تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ، قَالَ عُمَرُ: فَوَاللَّهِ مَا حَلَفْتُ بِهَا ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا.
وَأَمَّا مُتَابَعَةُ إِسْحَاقَ الْكَلْبِيِّ وَهُوَ ابْنُ يَحْيَى الْحِمْصِيِّ فَوَقَعَتْ لَنَا مَوْصُولَةً فِي نُسْخَتِهِ الْمَرْوِيَّةِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرٍ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ شَاذَانَ، عَنْ عَبْدِ الْقُدُّوسِ بْنِ مُوسَى الْحِمْصِيِّ، عَنْ سُلَيْمِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ يَحْيَى بْنِ صَالِحٍ الْوُحَاظِيِّ، عَنْ إِسْحَاقَ وَلَفْظُهُ عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ أَخْبَرَنِي أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَقُولُ فَذَكَرَ مِثْلَ رِوَايَةِ يُونُسَ عِنْدَ مُسْلِمٍ، لَكِنْ قَالَ بَعْدَ قَوْلِهِ: يَنْهَى عَنْهَا: وَلَا تَكَلَّمْتُ بِهَا ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا، فَجَمَعَ بَيْنَ لَفْظِ يُونُسَ وَلَفْظِ عُقَيْلٍ. وَقَدْ صَرَّحَ مُسْلِمٌ بِأَنَّ عُقَيْلًا لَمْ يَقُلْ فِي رِوَايَتِهِ ذَاكِرًا وَلَا آثِرًا.
قَوْلُهُ: (وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ، وَمَعْمَرٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ: سَمِعَ النَّبِيُّ ﷺ عُمَرَ) أَمَّا رِوَايَةُ ابْنِ عُيَيْنَةَ فَوَصَلَهَا الْحُمَيْدِيُّ فِي مُسْنَدِهِ عَنْهُ بِهَذَا السِّيَاقِ، وَكَذَا قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عَنْهُ مِنْهُمُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الْمُقْرِئُ، وَسَعِيدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمِنَ الْمَخْزُومِيُّ بِهَذَا السَّنَدِ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ سَمِعَنِي رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وَقَدْ بَيَّنَ ذَلِكَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ فَقَالَ: اخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ وَعَلَى مَعْمَرٍ، ثُمَّ سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ: عَنْ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَمِعَهُ يَحْلِفُ بِأَبِيهِ قَالَ: وَقَالَ عَمْرٌو النَّاقِدُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ سُفْيَانَ بِسَنَدِهِ إِلَى ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ سَمِعَ عُمَرَ. وَأَمَّا رِوَايَةُ مَعْمَرٍ فَوَصَلَهَا الْإِمَامُ أَحْمَدُ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْهُ. وَأَخْرَجَهَا أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ.
قُلْتُ: وَصَنِيعُ مُسْلِمٍ يَقْتَضِي أَنَّ رِوَايَةَ مَعْمَرٍ كَذَلِكَ، فَإِنَّهُ صَدَّرَ بِرِوَايَةِ يُونُسَ، ثُمَّ سَاقَهُ إِلَى عُقَيْلٍ، ثُمَّ قَالَ بَعْدَهَا: وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ قَالَا: أَنْبَأَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَنْبَأَنَا مَعْمَرٍ ثُمَّ قَالَ كِلَاهُمَا: عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الْإِسْنَادِ أَيِ الْإِسْنَادِ الَّذِي سَاقَهُ لِيُونُسَ مِثْلُهُ، أَيْ مِثْلُ الْمَتْنِ الَّذِي سَاقَهُ لَهُ.
قَالَ: غَيْرَ أَنَّ فِي حَدِيثِ عُقَيْلٍ وَلَا تَكَلَّمْتُ بِهَا لَكِنْ حَكَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ إِسْحَاقَ بْنَ إِبْرَاهِيمَ رَوَاهُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ كَرِوَايَةِ أَحْمَدَ عَنْهُ، وَأَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ فَقَالَ فِي رِوَايَتِهِ عَنْ عُمَرَ سَمِعَنِي النَّبِيُّ ﷺ أَحْلِفُ وَهَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي السَّرِيِّ، عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ، وَذَكَرَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ عَبْدَ الْأَعْلَى رَوَاهُ عَنْ مَعْمَرٍ فَلَمْ يَقُلْ فِي السَّنَدِ عَنْ عُمَرَ كَرِوَايَةِ أَحْمَدَ.
قُلْتُ: وَكَذَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ يَعْقُوبُ بْنُ شَيْبَةَ: رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيهِ وَلَمْ يَقُلْ عَنْ عُمَرَ، قُلْتُ: فَكَانَ الِاخْتِلَافُ فِيهِ عَلَى الزُّهْرِيِّ رَوَاهُ إِسْحَاقُ بْنُ يَحْيَى، وَهُوَ مُتْقِنٌ صَاحِبُ حَدِيثٍ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ سَمِعَ الْمَتْنَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ وَالْقِصَّةُ الَّتِي وَقَعَتْ لِعُمَرَ مِنْهُ فَحَدَّثَ بِهِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ. وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ الزَّجْرُ عَنِ الْحَلِفِ بِغَيْرِ اللَّهِ، وَإِنَّمَا خُصَّ فِي حَدِيثِ عُمَرَ بِالْآبَاءِ لِوُرُودِهِ عَلَى سَبَبِهِ الْمَذْكُورِ، أَوْ خُصَّ لِكَوْنِهِ كَانَ غَالِبًا عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى: وَكَانَتْ قُرَيْشٌ تَحْلِفُ بِآبَائِهَا وَيَدُلُّ عَلَى التَّعْمِيمِ قَوْلُهُ: مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلَا يَحْلِفْ إِلَّا بِاللَّهِ.
وَأَمَّا مَا وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ مِنَ الْقَسَمِ بِغَيْرِ اللَّهِ فَفِيهِ جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ فِيهِ حَذْفًا وَالتَّقْدِيرُ وَرَبِّ الشَّمْسِ وَنَحْوِهِ، وَالثَّانِي أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِاللَّهِ، فَإِذَا أَرَادَ تَعْظِيمَ شَيْءٍ مِنْ مَخْلُوقَاتِهِ أَقْسَمَ بِهِ وَلَيْسَ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ مِمَّا يُخَالِفُ ذَلِكَ كَقَوْلِهِ ﷺ لِلْأَعْرَابِيِّ: أَفْلَحَ وَأَبِيهِ إِنْ صَدَقَ فَقَدْ تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ هَذَا الشَّرْحِ فِي بَابُ الزَّكَاةُ مِنَ الْإِسْلَامِ فِي كِتَابِ الْأَيْمَانِ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ، وَأَنَّ فِيهِمْ مَنْ طَعَنَ فِي صِحَّةِ هَذِهِ اللَّفْظَةِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذِهِ اللَّفْظَةُ غَيْرُ مَحْفُوظَةٍ، وَقَدْ جَاءَتْ عَنْ رَاوِيهَا وَهُوَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ جَعْفَرٍ بِلَفْظِ أَفْلَحَ وَاللَّهِ إِنْ صَدَقَ قَالَ: وَهَذَا أَوْلَى مِنْ رِوَايَةِ مَنْ رَوَى عَنْهُ بِلَفْظِ أَفْلَحَ وَأَبِيهِ لِأَنَّهَا لَفْظَةٌ مُنْكَرَةٌ تَرُدُّهَا الْآثَارُ الصِّحَاحُ. وَلَمْ تَقَعْ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ أَصْلًا، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ بَعْضَ الرُّوَاةِ عَنْهُ صَحَّفَ قَوْلَهُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute