للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اللَّهِ هُوَ وَنَهِيكُ بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: فَقَدِمْنَا الْمَدِينَةَ عِنْدَ انْسِلَاخِ رَجَبٍ، فَلَقِينَا رَسُولَ اللَّهِ حِينَ انْصَرَفَ مِنْ صَلَاةِ الْغَدَاةِ.

الْحَدِيثَ بِطُولِهِ فِي صِفَةِ الْجَنَّةِ وَالْبَعْثِ، وَفِيهِ: تُعْرَضُونَ عَلَيْهِ بَادِيَةً لَهُ صِفَاحُكُمْ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ مِنْكُمْ خَافِيَةٌ فَيَأْخُذُ غَرْفَةً مِنْ مَاءٍ، فَيَنْضَحُ بِهَا قِبَلَكُمْ، فَلَعَمْرُ إِلَهِكَ مَا يُخْطِئُ وَجْهَ أَحَدِكُمْ قَطْرَةٌ، فَأَمَّا الْمُسْلِمُ فَتَدَعُ وَجْهَهُ مِثْلَ الرَّيْطَةِ الْبَيْضَاءِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ فَتَخْطِمُهُ مِثْلَ الْخِطَامِ الْأَسْوَدِ، ثُمَّ يَنْصَرِفُ نَبِيُّكُمْ وَيَنْصَرِفُ عَلَى أَثَرِهِ الصَّالِحُونَ، فَيَسْلُكُونَ جِسْرًا مِنَ النَّارِ، يَطَأُ أَحَدُكُمُ الْجَمْرَةَ فَيَقُولُ: حَسِّ، فَيَقُولُ رَبُّكَ أَوَانُهُ إِلَا، فَيَطَّلِعُونَ عَلَى حَوْضِ الرَّسُولِ عَلَى أَظِمَاءٍ وَاللَّهِ نَاهِلَةٌ رَأَيْتُهَا أَبَدًا (١) مَا يَبْسُطُ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَدَهُ إِلَّا وَقَعَ عَلَى قَدَحٍ … الْحَدِيثَ. وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي السُّنَّةِ، وَالطَّبَرَانِيُّ، وَالْحَاكِمُ، وَهُوَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَوْضَ قَبْلَ الصِّرَاطِ.

قَوْلُهُ: وَقَوْلُ اللَّهِ - تَعَالَى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ﴾ أَشَارَ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْكَوْثَرِ النَّهَرُ الَّذِي يَصُبُّ فِي الْحَوْضِ، فَهُوَ مَادَّةُ الْحَوْضِ كَمَا جَاءَ صَرِيحًا فِي سَابِعِ أَحَادِيثِ الْبَابِ، وَمَضَى فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْكَوْثَرِ، مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ نَحْوُهُ مَعَ زِيَادَةِ بَيَانٍ فِيهِ، وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ الْكَوْثَرَ هُوَ الْخَيْرُ الْكَثِيرُ، وَجَاءَ إِطْلَاقُ الْكَوْثَرِ عَلَى الْحَوْضِ فِي حَدِيثِ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، عَنْ أَنَسٍ فِي ذِكْرِ الْكَوْثَرِ: هُوَ حَوْضٌ تَرِدُ عَلَيْهِ أُمَّتِي. وَقَدِ اشْتُهِرَ اخْتِصَاصُ نَبِيِّنَا بِالْحَوْضِ لَكِنْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ رَفَعَهُ: إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ اخْتُلِفَ فِي وَصْلِهِ وَإِرْسَالِهِ، وَأَنَّ الْمُرْسَلَ أَصَحُّ.

