أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، وَثُمَامَةُ عَمُّهُ. وَرِجَالُ هَذَا الْإِسْنَادِ كُلُّهُمْ بَصْرِيُّونَ.
قَوْلُهُ: (عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أَنَّهُ كَانَ) أَيْ: مِنْ عَادَةِ النَّبِيِّ ﷺ وَالْمُرَادُ أَنَّ أَنَسًا مُخْبِرٌ عَمَّا عَرَفَهُ مِنْ شَأْنِ النَّبِيِّ ﷺ وَشَاهَدُهُ، لَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ. وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُصَنِّفَ أَخْرَجَهُ فِي كِتَابِ الِاسْتِئْذَانِ عَنْ إِسْحَاقَ - وَهُوَ ابْنُ مَنْصُورٍ - عَنْ عَبْدِ الصَّمَدِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ إِلَى أَنَسٍ، فَقَالَ: إِنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ.
قَوْلُهُ: (بِكَلِمَةٍ) أَيْ: بِجُمْلَةٍ مُفِيدَةٍ.
قَوْلُهُ: (أَعَادَهَا ثَلَاثًا) قَدْ بَيَّنَ الْمُرَادَ بِذَلِكَ فِي نَفْسِ الْحَدِيثِ بِقَوْلِهِ: حَتَّى تُفْهَمَ عَنْهُ وَلِلتِّرْمِذِيِّ، وَالْحَاكِمِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ حَتَّى تُعْقَلَ عَنْهُ. وَوَهِمَ الْحَاكِمُ فِي اسْتِدْرَاكِهِ وَفِي دَعْوَاهُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يُخَرِّجْهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ، إِنَّمَا نَعْرِفُهُ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى، انْتَهَى.
وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُثَنَّى مِمَّنْ تَفَرَّدَ الْبُخَارِيُّ بِإِخْرَاجِ حَدِيثِهِ دُونَ مُسْلِمٍ، وَقَدْ وَثَّقَهُ الْعِجْلِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ أَبُو زُرْعَةَ، وَأَبُو حَاتِمٍ: صَالِحٌ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي خَيْثَمَةَ، عَنِ ابْنِ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ: لَيْسَ بِالْقَوِيِّ. قُلْتُ: لَعَلَّهُ أَرَادَ فِي بَعْضِ حَدِيثِهِ، وَقَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ حَيْثُ يُخَرِّجُ لِبَعْضِ مَنْ فِيهِ مَقَالٌ لَا يُخَرِّجُ شَيْئًا مِمَّا أُنْكِرَ عَلَيْهِ. وَقَوْلُ ابْنِ مَعِينٍ: لَيْسَ بِشَيْءٍ أَرَادَ بِهِ فِي حَدِيثٍ بِعَيْنِهِ سُئِلَ عَنْهُ، وَقَدْ قَوَّاهُ فِي رِوَايَةِ إِسْحَاقَ بْنِ مَنْصُورٍ عَنْهُ. وَفِي الْجُمْلَةِ فَالرَّجُلُ إِذَا ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ الْجَرْحُ إِلَّا إِذَا كَانَ مُفَسَّرًا بِأَمْرٍ قَادِحٍ، وَذَلِكَ غَيْرُ مَوْجُودٍ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُثَنَّى هَذَا.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ لَمَّا ذَكَرَهُ فِي الثِّقَاتِ: رُبَّمَا أَخْطَأَ. وَالَّذِي أُنْكِرَ عَلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ غَيْرِ عَمِّهِ ثُمَامَةَ، وَالْبُخَارِيُّ إِنَّمَا أَخْرَجَ لَهُ عَنْ عَمِّهِ هَذَا الْحَدِيثَ وَغَيْرَهُ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الرَّجُلَ أَضْبَطُ لِحَدِيثِ آلِ بَيْتِهِ مِنْ غَيْرِهِ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: نَبَّهَ الْبُخَارِيُّ بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ عَلَى الرَّدِّ مَنْ كَرِهَ إِعَادَةَ الْحَدِيثِ، وَأَنْكَرَ عَلَى الطَّالِبِ الِاسْتِعَادَةَ وَعَدَّهُ مِنَ الْبَلَادَةِ، قَالَ: وَالْحَقُّ أَنَّ هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْقَرَائِحِ، فَلَا عَيْبَ عَلَى الْمُسْتَفِيدِ الَّذِي لَا يَحْفَظُ مِنْ مَرَّةٍ إِذَا اسْتَعَادَ، وَلَا عُذْرَ لِلْمُفِيدِ إِذَا لَمْ يُعِدْ بَلِ الْإِعَادَةُ عَلَيْهِ آكَدُ مِنَ الِابْتِدَاءِ ; لِأَنَّ الشُّرُوعَ مُلْزِمٌ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: فِيهِ أَنَّ الثَّلَاثَ غَايَةٌ مَا يَقَعُ بِهِ الِاعْتِذَارُ وَالْبَيَانُ
قَوْلُهُ: (وَإِذَا أَتَى عَلَى قَوْمٍ) أَيْ: وَكَانَ إِذَا أَتَى.
قَوْلُهُ: (فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ) هُوَ مِنْ تَتِمَّةِ الشَّرْطِ، وَقَوْلُهُ: سَلَّمَ عَلَيْهِمْ هُوَ الْجَوَابُ، قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ إِذَا سَلَّمَ سَلَامَ الِاسْتِئْذَانِ عَلَى مَا رَوَاهُ أَبُو مُوسَى وَغَيْرُهُ، وَأَمَّا أَنْ يَمُرَّ الْمَارُّ مُسَلِّمًا فَالْمَعْرُوفُ عَدَمُ التَّكْرَارِ. قُلْتُ: وَقَدْ فَهِمَ الْمُصَنِّفُ هَذَا بِعَيْنِهِ فَأَوْرَدَ هَذَا الْحَدِيثَ مَقْرُونًا بِحَدِيثِ أَبِي مُوسَى فِي قِصَّتِهِ مَعَ عُمَرَ كَمَا سَيَأْتِي فِي الِاسْتِئْذَانِ، لَكِنْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ يَقَعُ أَيْضًا مِنْهُ إِذَا خَشِيَ أَنَّهُ لَا يُسْمَعُ سَلَامُهُ. وَمَا ادَّعَاهُ الْكِرْمَانِيُّ مِنْ أَنَّ الصِّيغَةَ الْمَذْكُورَةَ تُفِيدُ الِاسْتِمْرَارَ مِمَّا يُنَازَعُ فِيهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٩٦ - حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو عَوَانَةَ، عَنْ أَبِي بِشْرٍ، عَنْ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: تَخَلَّفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ سَافَرْنَاهُ، فَأَدْرَكَنَا وَقَدْ أَرْهَقْنَا الصَّلَاةَ صَلَاةَ الْعَصْرِ وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: وَيْلٌ لِلْأَعْقَابِ مِنْ النَّارِ. مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا.
قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو (فَأَدْرَكَنَا) هُوَ بِفَتْحِ الْكَافِ. وَقَوْلُهُ: أَرْهَقْنَا بِسُكُونِ الْقَافِ، وَلِلْأَصِيلِيِّ أَرْهَقَتْنَا. وَقَوْلُهُ: صَلَاةُ الْعَصْرِ هُوَ بَدَلٌ مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ رَفْعًا فَرَفْعٌ وَإِنْ نَصْبًا فَنَصْبٌ.
قَوْلُهُ: (مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا) هُوَ شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ لَيْسَتْ شَرْطًا، بَلِ الْمُرَادُ التَّفْهِيمُ، فَإِذَا حَصَلَ بِدُونِهَا أَجْزَأَ. وَسَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَى الْمَتْنِ فِي الطَّهَارَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.