للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالْمَبْسُوطِ لَا عَلَى الْبَسْطِ وَالْقَبْضِ، وقَدْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِشَارَةً إِلَى الِاسْتِيعَابِ انْتَهَى. وَسَيَأْتِي مَزِيدُ بَيَانٍ لِذَلِكَ فِي كِتَابِ التَّوْحِيدِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -. وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي قَوْلِهِ - تَعَالَى - ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ﴾ هَلِ الْمُرَادُ ذَاتُ الْأَرْضِ وَصِفَتُهَا أَوْ تَبْدِيلُ صِفَتِهَا فَقَطْ، وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي شَرْحِ ثَالِثِ أَحَادِيثِ هَذَا الْبَابِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -.

الْحَدِيثُ الثَّانِي، قَوْلُهُ: عَنْ خَالِدٍ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ، وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ عَنْ أَبِيهِ حَدَّثَنِي خَالِدُ بْنُ يَزِيدَ وَالسَّنَدُ كُلُّهُ بَصْرِيُّونَ إِلَى سَعِيدٍ، وَمِنْهُ إِلَى مُنْتَهَاهُ مَدَنِيُّونَ.

قَوْلُهُ: تَكُونُ الْأَرْضُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَعْنِي أَرْضَ الدُّنْيَا (خُبْزَة) بِضَمِّ الْخاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ وَفَتْحِ الزَّايِ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ: الْخُبْزَةُ الطُّلْمَةُ بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ وَهُوَ عَجِينٌ يُوضَعُ فِي الْحُفْرَةِ بَعْدَ إِيقَادِ النَّارِ فِيهَا، قَالَ: وَالنَّاسُ يُسَمُّونَهَا الْمَلَّةَ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ، وَإِنَّمَا الْمَلَّةُ الْحُفْرَةُ نَفْسُهَا.

قَوْلُهُ: يَتَكَفَّؤُهَا الْجَبَّارُ بِفَتْحِ الْمُثَنَّاةِ وَالْكَافِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ الْمَفْتُوحَةِ بَعْدَهَا هَمْزَةٌ أَيْ يَمِيلُهَا، مِنْ كَفَأْتُ الْإِنَاءَ إِذَا قَلَّبْتُهُ، وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ يَكْفَؤُهَا بِسُكُونِ الْكَافِ.

قَوْلُهُ: كَمَا يَكْفَأُ أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ فِي السَّفَرِ قَالَ الْخَطَّابِيُّ: يَعْنِي خُبْزَ الْمَلَّةِ الَّذِي يَصْنَعُهُ الْمُسَافِرُ، فَإِنَّهَا لَا تُدْحَى كَمَا تُدْحَى الرُّقَاقَةُ، وَإِنَّمَا تُقَلَّبُ عَلَى الْأَيْدِي حَتَّى تَسْتَوِيَ، وَهَذَا عَلَى أَنَّ السَّفَرَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْفَاءِ، وَرَوَاهُ بَعْضُهُمْ بِضَمِّ أَوَّلِهِ جَمْعُ سُفْرَةٍ وَهُوَ الطَّعَامُ الَّذِي يُتَّخَذُ لِلْمُسَافِرِ، وَمِنْهُ سُمِّيَتِ السُّفْرَةُ.

قَوْلُهُ: نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ النُّزُلُ بِضَمِّ النُّونِ وَبِالزَّايِ وَقَدْ تُسَكَّنُ: مَا يُقَدَّمُ لِلضَّيْفِ وَلِلْعَسْكَرِ، يُطْلَقُ عَلَى الرِّزْقِ وَعَلَى الْفَضْلِ، وَيُقَالُ: أَصْلَحَ لِلْقَوْمِ نُزُلَهُمْ، أَيْ مَا يَصْلُحُ أَنْ يَنْزِلُوا عَلَيْهِ مِنَ الْغِذَاءِ، وَعَلَى مَا يُعَجَّلُ لِلضَّيْفِ قَبْلَ الطَّعَامِ وَهُوَ اللَّائِقُ هُنَا، قَالَ الدَّاوُدِيُّ: الْمُرَادُ أَنَّهُ يَأْكُلُ مِنْهَا مَنْ سَيَصِيرُ إِلَى الْجَنَّةِ مِنْ أَهْلِ الْمَحْشَرِ، لَا أَنَّهُمْ لَا يَأْكُلُونَهَا حَتَّى يَدْخُلُوا الْجَنَّةَ.

قُلْتُ: وَظَاهِرُ الْخَبَرِ يُخَالِفُهُ، وَكَأَنَّهُ بَنَى عَلَى مَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرِيُّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: تَكُونُ الْأَرْضُ خُبْزَةً بَيْضَاءَ يَأْكُلُ الْمُؤْمِنُ مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْهِ. وَمِنْ طَرِيقِ أَبِي مَعْشَرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ أَوْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسٍ نَحْوَهُ، وَلِلْبَيْهَقِيِّ بِسَنَدٍ ضَعِيفٍ عَنْ عِكْرِمَةَ: تُبَدَّلُ الْأَرْضُ مِثْلَ الْخُبْزَةِ يَأْكُلُ مِنْهَا أَهْلُ الْإِسْلَامِ حَتَّى يَفْرَغُوا مِنَ الْحِسَابِ. وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ نَحْوُهُ، وَسَأَذْكُرُ بَقِيَّةَ مَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي بَعْدَهُ، وَنَقَلَ الطِّيبِيُّ، عَنِ الْبَيْضَاوِيِّ أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مُشْكِلٌ جِدًّا لَا مِنْ جِهَةِ إِنْكَارِ صُنْعِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ عَلَى مَا يَشَاءُ، بَلْ لِعَدَمِ التَّوْقِيفِ عَلَى قَلْبِ جِرْمِ الْأَرْضِ مِنَ الطَّبْعِ الَّذِي عَلَيْهِ إِلَى طَبْعِ الْمَطْعُومِ وَالْمَأْكُولِ، مَعَ مَا ثَبَتَ فِي الْآثَارِ أَنَّ هَذِهِ الْأَرْضَ تَصِيرُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَارًا وَتَنْضَمُّ إِلَى جَهَنَّمَ، فَلَعَلَّ الْوَجْهَ فِيهِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ خُبْزَةً وَاحِدَةً أَيْ كَخُبْزَةٍ وَاحِدَةٍ مِنْ نَعْتِهَا كَذَا وَكَذَا، وَهُوَ نَظِيرُ مَا فِي حَدِيثِ سَهْلٍ يَعْنِي الْمَذْكُورَ بَعْدَهُ كَقُرْصَةِ النَّقِيَّ، فَضَرَبَ الْمَثَلَ بِهَا لِاسْتِدَارَتِهَا وَبَيَاضِهَا، فَضَرْبُ الْمَثَلِ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِخُبْزَةٍ تُشْبِهُ الْأَرْضَ فِي مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا بَيَانُ الْهَيْئَةِ الَّتِي تَكُونُ الْأَرْضُ عَلَيْهَا يَوْمَئِذٍ، وَالْآخَرُ بَيَانُ الْخُبْزَةِ الَّتِي يُهَيِّئُهَا اللَّهُ - تَعَالَى - نُزُلًا لِأَهْلِ الْجَنَّةِ، وَبَيَانُ عِظَمِ مِقْدَارِهَا ابْتِدَاعًا وَاخْتِرَاعًا.

قَالَ الطِّيبِيُّ: وَإِنَّمَا دَخَلَ عَلَيْهِ الْإِشْكَالُ لِأَنَّهُ رَأَى الْحَدِيثَيْنِ فِي بَابِ الْحَشْرِ، فَظَنَّ أَنَّهُمَا لِشَيْءٍ وَاحِدٍ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، وَإِنَّمَا هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ بَابٍ، وَحَدِيثُ سَهْلٍ مِنْ بَابٍ، وَأَيْضًا فَالتَّشْبِيهُ لَا يَسْتَلْزِمُ الْمُشَارَكَةَ بَيْنَ الْمُشَبَّهِ وَالْمُشَبَّهِ بِهِ فِي جَمِيعِ الْأَوْصَافِ، بَلْ يَكْفِي حُصُولُهُ فِي الْبَعْضِ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّهُ شَبَّهَ أَرْضَ الْحَشْرِ بِالْخُبْزَةِ فِي الِاسْتِوَاءِ وَالْبَيَاضِ، وَشَبَّهَ أَرْضَ الْجَنَّةِ فِي كَوْنِهَا نُزُلًا لِأَهْلِهَا وَمُهَيَّأَةً لَهُمْ تَكْرِمَةً بِعُجَالَةِ الرَّاكِبِ زَادَهُ يَقْنَعُ بِهِ فِي سَفَرِهِ. قُلْتُ: آخِرُ كَلَامِهِ يُقَرِّرُ مَا قَالَ الْقَاضِي أَنَّ كَوْنَ أَرْضِ الدُّنْيَا تَصِيرُ نَارًا مَحْمُولٌ عَلَى حَقِيقَتِهِ، وَأَنَّ كَوْنَهَا تَصِيرُ خُبْزَةً يَأْكُلُ مِنْهَا أَهْلُ الْمَوْقِفِ مَحْمُولٌ عَلَى الْمَجَازِ، وَالْآثَارُ الَّتِي أَوْرَدْتُهَا عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَغَيْرِهِ تَرُدُّ عَلَيْهِ، وَالْأَوْلَى الْحَمْلُ عَلَى الْحَقِيقَةِ مَهْمَا أَمْكَنَ،