للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وُقُوعِهِ.

وَذَكَرَ ابْنُ الْجَوْزِيِّ احْتِمَالَ الْتِقَائِهِمَا فِي الْبَرْزَخِ، وَاحْتِمَالَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ ضَرْبَ مَثَلٍ، وَالْمَعْنَى لَوِ اجْتَمَعَا لَقَالَا ذَلِكَ، وَخُصَّ مُوسَى بِالذِّكْرِ لِكَوْنِهِ أَوَّلَ نَبِيٍّ بُعِثَ بِالتَّكَالِيفِ الشَّدِيدَةِ، قَالَ: وَهَذَا وَإِنِ احْتُمِلَ لَكِنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى، قَالَ: وَهَذَا مِمَّا يَجِبُ الْإِيمَانُ بِهِ لِثُبُوتِهِ عَنْ خَبَرِ الصَّادِقِ، وَإِنْ لَمْ يُطَّلَعْ عَلَى كَيْفِيَّةِ الْحَالِ، وَلَيْسَ هُوَ بِأَوَّلِ مَا يَجِبُ عَلَيْنَا الْإِيمَانُ بِهِ وَإِنْ لَمْ نَقِفْ عَلَى حَقِيقَةِ مَعْنَاهُ كَعَذَابِ الْقَبْرِ وَنَعِيمِهِ، وَمَتَى ضَاقَتِ الْحِيَلُ فِي كَشْفِ الْمُشْكِلَاتِ لَمْ يَبْقَ إِلَّا التَّسْلِيمُ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: مِثْلُ هَذَا عِنْدِي يَجِبُ فِيهِ التَّسْلِيمُ، وَلَا يُوقَفُ فِيهِ عَلَى التَّحْقِيقِ ; لِأَنَّا لَمْ نُؤْتَ مِنْ جِنْسِ هَذَا الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا.

قَوْلُهُ: (أَنْتَ أَبُونَا) فِي رِوَايَةِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ أَنْتَ النَّاسِ وَكَذَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ، وَفِي رِوَايَةِ الشَّعْبِيِّ أَنْتَ آدَمُ أَبُو الْبَشَرِ.

قَوْلُهُ: (خَيَّبْتَنَا وَأَخْرَجْتَنَا مِنَ الْجَنَّةِ) فِي رِوَايَةِ حُمَيْدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْتَ آدَمُ الَّذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ مِنَ الْجَنَّةِ هَكَذَا فِي أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ عَنْهُ، وَفِي التَّوْحِيدِ أَخْرَجْتَ ذُرِّيَّتَكَ وَفِي رِوَايَةِ مَالِكٍ أَنْتَ الَّذِي أَغْوَيْتَ النَّاسَ وَأَخْرَجْتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ. وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ، وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَشْقَيْتَ بَدَلَ أَغْوَيْتَ وَمَعْنَى أَغْوَيْتَ كُنْتَ سَبَبًا لِغِوَايَةِ مَنْ غَوَى مِنْهُمْ، وَهُوَ سَبَبٌ بَعِيدٌ ; إِذْ لَوْ لَمْ يَقَعِ الْأَكْلُ مِنَ الشَّجَرَةِ لَمْ يَقَعِ الْإِخْرَاجُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَلَوْ لَمْ يَقَعِ الْإِخْرَاجُ مَا تَسَلَّطَ عَلَيْهِمُ الشَّهَوَاتُ وَالشَّيْطَانُ الْمُسَبَّبُ عَنْهُمَا الْإِغْوَاءُ، وَالْغَيُّ ضِدَّ الرُّشْدِ وَهُوَ الِانْهِمَاكُ فِي غَيْرِ الطَّاعَةِ، وَيُطْلَقُ أَيْضًا عَلَى مُجَرَّدِ الْخَطَأِ يُقَالُ: غَوَى أَيْ أَخَطَأَ صَوَابَ مَا أُمِرَ بِهِ.

وَفِي تَفْسِيرِ طَهَ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي سَلَمَةَ أَنْتَ الَّذِي أَخْرَجْتَ النَّاسَ مِنَ الْجَنَّةِ بِذَنْبِكَ وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِهِ أَنْتَ الَّذِي أَدْخَلْتَ ذُرِّيَّتَكَ النَّارَ وَالْقَوْلُ فِيهِ كَالْقَوْلِ فِي أَغْوَيْتَ، وَزَادَ هَمَّامٌ إِلَى الْأَرْضِ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ هُرْمُزَ فَأَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الْأَرْضِ وَأَوَّلُهُ عِنْدَهُ أَنْتَ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ لَكِنْ قَالَ: وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَلَمْ يَقُلْ: وَأَسْجَدَ لَكَ مَلَائِكَتَهُ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو، وَزَادَ وَأَسْكَنَكَ جَنَّتَهُ وَمِثْلُهُ فِي رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ، وَزَادَ ثُمَّ صَنَعْتَ مَا صَنَعْتَ وَفِي رِوَايَةِ عَمْرِو بْنِ أَبِي عَمْرٍو، عَنِ الْأَعْرَجِ يَا آدَمُ خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ، ثُمَّ نَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ، ثُمَّ قَالَ لَكَ: كُنْ فَكُنْتَ، ثُمَّ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ، ثُمَّ قَالَ لَكَ: ﴿اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ﴾ فَنَهَاكَ عَنْ شَجَرَةٍ وَاحِدَةٍ فَعَصَيْتَ. وَزَادَ الْفِرْيَابِيُّ وَأَكَلْتَ مِنْهَا وَفِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَمَّارٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ فَأَعَادَ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ: خَلَقَكَ إِلَى قَوْلِهِ: أَنْتَ وَالْأَكْثَرُ عَوْدُهُ إِلَى الْمَوْصُولِ، فَكَأَنَّهُ يَقُولُ: خَلَقَهُ اللَّهُ، وَنَحْوُ ذَلِكَ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْأَكْثَرِ أَنْتَ الَّذِي أَخْرَجَتْكَ خَطِيئَتُكَ.

وَفِي حَدِيثِ عُمَرَ بَعْدَ قَوْلِهِ: أَنْتَ آدَمُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَنْتَ الَّذِي نَفَخَ اللَّهُ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَعَلَّمَكَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا، وَأَمَرَ الْمَلَائِكَةَ فَسَجَدُوا لَكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَلِمَ أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنَ الْجَنَّةِ؟ وَفِي لَفْظٍ لِأَبِي عَوَانَةَ فَوَاللَّهِ لَوْلَا مَا فَعَلْتَ مَا دَخَلَ أَحَدٌ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ النَّارَ. وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ عِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ فَأَهْلَكْتَنَا وَأَغْوَيْتَنَا وَذَكَرَ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَذْكُرَ مِنْ هَذَا، وَهَذَا يُشْعِرُ بِأَنَّ جَمِيعَ مَا ذُكِرَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مَحْفُوظٌ، وَأَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ حَفِظَ مَا لَمْ يَحْفَظِ الْآخَرُ.

وَقَوْلُهُ: أَنْتَ آدَمُ؟ اسْتِفْهَامُ تَقْرِيرٍ، وَإِضَافَةُ اللَّهِ خَلْقَ آدَمَ إِلَى يَدِهِ فِي الْآيَةِ إِضَافَةُ تَشْرِيفٍ، وَكَذَا إِضَافَةُ رُوحِهِ إِلَى اللَّهِ، وَمِنْ فِي قَوْلِهِ مِنْ رُوحِهِ زَائِدَةٌ عَلَى رَأْيٍ، وَالنَّفْخُ بِمَعْنَى الْخَلْقِ أَيْ: خَلَقَ فِيكَ الرُّوحَ، وَمَعْنَى قَوْلِه: أَخْرَجْتَنَا كُنْتَ سَبَبًا لِإِخْرَاجِنَا كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَقَوْلُهُ: أَغْوَيْتَنَا وَأَهْلَكْتَنَا مِنْ إِطْلَاقِ الْكُلِّ عَلَى الْبَعْضِ بِخِلَافِ أَخْرَجْتَنَا فَهُوَ عَلَى عُمُومِهِ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ: أَخْطَأْتَ وَعَصَيْتَ وَنَحْوُهُمَا