قُلْتُ: وَالْمُرْسَلُ أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنِ الْحَسَنِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : إِنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا، وَهُوَ قَائِمٌ عَلَى حَوْضِهِ بِيَدِهِ عَصًا يَدْعُو مَنْ عَرَفَ مِنْ أُمَّتِهِ، إِلَّا أَنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أَيُّهُمْ أَكْثَرُ تَبَعًا، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَبَعًا، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ سَمُرَةَ مَوْصُولًا مَرْفُوعًا مِثْلَهُ، وَفِي سَنَدِهِ لِينٌ، وَأَخْرَجَ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا أَيْضًا مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ رَفَعَهُ: وَكُلُّ نَبِيٍّ يَدْعُو أُمَّتَهُ، وَلِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضٌ؛ فَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ الْفِئَامُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ الْعُصْبَةُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ الْوَاحِدُ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَأْتِيهِ الِاثْنَانِ، وَمِنْهُمْ مَنْ لَا يَأْتِيهِ أَحَدٌ، وَإِنِّي لَأَكْثَرُ الْأَنْبِيَاءِ تَبَعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَفِي إِسْنَادِهِ لِينٌ، وَإِنْ ثَبَتَ فَالْمُخْتَصُّ بِنَبِيِّنَا الْكَوْثَرُ الَّذِي يُصَبُّ مِنْ مَائِهِ فِي حَوْضِهِ؛ فَإِنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ نَظِيرُهُ لِغَيْرِهِ، وَوَقَعَ الِامْتِنَانُ عَلَيْهِ بِهِ فِي السُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي الْمُفْهِمِ تَبَعًا لِلْقَاضِي عِيَاضٍ فِي غَالِبِهِ: مِمَّا يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُكَلَّفٍ أَنْ يَعْلَمَهُ وَيُصَدِّقَ بِهِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ خَصَّ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا بِالْحَوْضِ الْمُصَرَّحِ بِاسْمِهِ وَصِفَتِهِ وَشَرَابِهِ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الشَّهِيرَةِ الَّتِي يَحْصُلُ بِمَجْمُوعِهَا الْعِلْمُ الْقَطْعِيُّ؛ إِذْ رَوَى ذَلِكَ عَنِ النَّبِيِّ مِنَ الصَّحَابَةِ نَيِّفٌ عَلَى الثَّلَاثِينَ؛ مِنْهُمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ مَا يُنِيفُ عَلَى الْعِشْرِينَ، وَفِي غَيْرِهِمَا بَقِيَّةُ ذَلِكَ مِمَّا

صَحَّ نَقْلُهُ وَاشْتُهِرَتْ رُوَاتُهُ، ثُمَّ رَوَاهُ عَنِ الصَّحَابَةِ الْمَذْكُورِينَ مِنَ التَّابِعِينَ أَمْثَالُهُمْ وَمَنْ بَعْدَهُمْ أَضْعَافُ أَضْعَافِهِمْ وَهَلُمَّ جَرًّا، وَأَجْمَعَ عَلَى إِثْبَاتِهِ السَّلَفُ وَأَهْلُ السُّنَّةِ مِنَ الْخَلَفِ، وَأَنْكَرَتْ ذَلِكَ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُبْتَدِعَةِ وَأَحَالُوهُ عَلَى ظَاهِرِهِ وَغَلَوْا فِي تَأْوِيلِهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحَالَةٍ عَقْلِيَّةٍ وَلَا عَادِيَّةٍ تَلْزَمُ مِنْ حَمْلِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ وَحَقِيقَتِهِ، وَلَا حَاجَةَ تَدْعُو إِلَى تَأْوِيلِهِ، فَخَرَقَ مَنْ حَرَّفَهُ إِجْمَاعَ السَّلَفِ وَفَارَقَ مَذْهَبَ أَئِمَّةِ الْخَلَفِ، قُلْتُ: أَنْكَرَهُ الْخَوَارِجُ وَبَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ، وَمِمَّنْ كَانَ يُنْكِرُهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادٍ أَحَدُ أُمَرَاءِ الْعِرَاقِ لِمُعَاوِيَةَ وَوَلَدِهِ؛ فَعِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ السَّلَامِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: شَهِدْتُ أَبَا بَرْزَةَ الْأَسْلَمِيَّ دَخَلَ عَلَى عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ، فَحَدَّثَنِي فُلَانٌ - وَكَانَ فِي السِّمَاطِ - فَذَكَرَ قِصَّةً فِيهَا أَنَّ ابْنَ زِيَادٍ ذَكَرَ الْحَوْضَ فَقَالَ: هَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ يَذْكُرُ فِيهِ شَيْئًا؟ فَقَالَ أَبُو بَرْزَةَ: نَعَمْ، لَا مَرَّةً وَلَا مَرَّتَيْنِ وَلَا ثَلَاثًا وَلَا أَرْبَعًا وَلَا خَمْسًا؛ فَمَنْ كَذَبَ بِهِ فَلَا سَقَاهُ اللَّهُ مِنْهُ. وَأَخْرَجَ الْبَيْهَقِيُّ فِي الْبَعْثِ


(١) كذا الأصل، ولعل في بعض الكلمات تصحيفا.