مِمَّا قَالَ ابْنُ التِّينِ، وَلَوِ اسْتَحْضَرَ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الَّتِي هُنَا مَا احْتَاجَ إِلَى التَّكَلُّفِ الَّذِي أَبَدَاهُ؛ فَإِنَّ قَوْلَهُ: لَا أَكُونُ لَفْظُهُ لَفْظُ الْخَبَرِ، وَمَعْنَاهُ الطَّلَبُ، وَدَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: لَا تَجْعَلْنِي وَوَجْهُ كَوْنِهِ أَشْقَى أَنَّ الَّذِي يُشَاهِدُ مَا يُشَاهِدُهُ وَلَا يَصِلُ إِلَيْهِ يَصِيرُ أَشَدَّ حَسْرَةً مِمَّنْ لَا يُشَاهِدُ، وَقَوْلُهُ: خَلْقِكَ مَخْصُوصٌ بِمَنْ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ.
قَوْلُهُ: فَإِذَا ضَحِكَ مِنْهُ، تَقَدَّمَ مَعْنَى الضَّحِكِ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ الْمَاضِي قَرِيبًا.
قَوْلُهُ: ثُمَّ يُقَالُ لَهُ: تَمَنَّ مِنْ كَذَا فَيَتَمَنَّى، فِي رِوَايَةِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ: فَيَسْأَلُ وَيَتَمَنَّى مِقْدَارَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ أَيَّامِ الدُّنْيَا، وَفِي رِوَايَةِ التَّوْحِيدِ: حَتَّى إِنَّ اللَّهَ لَيُذَكِّرُهُ مِنْ كَذَا، وَفِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ: وَيُلَقِّنُهُ اللَّهُ مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ.
قَوْلُهُ: قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) هُوَ مَوْصُولُ السَّنَدِ الْمَذْكُورِ
قَوْلُهُ: وَذَلِكَ الرَّجُلُ آخِرُ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا) سَقَطَ هَذَا مِنْ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ. وَثَبَتَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ هُنَا، وَوَقَعَ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ مَرَّتَيْنِ؛ إِحْدَاهُمَا هُنَا وَالْأُخْرَى فِي أَوَّلِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ: وَيَبْقَى رَجُلٌ مُقْبِلٌ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّارِ.
قَوْلُهُ: قَالَ عَطَاءٌ، وَأَبُو سَعِيدٍ، أَيِ الْخُدْرِيُّ، وَالْقَائِلُ هُوَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ بَيَّنَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ فِي رِوَايَتِهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالَ: قَالَ عَطَاءُ بْنُ يَزِيدَ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ.
قَوْلُهُ: لَا يُغَيِّرُ عَلَيْهِ شَيْئًا، فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: لَا يَرُدُّ عَلَيْهِ.
قَوْلُهُ: هَذَا لَكَ وَمِثْلُهُ مَعَهُ، قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ) وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ فَقَالَ فَذَكَرَهُ، وَفِيهِ: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ: أَشْهَدُ أَنِّي حَفِظْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ: يُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ حُذَيْفَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ: انْظُرْ إِلَى مُلْكِ أَعْظَمِ مَلِكٍ؛ فَإِنَّ لَكَ مِثْلَهُ وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ، فَيَقُولُ: أَتَسْخَرُ بِي وَأَنْتَ الْمَلِكُ؟ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبِي سَعِيدٍ جَمِيعًا فِي هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: وَمِثْلَهُ مَعَهُ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَعَشَرَةَ أَمْثَالِهِ، فَقَالَ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ: حَدِّثْ بِمَا سَمِعْتَ وَأُحَدِّثُ بِمَا سَمِعْتُ، وَهَذَا مَقْلُوبٌ؛ فَإِنَّ الَّذِي فِي الصَّحِيحِ هُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَقَدْ وَقَعَ عِنْدَ الْبَزَّارِ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَخْرَجَهُ مِنْهُ أَحْمَدُ عَلَى وَفْقِ مَا فِي الصَّحِيحِ، نَعَمْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الطَّوِيلِ الْمَذْكُورِ فِي التَّوْحِيدِ مِنْ طَرِيقٍ أُخْرَى عَنْهُ بَعْدَ ذِكْرِ مَنْ يَخْرُجُ مِنْ عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ فَقَالَ فِي آخِرِهِ: فَيُقَالُ لَهُمْ: لَكُمْ مَا رَأَيْتُمْ وَمِثْلُهُ مَعَهُ، فَهَذَا مُوَافِقٌ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْمِثْلِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُجْمَعُ أَنْ يَكُونَ عَشَرَةُ الْأَمْثَالِ إِنَّمَا سَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ فِي حَقِّ آخِرِ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا، وَالْمَذْكُورُ هُنَا فِي حَقِّ جَمِيعِ مَنْ يَخْرُجُ بِالْقَبْضَةِ، وَجَمَعَ عِيَاضٌ بَيْنَ حَدِيثَيْ أَبِي سَعِيدٍ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعَ أَوَّلًا قَوْلَهُ: وَمِثْلَهُ مَعَهُ، فَحَدَّثَ بِهِ ثُمَّ حَدَّثَ النَّبِيُّ ﷺ بِالزِّيَادَةِ، فَسَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ، وَعَلَى هَذَا فَيُقَالُ: سَمِعَهُ أَبُو سَعِيدٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ مَعًا أَوَّلًا ثُمَّ سَمِعَ أَبُو سَعِيدٍ الزِّيَادَةَ بَعْدُ، وَقَدْ وَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ أَشْيَاءُ كَثِيرَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ نَبَّهْتُ عَلَى أَكْثَرِهَا فِيمَا تَقَدَّمَ قَرِيبًا، وَظَاهِرُ قَوْلِهِ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، أَنَّ الْعَشَرَةَ زَائِدَةٌ عَلَى الْأَصْلِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَنَسٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَكَ الَّذِي تَمَنَّيْتَ وَعَشَرَةُ أَضْعَافِ الدُّنْيَا، وَحُمِلَ عَلَى أَنَّهُ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ الدُّنْيَا فَيُطَابِقُ حَدِيثَ أَبِي سَعِيدٍ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: لَكَ مِثْلُ الدُّنْيَا وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهَا. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ الْكَلَابَاذِيُّ: إِمْسَاكُهُ أَوَّلًا عَنِ السُّؤَالِ حَيَاءً مِنْ رَبِّهِ، وَاللَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُسْأَلَ؛ لِأَنَّهُ يُحِبُّ صَوْتَ عَبْدِهِ الْمُؤْمِنِ، فَيُبَاسِطُهُ بِقَوْلِهِ أَوَّلًا: لَعَلَّكَ إِنْ أُعْطِيتَ هَذَا تَسْأَلُ غَيْرَهُ، وَهَذِهِ حَالَةُ الْمُقَصِّرِ، فَكَيْفَ حَالَةُ الْمُطِيعِ، وَلَيْسَ نَقْضُ هَذَا الْعَبْدِ عَهْدَهُ وَتَرْكُهُ مَا أَقْسَمَ عَلَيْهِ جَهْلًا مِنْهُ وَلَا قِلَّةَ مُبَالَاةٍ، بَلْ عِلْمًا مِنْهُ بِأَنَّ نَقْضَ هَذَا الْعَهْدِ أَوْلَى مِنَ الْوَفَاءِ بِهِ؛ لِأَنَّ سُؤَالَهُ رَبَّهُ أَوْلَى مِنْ تَرْكِ السُّؤَالِ مُرَاعَاةً لِلْقَسَمِ، وَقَدْ قَالَ ﷺ: مَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ فَرَأَى خَيْرًا مِنْهَا فَلْيُكَفِّرْ عَلَى يَمِينِهِ وَلْيَأْتِ الَّذِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute