قَوْلُهُ: بَابُ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ) هَكَذَا تَرْجَمَ بِالشِّقِّ الْأَوَّلِ مِنَ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ إِشَارَةً إِلَى بَقِيَّتِهِ عَلَى طَرِيقِ الِاكْتِفَاءِ، قَالَ الْعُلَمَاءُ: مَحَبَّةُ اللَّهِ لِعَبْدِهِ إِرَادَتُهُ الْخَيْرَ لَهُ وَهِدَايَتُهُ إِلَيْهِ وَإِنْعَامُهُ عَلَيْهِ، وَكَرَاهَتُهُ لَهُ عَلَى الضِّدِّ مِنْ ذَلِكَ.
قَوْلُهُ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ) هُوَ ابْنُ الْمِنْهَالِ الْبَصْرِيُّ، وَهُوَ مِنْ كِبَارِ شُيُوخِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ رَوَى عَنْ هَمَّامٍ أَيْضًا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْمِصِّيصِيُّ، لَكِنْ لَمْ يُدْرِكْهُ الْبُخَارِيُّ.
قَوْلُهُ: عَنْ قَتَادَةَ) لِهَمَّامٍ فِيهِ إِسْنَادٌ آخَرُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى حَدَّثَنِي فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ بِمَعْنَاهُ، وَسَنَدُهُ قَوِيٌّ، وَإِبْهَامُ الصَّحَابِيِّ لَا يَضُرُّ، وَلَيْسَ ذَلِكَ اخْتِلَافًا عَلَى هَمَّامٍ، فَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، عَنْ عَفَّانَ، عَنْ هَمَّامٍ، عَنْ قَتَادَةَ.
قَوْلُهُ: عَنْ أَنَسٍ) فِي رِوَايَةِ شُعْبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ سَمِعْتُ أَنَسًا وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْمُعَلَّقَةِ.
قَوْلُهُ: عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) قَدْ رَوَاهُ حُمَيْدٌ، عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ، أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالْبَزَّارُ مِنْ طَرِيقِهِ. وَذَكَرَ الْبَزَّارُ أَنَّهُ تَفَرَّدَ بِهِ، فَإِنْ أَرَادَ مُطْلَقًا وَرَدَتْ عَلَيْهِ رِوَايَةُ قَتَادَةَ، وَإِنْ أَرَادَ بِقَيْدِ كَوْنِهِ جَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِ أَنَسٍ سَلِمَ.
قَوْلُهُ: مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ، قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: لَيْسَ الشَّرْطُ سَبَبًا لِلْجَزَاءِ، بَلِ الْأَمْرُ بِالْعَكْسِ، وَلَكِنَّهُ عَلَى تَأْوِيلِ الْخَبَرِ، أَيْ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَخْبِرْهُ بِأَنَّ اللَّهَ أَحَبَّ لِقَاءَهُ، وَكَذَا الْكَرَاهَةُ. وَقَالَ غَيْرُهُ فِيمَا نَقَلَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرُهُ مَنْ هُنَا خَبَرِيَّةٌ وَلَيْسَتْ شَرْطِيَّةً، فَلَيْسَ مَعْنَاهُ أَنَّ سَبَبَ حُبِّ اللَّهِ لِقَاءَ الْعَبْدِ حُبُّ الْعَبْدِ لِقَاءَهُ وَلَا الْكَرَاهَةُ، وَلَكِنَّهُ صِفَةُ حَالِ الطَّائِفَتَيْنِ فِي أَنْفُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ، وَالتَّقْدِيرُ مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ فَهُوَ الَّذِي أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ وَكَذَا الْكَرَاهَةُ.
قُلْتُ: وَلَا حَاجَةَ إِلَى دَعْوَى نَفْيِ الشَّرْطِيَّةِ، فَسَيَأْتِي فِي التَّوْحِيدِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ: قَالَ اللَّهُ ﷿: إِذَا أَحَبَّ عَبْدِي لِقَائِي أَحْبَبْتُ لِقَاءَهُ الْحَدِيثَ. فَيُعَيِّنُ أَنَّ مَنْ فِي حَدِيثِ الْبَابِ شَرْطِيَّةٌ وَتَأْوِيلُهَا مَا سَبَقَ، وَفِي قَوْلِهِ: أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ الْعُدُولُ عَنِ الضَّمِيرِ إِلَى الظَّاهِرِ تَفْخِيمًا، وَتَعْظِيمًا وَدَفْعًا لِتَوَهُّمِ عَوْدِ الضَّمِيرِ عَلَى الْمَوْصُولِ، لِئَلَّا يَتَّحِدَ فِي الصُّورَةِ الْمُبْتَدَأُ وَالْخَبَرُ، فَفِيهِ إِصْلَاحُ اللَّفْظِ لِتَصْحِيحِ الْمَعْنَى، وَأَيْضًا فَعَوْدُ الضَّمِيرِ عَلَى الْمُضَافِ إِلَيْهِ قَلِيلٌ، وَقَرَأْتُ بِخَطِّ ابْنِ الصَّائِغِ فِي شَرْحِ الْمَشَارِقِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِقَاءُ اللَّهِ مُضَافًا لِلْمَفْعُولِ فَأَقَامَهُ مَقَامَ الْفَاعِلِ، وَلِقَاءَهُ إِمَّا مُضَافٌ لِلْمَفْعُولِ أَوْ لِلْفَاعِلِ الضَّمِيرِ أَوْ لِلْمَوْصُولِ، لِأَنَّ الْجَوَابَ إِذَا كَانَ شَرْطًا فَالْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ فِيهِ ضَمِيرٌ، نَعَمْ هُوَ مَوْجُودٌ هُنَا وَلَكِنْ تَقْدِيرًا.
قَوْلُهُ: وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ قَالَ الْمَازِرِيُّ: مَنْ قَضَى اللَّهُ بِمَوْتِهِ لَا بُدَّ أَنْ يَمُوتَ وَإِنْ كَانَ كَارِهًا لِلِقَاءِ اللَّهِ، وَلَوْ كَرِهَ اللَّهُ مَوْتَهُ لَمَا مَاتَ، فَيُحْمَلُ الْحَدِيثُ عَلَى كَرَاهَتِهِ ﷾ الْغُفْرَانَ لَهُ وَإِرَادَتِهِ لِإِبْعَادِهِ مِنْ رَحْمَتِهِ. قُلْتُ: وَلَا اخْتِصَاصَ لِهَذَا الْبَحْثِ بِهَذَا الشِّقِّ، فَإِنَّهُ يَأْتِي مِثْلُهُ فِي الشِّقِّ الْأَوَّلِ، كَأَنْ يُقَالَ مَثَلًا مَنْ قَضَى اللَّهُ بِامْتِدَادِ حَيَاتِهِ لَا يَمُوتُ وَلَوْ كَانَ مُحِبًّا لِلْمَوْتِ إِلَخْ.
قَوْلُهُ: قَالَتْ عَائِشَةُ أَوْ بَعْضُ أَزْوَاجِهِ) كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِالشَّكِّ، وَجَزَمَ سَعْدُ بْنُ هِشَامٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عَائِشَةَ بِأَنَّهَا هِيَ الَّتِي قَالَتْ ذَلِكَ، وَلَمْ يَتَرَدَّدْ، وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَا تَظْهَرُ صَرِيحًا هَلْ هِيَ مِنْ كَلَامِ عُبَادَةَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَمِعَ الْحَدِيثَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ وَسَمِعَ مُرَاجَعَةَ عَائِشَةَ، أَوْ مِنْ كَلَامِ أَنَسٍ بِأَنْ يَكُونَ حَضَرَ ذَلِكَ، فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ حُمَيْدٍ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا بِلَفْظِ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ فَيَكُونُ أَسْنَدَ الْقَوْلَ إِلَى جَمَاعَةٍ، وَإِنْ كَانَ الْمُبَاشِرُ لَهُ وَاحِدًا وَهِيَ عَائِشَةُ،