الْحَدِيثِ فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ وَقَوْلُهُا هُنَا: وَإِنْ تَكُنِ الْأُخْرَى تَرَ مَا أَصْنَعُ كَذَا لِلْكُشْمِيهَنِيِّ بِالْجَزْمِ جَوَابُ الشَّرْطِ وَلِغَيْرِهِ تَرَى بِالْإِشْبَاعِ أَوْ بِحَذْفِ شَيْءٍ تقديره سَوْفَ كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ فِي آخِرِ هَذَا الْبَابِ وَإِلَّا سَوْفَ تَرَى وَالْمَعْنَى وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْجَنَّةِ صَنَعْتُ شَيْئًا مِنْ صَنِيعِ أَهْلِ الْحُزْنِ مَشْهُورًا يَرَاهُ كُلُّ أَحَدٍ.
قَوْلُهُ: وَإِنَّهُ لَفِي جَنَّةِ الْفِرْدَوْسِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَحَذَفَ الْكُشْمِيهَنِيُّ فِي رِوَايَتِهِ اللَّامَ وَوَقَعَ فِي الرِّوَايَةِ الْآتِيَةِ الْفِرْدَوْسِ الْأَعْلَى قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ: الْفِرْدَوْسُ مِنَ الْأَوْدِيَةِ مَا يُنْبِتُ ضُرُوبًا مِنَ النَّبَاتِ، وَقَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ وَغَيْرُهُ بُسْتَانٌ فِيهِ كُرُومٌ وَثَمَرَةٌ وَغَيْرُهَا وَيُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: هُوَ عَرَبِيٌّ مُشْتَقٌّ مِنَ الْفَرْدَسَةِ، وَهِيَ السَّعَةُ وَقِيلَ: رُومِيٌّ نَقَلَتْهُ الْعَرَبُ وَقَالَ غَيْرُهُ: سُرْيَانِيٌّ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا مَكَانٌ مِنَ الْجَنَّةِ مِنْ أَفْضَلِهَا.
الْحَدِيثُ السادسُ:
قَوْلُهُ: (الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى هُوَ السِّينَانِيُّ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ، وَسُكُونِ التَّحْتَانِيَّةِ، وَنُونَيْنِ الْمَرْوَزِيُّ.
قَوْلُهُ: أَخْبَرَنَا الْفُضَيْلُ بِالتَّصْغِيرِ كَذَا لِلْأَكْثَرِ غَيْرَ مَنْسُوبٍ، وَنَسَبَهُ ابْنُ السَّكَنِ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ: الْفُضَيْلُ بْنُ غَزْوَانَ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَنَسَبَهُ أَبُو الْحَسَنِ الْقَابِسِيُّ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ فَقَالَ: الْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ، وَرَدَّهُ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ فَقَالَ: لَا رِوَايَةَ لِلْفُضَيْلِ بْنِ عِيَاضٍ فِي الْبُخَارِيِّ إِلَّا فِي مَوْضِعَيْنِ مِنْ كِتَابِ التَّوْحِيدِ، وَلَا رِوَايَةَ لَهُ عَنْ أَبِي حَازِمٍ رَاوِي هَذَا الْحَدِيثِ وَلَا أَدْرَكَهُ، وَهُوَ كَمَا قَالَ: وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ فُضَيْلِ بْنِ غَزْوَانَ، عَنْ أَبِيهِ بِسَنَدِهِ، وَلَكِنْ لَمْ يَرْفَعْهُ، وَهُوَ عِنْدَ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ، وَقَالَ رَفَعَهُ وَهُوَ يُؤَيِّدُ مَقَالَةَ أَبِي عَلِيٍّ الْجَيَّانِيِّ.
قَوْلُهُ: مَنْكِبَيِ الْكَافِرِ بِكَسْرِ الْكَافِ تَثْنِيَةُ مَنْكِبٍ، وَهُوَ مُجْتَمَعُ الْعَضُدِ وَالْكَتِفِ.
قَوْلُهُ: مَسِيرَةُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ لِلرَّاكِبِ الْمُسْرِعِ فِي رِوَايَةِ يُوسُفَ بْنِ عِيسَى، عَنِ الْفَضْلِ بْنِ مُوسَى بِسَنَدِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ خَمْسَةُ أَيَّامٍ أَخْرَجَهُ الْحَسَنُ بْنُ سُفْيَانَ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ، وَفِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ عَنْهُ مَرْفُوعًا: يَعْظُمُ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ حَتَّى إِنَّ بَيْنَ شَحْمَةِ أُذُنِ أَحَدِهِمْ إِلَى عَاتِقِهِ مَسِيرَةَ سَبْعِمِائَةِ عَامٍ، وَلِلْبَيْهَقِيِّ فِي الْبَعْثِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَسِيرَةَ سَبْعِينَ خَرِيفًا وَلِابْنِ الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: ضِرْسُ الْكَافِرِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمُ مِنْ أُحُدٍ، يَعْظُمُونَ لِتَمْتَلِئَ مِنْهُمْ، وَلِيَذُوقُوا الْعَذَابَ، وَسَنَدُهُ صَحِيحٌ وَلَمْ يُصَرِّحْ بِرَفْعِهِ لَكِنْ لَهُ حُكْمُ الرَّفْعِ؛ لِأَنَّهُ لَا مَجَالَ لِلرَّأْيِ فِيهِ، وَقَدْ أَخْرَجَ أَوَّلَهُ مُسْلِمٌ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا، وَزَادَ وَغِلَظُ جِلْدِهِ مَسِيرَةَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ، وَأَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ مِنْ وَجْهٍ ثَالِثٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ بِلَفْظِ: غِلَظُ جِلْدِ الْكَافِرِ، وَكَثَافَةُ جِلْدِهِ اثْنَانِ وَأَرْبَعُونَ ذِرَاعًا، بِذِرَاعِ الْجَبَّارِ، وَأَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ وَقَالَ: أَرَادَ بِذَلِكَ التَّهْوِيلَ يَعْنِي بِلَفْظِ الْجَبَّارِ قَالَ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدُ جَبَّارًا مِنَ الْجَبَابِرَةِ إِشَارَةً إِلَى عَزْمِ الذِّرَاعِ، وَجَزَمَ ابْنُ حِبَّانَ لِمَا أَخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ بِأَنَّ الْجَبَّارَ مَلِكٌ كَانَ بِالْيَمَنِ، وَفِي مُرْسَلِ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عِنْدَ ابْنِ الْمُبَارَكِ فِي الزُّهْدِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَكَثَافَةُ جِلْدِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا، وَهَذَا يُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ؛ لِأَنَّ السَّبْعِينَ تُطْلَقُ لِلْمُبَالَغَةِ.
وَلِلْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: وَفَخِذُهُ مِثْلُ وَرِقَانَ، وَمَقْعَدُهُ مِثْلُ مَا بَيْنَ الْمَدِينَةِ وَالرَّبَذَةِ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَفْظُهُ: بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَوَرْقَانُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الرَّاءِ بَعْدَهَا قَافٌ جَبَلٌ مَعْرُوفٌ بِالْحِجَازِ، وَالرَّبَذَةُ تَقَدَّمَ ضَبْطُهَا قَرِيبًا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَكَأَنَّ اخْتِلَافَ هَذِهِ الْمَقَادِيرِ مَحْمُولٌ عَلَى اخْتِلَافِ تَعْذِيبِ الْكُفَّارِ فِي النَّارِ. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ: إِنَّمَا عَظُمَ خَلْقُ الْكَافِرِ فِي النَّارِ لِيَعْظُمَ عَذَابُهُ وَيُضَاعَفُ أَلَمُهُ ثُمَّ قَالَ: وَهَذَا إِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْبَعْضِ بِدَلِيلِ الْحَدِيثِ الْآخَرِ: إِنَّ الْمُتَكَبِّرِينَ يُحْشَرُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْثَالُ الذَّرِّ فِي صُوَرِ الرِّجَالِ يُسَاقُونَ إِلَى سِجْنٍ فِي جَهَنَّمَ يُقَالُ لَهُ بُولَسُ، قَالَ: وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الْكُفَّارَ مُتَفَاوِتُونَ فِي الْعَذَابِ كما عُلِمَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute