شَرْطِهِ حَدِيثُ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ مَرْفُوعًا: لَا نَذْرَ وَلَا يَمِينَ فِيمَا لَا يَمْلِكُ ابْنُ آدَمَ. أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ وَرُوَاتُهُ لَا بَأْسَ بِهِمْ، لَكِنِ اخْتُلِفَ فِي سَنَدِهِ عَلَى عَمْرٍو، وَفِي بَعْضِ طُرُقِهِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ وَلَا فِي مَعْصِيَةٍ وَلِلطَّبَرَانِيِّ فِي الْأَوْسَطِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَفَعَهُ لَا يَمِينَ فِي غَضَبٍ الْحَدِيثَ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ.
الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ حَدِيثُ أَبِي مُوسَى فِي قِصَّةِ طَلَبِهِمُ الْحُمْلَانَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، اقْتَصَرَ مِنْهُ عَلَى بَعْضِهِ، وَفِيهِ فَقَالَ: لَا أَحْمِلُكُمْ وَقَدْ سَاقَهُ تَامًّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ هُنَا، وَفِيهِ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلتَّرْجَمَةِ، وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ: فِيمَا لَا يَمْلِكُ إِلَى مَا وَقَعَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ كَمَا سَيَأْتِي فِي بَابُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَحْمِلُكُمْ وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ وَقَدْ أَحَلْتُ بِشَرْحِ الْحَدِيثِ عَلَى الْبَابِ الْمَذْكُورِ، قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: فَهِمَ ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ نَحَا بِهَذِهِ التَّرْجَمَةِ لِجِهَةِ تَعْلِيقِ الطَّلَاقِ قَبْلَ مِلْكِ الْعِصْمَةِ أَوِ الْحُرِّيَّةِ قَبْلَ مِلْكِ الرَّقَبَةِ، فَنَقَلَ الِاخْتِلَافَ فِي ذَلِكَ وَبَسَطَ الْقَوْلَ فِيهِ وَالْحُجَجَ، وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْبُخَارِيَّ قَصَدَ غَيْرَ هَذَا، وَهُوَ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ حَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَهُمْ، فَلَمَّا حَمَلَهُمْ رَاجَعُوهُ فِي يَمِينِهِ فَقَالَ: مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ، فَبَيَّنَ أَنَّ يَمِينَهُ إِنَّمَا انْعَقَدَتْ فِيمَا يَمْلِكُ فَلَوْ حَمَلَهُمْ عَلَى مَا يَمْلِكُ لَحَنِثَ وَكَفَّرَ، وَلَكِنَّهُ حَمَلَهُمْ عَلَى مَا لَا يَمْلِكُهُ مِلْكًا خَاصًّا، وَهُوَ مَالُ اللَّهِ وَبِهَذَا لَا يَكُونُ قَدْ حَنِثَ فِي يَمِينِهِ.
وَأَمَّا قَوْلُهُ عَقِبَ ذَلِكَ: لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا فَهُوَ تَأْسِيسُ قَاعِدَةٍ مُبْتَدَأَةٍ كَأَنَّهُ يَقُولُ: وَلَوْ كُنْتُ حَلَفْتُ ثُمَّ رَأَيْتُ تَرْكَ مَا حَلَفْتُ عَلَيْهِ خَيْرًا مِنْهُ لَأَحْنَثْتُ نَفْسِي وَكَفَّرْتُ عَنْ يَمِينِي، قَالَ: وَهُمْ إِنَّمَا سَأَلُوهُ أَنْ يَحْمِلَهُمْ ظَنًّا أَنَّهُ يَمْلِكُ حُمْلَانًا فَحَلَفَ لَا يَحْمِلُهُمْ عَلَى شَيْءٍ يَمْلِكُهُ لِكَوْنِهِ كَانَ حِينَئِذٍ لَا يَمْلِكُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ، قَالَ: وَلَا خِلَافَ أَنَّ مَنْ حَلَفَ عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ فِي مِلْكِهِ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُ فِعْلًا مُعَلَّقًا بِذَلِكَ الشَّيْءِ مِثْلُ قَوْلِهِ وَاللَّهِ لَإِنْ رَكِبْتَ مَثَلًا هَذَا الْبَعِيرَ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا لِبَعِيرٍ لَا يَمْلِكُهُ أَنَّهُ لَوْ مَلَكَهُ وَرَكِبَهُ حَنِثَ، وَلَيْسَ هَذَا مِنْ تَعْلِيقِ الْيَمِينِ عَلَى الْمِلْكِ.
قُلْتُ: وَمَا قَالَهُ مُحْتَمَلٌ، وَلَيْسَ مَا قَالَهُ ابْنُ بَطَّالٍ أَيْضًا بِبَعِيدٍ بَلْ هُوَ أَظْهَرُ، وَذَلِكَ أَنَّ الصَّحَابَةَ الَّذِينَ سَأَلُوا الْحُمْلَانَ فَهِمُوا أَنَّهُ حَلَفَ وَأَنَّهُ فَعَلَ خِلَافَ مَا حَلَفَ أَنَّهُ لَا يَفْعَلُهُ، فَلِذَلِكَ لَمَّا أَمَرَ لَهُمْ بِالْحُمْلَانِ بَعْدُ قَالُوا تَغَفَّلْنَا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ يَمِينَهُ وَظَنُّوا أَنَّهُ نَسِيَ حَلِفَهُ الْمَاضِيَ، فَأَجَابَهُمْ أَنَّهُ لَمْ يَنْسَ وَلَكِنَّ الَّذِي فَعَلَهُ خَيْرٌ مِمَّا حَلَفَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُ إِذَا حَلَفَ فَرَأَى خَيْرًا مِنْ يَمِينِهِ فَعَلَ الَّذِي حَلَفَ أَنْ لَا يَفْعَلَهُ وَكَفَّرَ عَنْ يَمِينِهِ، وَسَيَأْتِي وَاضِحًا فِي بَابُ الْكَفَّارَةِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَيَأْتِي مَزِيدٌ لِمَسْأَلَةِ الْيَمِينِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ فِي بَابُ النَّذْرِ فِيمَا لَا يَمْلِكُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ - تَعَالَى -.
الْحَدِيثُ الثَّانِي ذَكَرَ طَرَفًا مِنْ حَدِيثِ الْإِفْكِ، وَعَبْدُ الْعَزِيزِ شَيْخُهُ هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأُوَيْسِيُّ، وَإِبْرَاهِيمُ هُوَ ابْنُ سَعْدٍ، وَصَالِحٌ هُوَ ابْنُ كَيْسَانَ، وَحَجَّاجٌ شَيْخُهُ فِي السَّنَدِ الثَّانِي هُوَ ابْنُ الْمِنْهَالِ، وَقَدْ أَوْرَدَهُ عَنْ عَبْدِ الْعَزِيزِ بِطُولِهِ فِي الْمَغَازِي، وَأَوْرَدَ عَنْ حَجَّاجٍ بِهَذَا السَّنَدِ أَيْضًا مِنْهُ قِطْعَةً فِي الشَّهَادَاتِ تَتَعَلَّقُ بِقَوْلِ بَرِيرَةَ مَا عَلِمْتُ إِلَّا خَيْرًا وَقِطْعَةً فِي الْجِهَادِ فِيمَنْ أَرَادَ سَفَرًا فَأَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ، وَقِطْعَةً فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ يُوسُفَ مَقْرُونًا أَيْضًا بِرِوَايَةِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فِي قَوْلِ يَعْقُوبَ ﴿فَصَبْرٌ جَمِيلٌ﴾ وَقِطْعَةً فِي غَزْوَةِ بَدْرٍ فِي قِصَّةِ أُمِّ مِسْطَحٍ وَقَوْلِ عَائِشَةَ لَهَا تَسُبِّينَ رَجُلًا شَهِدَ بَدْرًا وَقِطْعَةً فِي التَّوْحِيدِ فِي قَوْلِ عَائِشَةَ مَا كُنْتُ أَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ يُنْزِلُ فِي شَأْنِي وَحْيًا يُتْلَى وَمَجْمُوعُ مَا أَوْرَدَهُ عَنْهُ لَا يَجِيءُ قَدْرَ عُشْرِ الْحَدِيثِ، وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِيهِ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَكَانَ يُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ: وَاللَّهِ لَا أُنْفِقُ عَلَى مِسْطَحٍ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِتَرْكِ الْيَمِينِ فِي الْمَعْصِيَةِ لِأَنَّهُ حَلَفَ أَنْ لَا يَنْفَعَ مِسْطَحًا لِكَلَامِهِ فِي عَائِشَةَ، فَكَانَ حَالِفًا عَلَى تَرْكِ طَاعَةٍ فَنَهَى عَنِ الِاسْتِمْرَارِ عَلَى مَا حَلَفَ عَلَيْهِ فَيَكُونُ النَّهْيُ عَنِ الْحَلِفِ عَلَى فِعْلِ الْمَعْصِيَةِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، وَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِ عِنْدَ الْحَلِفِ أَنْ يَكُونَ قَدْ غَضِبَ عَلَى مِسْطَحٍ مِنْ أَجْلِ قَوْلِهِ الَّذِي قَالَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute