للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَكْبَرَ مِنْهُ سِنًّا لَكِنْ تَأَخَّرَتْ وَفَاتُهُ عَنْ وَهْبٍ، وَفِي الْإِسْنَادِ ثَلَاثَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْ طَبَقَةٍ مُتَقَارِب ةٍ أَوَّلُهُمْ عَمْرٌو.

قَوْلُهُ: (فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ وَلَا أَكْتُبُ) هَذَا اسْتِدْلَالٌ مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَكْثَرِيَّةِ مَا عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - أَيِ: ابْنِ الْعَاصِ - عَلَى مَا عِنْدَهُ، وَيُسْتَفَادُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ كَانَ جَازِمًا بِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّحَابَةِ أَكْثَرُ حَدِيثًا عَنِ النَّبِيِّ مِنْهُ إِلَّا عَبْدَ اللَّهِ، مَعَ أَنَّ الْمَوْجُودَ الْمَرْوِيَّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَقَلُّ مِنَ الْمَوْجُودِ الْمَرْوِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ بِأَضْعَافٍ مُضَاعَفَةٍ، فَإِنْ قُلْنَا: الِاسْتِثْنَاءُ مُنْقَطِعٌ فَلَا إِشْكَالَ، إِذِ التَّقْدِيرُ: لَكِنَّ الَّذِي كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ الْكِتَابَةُ لَمْ يَكُنْ مِنِّي، سَوَاءٌ لَزِمَ مِنْهُ كَوْنُهُ أَكْثَرَ حَدِيثًا لِمَا تَقْتَضِيهِ الْعَادَةُ أَمْ لَا. وَإِنْ قُلْنَا: الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ فَالسَّبَبُ فِيهِ مِنْ جِهَاتٍ: أَحَدُهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ مُشْتَغِلًا بِالْعِبَادَةِ أَكْثَرَ مِنِ اشْتِغَالِهِ بِالتَّعْلِيمِ، فَقَلَّتِ: الرِّوَايَةُ عَنْهُ. ثَانِيهَا أَنَّهُ كَانَ أَكْثَرَ مُقَامِهِ بَعْدَ فُتُوحِ الْأَمْصَارِ بِمِصْرَ أَوْ بِالطَّائِفِ وَلَمْ تَكُنِ الرِّحْلَةُ إِلَيْهِمَا مِمَّنْ يَطْلُبُ الْعِلْمَ كَالرِّحْلَةِ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ مُتَصَدِّيًا فِيهَا لِلْفَتْوَى وَالتَّحْدِيثِ إِلَى أَنْ مَاتَ، وَيَظْهَرُ هَذَا مِنْ كَثْرَةِ مَنْ حَمَلَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ أَنَّهُ رَوَى عَنْهُ ثَمَانَمِائَةِ نَفْسٍ مِنَ التَّابِعِينَ، وَلَمْ يَقَعْ هَذَا لِغَيْرِهِ.

ثَالِثُهَا مَا اخْتُصَّ بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ مِنْ دَعْوَةِ النَّبِيِّ لَهُ بِأَنْ لَا يَنْسَى مَا يُحَدِّثُهُ بِهِ كَمَا سَنَذْكُرُهُ قَرِيبًا. رَابِعُهَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ قَدْ ظَفِرَ فِي الشَّامِ بِحِمْلِ جَمَلٍ مِنْ كُتُبِ أَهْلِ الْكِتَابِ فَكَانَ يَنْظُرُ فِيهَا وَيُحَدِّثُ مِنْهَا فَتَجَنَّبَ الْأَخْذَ عَنْهُ لِذَلِكَ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ التَّابِعِينَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

(تَنْبِيهٌ): قَوْلُهُ: (وَلَا أَكْتُبُ) قَدْ يُعَارِضُهُ مَا أَخْرَجَهُ ابْنُ وَهْبٍ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ بْنِ عَمْرِو بْنِ أُمَيَّةٍ قَالَ: تُحُدِّثَ عِنْدَ أَبِي هُرَيْرَةَ بِحَدِيثٍ، فَأَخَذَ بِيَدِي إِلَى بَيْتِهِ فَأَرَانَا كُتُبًا مِنْ حَدِيثِ النَّبِيِّ وَقَالَ: هَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ عِنْدِي. قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: حَدِيثُ هَمَّامٍ أَصَحُّ، وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَكْتُبُ فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ ثُمَّ كَتَبَ بَعْدَهُ. قُلْتُ: وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُجُودِ الْحَدِيثِ مَكْتُوبًا عَنْده أَنْ يَكُونَ بِخَطِّهِ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَكْتُبُ، فَتَعَيَّنَ أَنَّ الْمَكْتُوبَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ خَطِّهِ.

قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ مَعْمَرٌ) أَيِ: ابْنُ رَاشِدٍ، يَعْنِي تَابَعَ وَهْبَ بْنَ مُنَبِّهٍ فِي رِوَايَتِهِ لِهَذَا الْحَدِيثِ عَنْ هَمَّامٍ، وَالْمُتَابَعَةُ الْمَذْكُورَةُ أَخْرَجَهَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَرٍ، وَأَخْرَجَهَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَلِيٍّ الْمَرْوَزِيُّ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ لَهُ عَنْ حَجَّاجِ بْنِ الشَّاعِرِ عَنْهُ، وَرَوَى أَحْمَدُ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الْمَدْخَلِ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالْمُغِيرَةِ بْنِ حَكِيمٍ قَالَا: سَمِعْنَا أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَا كَانَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ مِنِّي إِلَّا مَا كَانَ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ بِيَدِهِ وَيَعِي بِقَلْبِهِ، وَكُنْتُ أَعِي وَلَا أَكْتُبُ، اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ فِي الْكِتَابِ عَنْهُ فَأَذِنَ لَهُ إِسْنَادُهُ حَسَنٌ. وَلَهُ طَرِيقٌ أُخْرَى أَخْرَجَهَا الْعُقَيْلِيُّ فِي تَرْجَمَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَلْمَانَ، عَنْ عَقِيلٍ، عَنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ حَكِيمٍ، سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا كَانَ أَحَدٌ أَعْلَمَ بِحَدِيثِ رَسُولِ اللَّهِ مِنِّي إِلَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو فَإِنَّهُ كَانَ يَكْتُبُ، اسْتَأْذَنَ رَسُولَ اللَّهِ أَنْ يَكْتُبَ بِيَدِهِ مَا سَمِعَ مِنْهُ فَأَذِنَ لَهُ الْحَدِيثَ. وَعِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُدَ مِنْ طَرِيقِ يُوسُفَ بْنِ مَاهَكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو: كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ الْحَدِيثَ. وَفِيهِ: اكْتُبْ، فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا الْحَقُّ وَلِهَذَا طُرُقٌ أُخْرَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو يُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا.

وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَا فِي الْوَعْيِ سَوَاءً لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنَ اخْتِصَاصِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِالدُّعَاءِ بِعَدَمِ النِّسْيَانِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ تُحْمَلُ أَكْثَرِيَّةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو عَلَى مَا فَازَ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ مِنَ الْكِتَابَةِ قَبْلَ الدُّعَاءِ لِأَبِي هُرَيْرَةَ ; لِأَنَّهُ قَالَ فِي حَدِيثِهِ: فَمَا نَسِيتُ شَيْئًا بَعْدُ فَجَازَ أَنْ يَدْخُلَ عَلَيْهِ النِّسْيَانُ فِيمَا سَمِعَهُ قَبْلَ الدُّعَاءِ، بِخِلَافِ عَبْدِ اللَّهِ فَإِنَّ الَّذِي سَمِعَهُ مَضْبُوطٌ بِالْكِتَابَةِ، وَالَّذِي انْتَشَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ مَعَ ذَلِكَ أَضْعَافُ مَا انْتَشَرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو لِتَصَدِّي أَبِي هُرَيْرَةَ لِذَلِكَ وَمُقَامُهُ بِالْمَدِينَةِ النَّبَوِيَّةِ، بِخِلَافِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو فِي الْأَمْرَيْنِ.