للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مُنَجَّزًا أَوْ مُعَلَّقًا، وَهُوَ قِسْمَانِ: نَذْرُ تَبَرُّرٍ وَنَذْرُ لَجَاجٍ، وَنَذْرُ التَّبَرُّرِ قِسْمَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ ابْتِدَاءً كَـ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ كَذَا، وَيُلْتَحَقُ بِهِ مَا إِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ كَذَا شُكْرًا عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيَّ مِنْ شِفَاءِ مَرِيضِي مَثَلًا، وَقَدْ نَقَلَ بَعْضُهُمُ الِاتِّفَاقَ عَلَى صِحَّتِهِ وَاسْتِحْبَابِهِ وَفِي وَجْهٍ شَاذٍّ لِبَعْضِ الشَّافِعِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ.

وَالثَّانِي: مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ مُعَلَّقًا بِشَيْءٍ يُنْتَفَعُ بِهِ إِذَا حَصَلَ لَهُ كَإِنْ قَدِمَ غَائِبِي أَوْ كَفَانِي شَرَّ عَدُوِّي فَعَلَيَّ صَوْمُ كَذَا مَثَلًا. وَالْمُعَلَّقُ لَازِمٌ اتِّفَاقًا وَكَذَا الْمُنَجَّزُ فِي الرَّاجِحِ.

وَنَذْرُ اللَّجَاجِ قِسْمَانِ:

أَحَدُهُمَا: مَا يُعَلِّقُهُ عَلَى فِعْلِ حَرَامٍ أَوْ تَرْكِ وَاجِبٍ، فَلَا يَنْعَقِدُ فِي الرَّاجِحِ إِلَّا إِنْ كَانَ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَوْ كَانَ فِي فِعْلِهِ مَشَقَّةٌ فَيَلْزَمُهُ وَيُلْتَحَقُ بِهِ مَا يُعَلِّقُهُ عَلَى فِعْلِ مَكْرُوهٍ.

وَالثَّانِي: مَا يُعَلِّقُهُ عَلَى فِعْلِ خِلَافِ الْأُولَى أَوْ مُبَاحٍ أَوْ تَرْكِ مُسْتَحَبٍّ، وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ لِلْعُلَمَاءِ: الْوَفَاءُ أَوْ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوِ التَّخَيُّيرُ بَيْنَهُمَا، وَاخْتَلَفَ التَّرْجِيحُ عِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ وَكَذَا عِنْدَ الْحَنَابِلَةِ، وَجَزَمَ الْحَنَفِيَّةُ بِكَفَّارَةِ الْيَمِينِ فِي الْجَمِيعِ وَالْمَالِكِيَّةُ بِأَنَّهُ لَا يَنْعَقِدُ أَصْلًا

قَوْلُهُ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْأَيْلِيُّ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبٍ)، هُوَ وَالِدُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الرَّاوِي عَنْهُ، وَقَدْ مَضَى تَفْسِيرُ سُورَةِ بَرَاءَةٌ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ: حَدَّثَنِي ابْنُ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي يُونُسُ. قَالَ أَحْمَدُ: وَحَدَّثَنَا عَنْبَسَةُ، حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَعْبٍ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبٍ، ثُمَّ أَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ إِسْحَاقَ بْنِ رَاشِدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ

قَوْلُهُ: سَمِعْتُ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ فِي حَدِيثِهِ: وَعَلَى الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا، أَيِ: الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ فِي قِصَّةِ تَخَلُّفِهِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَنَهْيِ النَّبِيِّ عَنْ كَلَامِهِ وَكَلَامِ رَفِيقَيْهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بِطُولِهِ مَعَ شَرْحِهِ فِي الْمَغَازِي لَكِنْ بِوَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ.

قَوْلُهُ: فَقَالَ فِي آخِرِ حَدِيثِهِ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ، بِنُونٍ وَخَاءٍ مُعْجَمَةٍ، أَيْ: أَعْرَى مِنْ مَالِي كَمَا يَعْرَى الْإِنْسَانُ إِذَا خَلَعَ ثَوْبَهُ

قَوْلُهُ: أَمْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ. زَادَ أَبُو دَاوُدَ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ صَالِحٍ بِهَذَا السَّنَدِ: فَقُلْتُ: إِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ، وَهُوَ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا السَّنَدِ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ: إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَخْرُجَ مِنْ مَالِي كُلَّهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ صَدَقَةً، قَالَ: لَا. قُلْتُ: فَنِصْفَهُ، قَالَ: لَا، قُلْتُ: فَثُلُثَهُ. قَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِيَ الَّذِي بِخَيْبَرَ، وَأَخْرَجَ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنِ ابْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ: وَإِنِّي أَنْخَلِعُ مِنْ مَالِي كُلِّهُ صَدَقَةً، قَالَ: يُجْزِي عَنْكَ الثُّلُثُ، وَفِي حَدِيثِ أَبِي لُبَابَةَ عِنْدَ أَحْمَدَ، وَأَبِي دَاوُدَ نَحْوُهُ، وَقَدِ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِيمَنْ نَذَرَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ عَلَى عَشَرَةِ مَذَاهِبَ، فَقَالَ مَالِكٌ: يَلْزَمُهُ الثُّلُثُ بِهَذَا الْحَدِيثِ، وَنُوزِعَ فِي أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ لَمْ يُصَرِّحْ بِلَفْظِ النَّذْرِ وَلَا بِمَعْنَاهُ، بَلْ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ نَجَّزَ النَّذْرَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَهُ فَاسْتَأْذَنَ، وَالِانْخِلَاعُ الَّذِي ذَكَرَهُ لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِي صُدُورِ النَّذْرِ مِنْهُ، وَإِنَّمَا الظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ أَنْ يُؤَكِّدَ أَمْرَ تَوْبَتِهِ بِالتَّصَدُّقِ بِجَمِيعِ مَالِهِ شُكْرًا لِلَّهِ - تَعَالَى - عَلَى مَا أَنْعَمَ بِهِ عَلَيْهِ.

وَقَالَ الْفَاكِهَانِيُّ فِي شَرْحِ الْعُمْدَةِ: كَانَ الْأَوْلَى لكَعْبٍ أَنْ يَسْتَشِيرَ وَلَا يَسْتَبِدَّ بِرَأْيِهِ، لَكِنْ كَأَنَّهُ قَامَتْ عِنْدَهُ حَالٌ لِفَرَحِهِ بِتَوْبَتِهِ ظَهَرَ لَهُ فِيهَا أَنَّ التَّصَدُّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ مُسْتَحَقٌّ عَلَيْهِ فِي الشُّكْرِ، فَأَوْرَدَ الِاسْتِشَارَةَ بِصِيغَةِ الْجَزْمِ، انْتَهَى. وَكَأَنَّهُ أَرَادَ أَنَّهُ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ فِي كَوْنِهِ جَزَمَ بِأَنَّ مِنْ تَوْبَتِهِ أَنْ يَنْخَلِعَ مِنْ جَمِيعِ مَالِهِ إِلَّا، أَنَّهُ نَجَّزَ ذَلِكَ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: لَمْ يَبُتَّ كَعْبٌ الِانْخِلَاعَ بَلِ اسْتَشَارَ هَلْ يَفْعَلُ أَوْ لَا؟ قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْتَفْهَمَ وَحُذِفَتْ أَدَاةُ الِاسْتِفْهَامِ، وَمِنْ ثَمَّ كَانَ الرَّاجِحُ عِنْدَ الْكَثِيرِ مِنَ الْعُلَمَاءِ وُجُوبَ الْوَفَاءِ لِمَنِ الْتَزَمَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِجَمِيعِ مَالِهِ إِلَّا إِذَا كَانَ عَلَى سَبِيلِ الْقُرْبَةِ، وَقِيلَ: إِنْ كَانَ مَلِيًّا لَزِمَهُ، وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَهَذَا قَوْلُ اللَّيْثِ وَوَافَقَهُ ابْنُ وَهْبٍ،