رَفَعَهُ يُعَرِّفُنِي اللَّهُ نَفْسَهُ، فَأَسْجُدُ لَهُ سَجْدَةً يَرْضَى بِهَا عَنِّي، ثُمَّ أَمْتَدِحُهُ بِمَدْحَةٍ يَرْضَى بِهَا عَنِّي.
قَوْلُهُ: فَيَدَعُنِي مَا شَاءَ اللَّهُ زَادَ مُسْلِمٌ أَنْ يَدَعَنِي وَكَذَا فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ، وَفِي حَدِيثِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ فَإِذَا رَأَيْتُ رَبِّي خَرَرْتُ لَهُ سَاجِدًا شَاكِرًا لَهُ، وَفِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ هِلَالٍ فَأَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَيُلْهِمُنِي مَحَامِدَ لَا أَقْدِرُ عَلَيْهَا الْآنَ، فَأَحْمَدُهُ بِتِلْكَ الْمَحَامِدِ، ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَيَنْطَلِقُ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ فَيَخِرُّ سَاجِدًا قَدْرَ جُمُعَةٍ.
قَوْلُهُ: ثُمَّ يُقَالُ لِيَ: ارْفَعْ رَأْسَكَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ وَكَذَا فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ، وَفِي رِوَايَةِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ: فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى جِبْرِيلَ أَنِ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ لَهُ: ارْفَعْ رَأْسَكَ فَعَلَى هَذَا فَالْمَعْنَى يَقُولُ لِي عَلَى لِسَانِ جِبْرِيلَ.
قَوْلُهُ: وَسَلْ تُعْطَهُ، وَقُلْ يُسْمَعْ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بِغَيْرِ وَاوٍ، وَسَقَطَ مِنْ أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ: وَقُلْ يُسْمَعْ وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ فَيَرْفَعُ رَأْسَهُ، فَإِذَا نَظَرَ إِلَى رَبِّهِ خَرَّ سَاجِدًا قَدْرَ جُمُعَةٍ، وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ فَيُنَادِي: يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَسَلْ تُعْطَ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ، وَادْعُ تُجَبْ.
قَوْلُهُ: فَأَرْفَعُ رَأْسِي، فَأَحْمَدُ رَبِّي بِتَحْمِيدٍ يُعَلِّمُنِي، وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ يُعَلِّمُنِيهِ وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ: بِمَحَامِدَ لَمْ يَحْمَدْهُ بِهَا أَحَدٌ قَبْلِي، وَلَا يَحْمَدُهُ بِهَا أَحَدٌ بَعْدِي وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ فَيَفْتَحُ اللَّهُ لَهُ مِنَ الثَّنَاءِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّمْجِيدِ مَا لَمْ يَفْتَحْ لِأَحَدٍ مِنَ الْخَلَائِقِ وَكَأَنَّهُ ﷺ يُلْهَمُ التَّحْمِيدَ قَبْلَ سُجُودِهِ وَبَعْدَهُ وَفِيهِ وَيَكُونُ فِي كُلِّ مَكَانٍ مَا يَلِيقُ بِهِ وَقَدْ وَرَدَ مَا لَعَلَّهُ يُفَسَّرُ بِهِ بَعْضُ ذَلِكَ لَا جَمِيعُهُ فَفِي النَّسَائِيِّ وَمُصَنَّفِ عَبْدِ الرَّزَّاقِ وَمُعْجَمِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ حُذَيْفَةَ رَفَعَهُ قَالَ: يُجْمَعُ النَّاسُ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ فَأَقُولُ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ، وَالْمَهْدِيُّ مَنْ هَدَيْتَ، وَعَبْدُكَ بَيْنَ يَدَيْكَ، وَبِكَ وَإِلَيْكَ تَبَارَكْتَ وَتَعَالَيْتَ، سُبْحَانَكَ لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، زَادَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: سُبْحَانَكَ رَبَّ الْبَيْتِ فَذَلِكَ قَوْلُهُ ﴿عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا﴾ قَالَ ابْنُ مَنْدَهْ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ: هَذَا حَدِيثٌ مُجْمَعٌ عَلَى صِحَّةِ إِسْنَادِهِ وَثِقَةِ رُوَاتِهِ.
قَوْلُهُ: ثُمَّ أَشْفَعُ فِي رِوَايَةِ مَعْبَدِ بْنِ هِلَالٍ فَأَقُولُ: رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي أُمَّتِي وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَحْوُهُ.
قَوْلُهُ: فَيَحُدُّ لِي حَدًّا يُبَيِّنُ لِي فِي كُلِّ طَوْرٍ مِنْ أَطْوَارِ الشَّفَاعَةِ حَدًّا أَقِفُ عِنْدَهُ، فَلَا أَتَعَدَّاهُ مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: شَفَّعْتُكَ فِيمَنْ أَخَلَّ بِالْجَمَاعَةِ، ثُمَّ فِيمَنْ أَخَلَّ بِالصَّلَاةِ، ثُمَّ فِيمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ، ثُمَّ فِيمَنْ زَنَى، وَعَلَى هَذَا الْأُسْلُوبِ كَذَا حَكَاهُ الطِّيبِيُّ، وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْأَخْبَارِ، أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ تَفْضِيلُ مَرَاتِبِ الْمُخْرَجِينَ فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ كَمَا وَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ، عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ بِعَيْنِهِ، وَسَأُنَبِّهُ عَلَيْهِ فِي آخِرِهِ، وَكَمَا تَقَدَّمَ فِي رِوَايَةِ هِشَامٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَنَسٍ فِي كِتَابِ الْإِيمَانِ بِلَفْظِ: يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي قَلْبِهِ وَزْنُ شَعِيرَةٍ وَفِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ عِنْدَ أَحْمَدَ: فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ أُمَّتِي أُمَّتِي فَيَقُولُ: أَخْرِجْ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ شَعِيرَةٍ ثُمَّ ذَكَرَ نَحْوَ مَا تَقَدَّمَ وَقَالَ: مِثْقَالُ ذَرَّةٍ ثُمَّ قَالَ: مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ وَلَمْ يَذْكُرْ بَقِيَّةَ الْحَدِيثِ. وَوَقَعَ فِي طَرِيقِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ: فَشَفَعْتُ فِي أُمَّتِي أَنْ أُخْرِجَ مِنْ كُلِّ تِسْعَةٍ وَتِسْعِينَ إِنْسَانًا وَاحِدًا، فَمَا زِلْتُ أَتَرَدَّدُ عَلَى رَبِّي لَا أَقُومُ مِنْهُ مَقَامًا إِلَّا شُفِّعْتُ، وَفِي حَدِيثِ سَلْمَانَ: فَيَشْفَعُ فِي كُلِّ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ حِنْطَةٍ، ثُمَّ شَعِيرَةٍ، ثُمَّ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ، فَذَلِكَ الْمَقَامُ الْمَحْمُودُ وَقَدْ تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ هَذَا فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الثَّالِثَ عَشَرَ، وَيَأْتِي مَبْسُوطًا فِي شَرْحِ حَدِيثِ الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.
قَوْلُهُ: ثُمَّ أُخْرِجُهُمْ مِنَ النَّارِ قَالَ الدَّاوُدِيُّ: كَأَنَّ رَاوِيَ هَذَا الْحَدِيثِ رَكَّبَ شَيْئًا عَلَى غَيْرِ أَصْلِهِ، وَذَلِكَ أَنَّ فِي أَوَّلِ الْحَدِيثِ ذَكَرَ الشَّفَاعَةَ فِي الْإِرَاحَةِ مِنْ كَرْبِ الْمَوْقِفِ، وَفِي آخِرِهِ ذَكَرَ الشَّفَاعَةَ فِي الْإِخْرَاجِ مِنَ النَّارِ يَعْنِي، وَذَلِكَ إِنَّمَا يَكُونُ بَعْدَ التَّحَوُّلِ مِنَ الْمَوْقِفِ وَالْمُرُورِ عَلَى الصِّرَاطِ وَسُقُوطِ مَنْ يَسْقُطُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ فِي النَّارِ ثُمَّ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute