للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَحْضَرُوا جَفْنَةً فَجَعَلُوا فِيهَا طِيبًا أَوْ دَمًا أَوْ رَمَادًا، ثُمَّ يَحْلِفُونَ عِنْدَمَا يُدْخِلُونَ أَيْدِيَهُمْ فِيهَا لِيَتِمَّ لَهُمْ بِذَلِكَ الْمُرَادُ مِنْ تَأْكِيدِ مَا أَرَادُوا. فَسُمِّيَتْ تِلْكَ الْيَمِينُ إِذَا غَدَرَ صَاحِبُهَا غَمُوسًا لِكَوْنِهِ بَالَغَ فِي نَقْضِ الْعَهْدِ، وَكَأَنَّهَا عَلَى هَذَا مَأْخُوذَةٌ مِنَ الْيَدِ الْمَغْمُوسَةِ، فَيَكُونُ فَعُولٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ. وَقَالَ ابْنُ التِّينِ: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ الَّتِي يَنْغَمِسُ صَاحِبُهَا فِي الْإِثْمِ، وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ: لَا كَفَّارَةَ فِيهَا، وَاحْتَجَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى -: ﴿وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ﴾ وَهَذِهِ يَمِينٌ غَيْرُ مُنْعَقِدَةٍ ; لِأَنَّ الْمُنْعَقِدَ مَا يُمْكِنُ حَلُّهُ، وَلَا يَتَأَتَّى فِي الْيَمِينِ الْغَمُوسِ الْبِرُّ أَصْلًا.

قَوْلُهُ: ﴿وَلا تَتَّخِذُوا أَيْمَانَكُمْ دَخَلا بَيْنَكُمْ فَتَزِلَّ قَدَمٌ بَعْدَ ثُبُوتِهَا﴾ الْآيَةَ) كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ، وَسَاقَ فِي رِوَايَةِ كَرِيمَةَ إِلَى عَظِيمٍ.

قَوْلُهُ: (دَخَلًا مَكْرًا وَخِيَانَةً) هُوَ مِنْ تَفْسِيرِ قَتَادَةَ، وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ قَتَادَةَ قَالَ: خِيَانَةً وَغَدْرًا، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: يَعْنِي مَكْرًا وَخَدِيعَةً، وَقَالَ الْفَرَّاءُ: يَعْنِي خِيَانَةً، وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: الدَّخَلُ كُلُّ أَمْرٍ كَانَ عَلَى فَسَادٍ ; وَقَالَ الطَّبَرِيُّ: مَعْنَى الْآيَةِ لَا تَجْعَلُوا أَيْمَانَكُمُ الَّتِي تَحْلِفُونَ بِهَا عَلَى أَنَّكُمْ تُوفُونَ بِالْعَهْدِ لِمَنْ عَاهَدْتُمُوهُ دَخَلًا أَيْ خَدِيعَةً وَغَدْرًا لِيَطْمَئِنُّوا إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ تُضْمِرُونَ لَهُمُ الْغَدْرَ انْتَهَى. وَمُنَاسَبَةُ ذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ لِلْيَمِينِ الْغَمُوسِ وُرُودُ الْوَعِيدِ عَلَى مَنْ حَلَفَ كَاذِبًا مُتَعَمِّدًا.

(قَوْلُهُ: النَّضْرُ) بِفَتْحِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمُعْجَمَةِ هُوَ ابْنُ شُمَيْلٍ بِالْمُعْجَمَةِ مُصَغَّرٌ، وَوَقَعَ مَنْسُوبًا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ، وَأَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ رِوَايَةِ جَعْفَرِ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ شَيْخِ الْبُخَارِيِّ فِيهِ فَقَالَ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ شُعْبَةَ وَكَأَنَّ لِابْنِ مُقَاتِلٍ فِيهِ شَيْخَيْنِ إِنْ كَانَ حَفِظَهُ، وَفِرَاسٌ بِكَسْرِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ الرَّاءِ وَآخِرَهُ سِينٌ مُهْمَلَةٌ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو) أَيِ ابْنِ الْعَاصِ.

قَوْلُهُ: (الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ) فِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ، عَنْ فِرَاسٍ فِي أَوَّلِهِ جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا الْكَبَائِرُ فَذَكَرَهُ، وَلَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ.

قَوْلُهُ: (الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ إِلَخْ) ذَكَرَ هُنَا ثَلَاثَةَ أَشْيَاءٍ بَعْدَ الشِّرْكِ وَهُوَ الْعُقُوقُ وَقَتْلُ النَّفْسِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَرَوَاهُ غُنْدَرٌ، عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ: الْكَبَائِرُ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ قَالَ: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ شَكَّ شُعْبَةُ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْهُ هَكَذَا، وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَائِلِ الدِّيَاتِ وَالتِّرْمِذِيُّ جَمِيعًا عَنْ بُنْدَارٍ، عَنْ غُنْدَرٍ وَعَلَّقَهُ الْبُخَارِيُّ هُنَاكَ، وَوَصَلَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ، عَنْ شُعْبَةَ بِلَفْظِ الْكَبَائِرِ الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ وَالْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، أَوْ قَالَ قَتْلُ النَّفْسِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا الْإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: ثُمَّ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، قَالَ: ثُمَّ مَاذَا؟ قَالَ: الْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَلَمْ يَذْكُرْ قَتْلَ النَّفْسِ، وَزَادَ فِي رِوَايَةِ شَيْبَانَ قُلْتُ: وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ؟ قَالَ: الَّتِي تَقْتَطِعُ مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ هُوَ فِيهَا كَذِبٌ وَالْقَائِلُ قُلْتُ: هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو رَاوِي الْخَبَرِ، وَالْمُجِيبُ النَّبِيُّ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ السَّائِلُ مَنْ دُونَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَالْمُجِيبُ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ أَوْ مَنْ دُونَهُ، وَيُؤَيِّدُ كَوْنَهُ مَرْفُوعًا حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالْأَشْعَثُ الْمَذْكُورُ فِي الْبَابِ الَّذِي بَعْدَهُ، ثُمَّ وَقَفْتُ عَلَى تَعْيِينِ الْقَائِلِ قُلْتُ: وَمَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ وَعَلَى تَعْيِينِ الْمَسْئُولِ فَوَجَدْتُ الْحَدِيثَ فِي النَّوْعِ الثَّالِثِ مِنَ الْقِسْمِ الثَّانِي مِنْ صَحِيحِ ابْنِ حِبَّانَ وَهُوَ قِسْمُ النَّوَاهِي.

وَأَخْرَجَهُ عَنِ النَّضْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُثْمَانَ الْعِجْلِيِّ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مُوسَى بِالسَّنَدِ الَّذِي أَخْرَجَهُ بِهِ الْبُخَارِيُّ، فَقَالَ فِي آخِرِهِ بَعْدَ قَوْلِهِ ثُمَّ الْيَمِينُ الْغَمُوسُ: قُلْتُ لِعَامِرٍ: مَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ إِلَخْ فَظَهَرَ أَنَّ السَّائِلَ عَنْ ذَلِكَ فِرَاسٌ وَالْمَسْئُولُ الشَّعْبِيُّ وَهُوَ عَامِرٌ، فَلِلَّهِ الْحَمْدُ عَلَى مَا أَنْعَمَ ثُمَّ لِلَّهِ الْحَمْدُ ثُمَّ لِلَّهِ الْحَمْدُ، فَإِنِّي لَمْ أَرَ مَنْ تَحَرَّرَ لَهُ ذَلِكَ مِنَ الشُّرَّاحِ، حَتَّى إِنَّ الْإِسْمَاعِيلِيَّ، وَأَبَا نُعَيْمٍ لَمْ يُخْرِجَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ رِوَايَةِ شَيْبَانَ، بَلِ اقْتَصَرَ عَلَى رِوَايَةِ شُعْبَةَ، وَسَيَأْتِي عَدُّ الْكَبَائِرِ وَبَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي ذَلِكَ فِي كِتَابِ