٦٦٩٩ - حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَبِي بِشْرٍ قَالَ سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ "عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ ﵄ قَالَ أَتَى رَجُلٌ النَّبِيَّ ﷺ فَقَالَ لَهُ إِنَّ أُخْتِي قَدْ نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ وَإِنَّهَا مَاتَتْ فَقال النبي ﷺ: "لَوْ كَانَ عَلَيْهَا دَيْنٌ أَكُنْتَ قَاضِيَهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ فَاقْضِ اللَّهَ فَهُوَ أَحَقُّ بِالْقَضَاءِ"
قَوْلُهُ: (بَابُ مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ)، أَيْ: هَلْ يُقْضَى عَنْهُ أَوْ لَا؟ وَالَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْبَابِ يَقْتَضِي الْأَوَّلَ، لَكِنْ هَلْ هُوَ عَلَى سَبِيلِ الْوُجُوبِ أَوِ النَّدْبِ، خِلَافٌ يَأْتِي بَيَانُهُ.
قَوْلُهُ: (وَأَمَرَ ابْنُ عُمَرَ امْرَأَةً جَعَلَتْ أُمُّهَا عَلَى نَفْسِهَا صَلَاةً بِقُبَاءٍ) يَعْنِي: فَمَاتَتْ، (فَقَالَ: صَلِّي عَنْهَا، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ نَحْوَهُ) وَصَلَهُ مَالِكٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، أَيِ: ابْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ، عَنْ عَمَّتِهِ أَنَّهَا حَدَّثَتْهُ عَنْ جَدَّتِهِ، أَنَّهَا كَانَتْ جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا مَشْيًا إِلَى مَسْجِدِ قُبَاءٍ، فَمَاتَتْ، وَلَمْ تَقْضِهِ، فَأَفْتَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ابْنَتَهَا أَنْ تَمْشِيَ عَنْهَا، وَأَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، قَالَ مَرَّةً عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ قَضَى عَنْهُ وَلِيُّهُ، وَمِنْ طَرِيقِ عَوْنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ: أَنَّ امْرَأَةً نَذَرَتْ أَنْ تَعْتَكِفَ عَشْرَةَ أَيَّامٍ، فَمَاتَتْ وَلَمْ تَعْتَكِفْ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: اعْتَكِفْ عَنْ أُمِّكَ، وَجَاءَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ خِلَافُ ذَلِكَ، فَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ: إِنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ.
وَأَخْرَجَ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَيُّوبَ بْنِ مُوسَى، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، وَلَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ، أَوْرَدَهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ مِنْ طَرِيقِهِ مَوْقُوفًا، ثُمَّ قَالَ: وَالنَّقْلُ فِي هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُضْطَرِبٌ.
قُلْتُ: وَيُمْكِنُ الْجَمْعُ بِحَمْلِ الْإِثْبَاتِ فِي حَقِّ مَنْ مَاتَ وَالنَّفْيِ فِي حَقِّ الْحَيِّ، ثُمَّ وَجَدْتُ عَنْهُ مَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِهِ فِي حَقِّ الْمَيِّتِ بِمَا إِذَا مَاتَ وَعَلَيْهِ شَيْءٌ وَاجِبٌ، فَعِنْدَ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: سُئِلَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ رَجُلٍ مَاتَ وَعَلَيْهِ نَذْرٌ فَقَالَ: يُصَامُ عَنْهُ النَّذْرُ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُمَرَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ: صَلِّي عَنْهَا الْعَمَلَ بِقَوْلِهِ ﷺ: إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ، فَعَدَّ مِنْهَا الْوَلَدَ؛ لِأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ كَسْبِهِ، فَأَعْمَالُهُ الصَّالِحَةُ مَكْتُوبَةٌ لِلْوَالِدِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَجْرِهِ، فَمَعْنَى: صَلِّي عَنْهَا، أَنَّ صَلَاتَكِ مُكْتَتَبَةٌ لَهَا، وَلَوْ كُنْتِ إِنَّمَا تَنْوِي عَنْ نَفْسِكِ كَذَا قَالَ، وَلَا يَخْفَى تَكَلُّفُهُ، وَحَاصِلُ كَلَامِهِ تَخْصِيصُ الْجَوَازِ بِالْوَلَدِ، وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ ابْنُ وَهْبٍ، وَأَبُو مُصْعَبٍ مِنْ أَصْحَابِ الْإِمَام مَالِكٍ، وَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى ابْنِ بَطَّالٍ حَيْثُ نَقَلَ الْإِجْمَاعَ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ لَا فَرْضًا وَلَا سُنَّةً لَا عَنْ حَيٍّ وَلَا عَنْ مَيِّتٍ، وَنُقِلَ عَنِ الْمُهَلَّبِ أَنَّ ذَلِكَ لَوْ جَازَ لَجَازَ فِي جَمِيعِ الْعِبَادَاتِ الْبَدَنِيَّةِ، وَلَكَانَ الشَّارِعُ أَحَقَّ بِذَلِكَ أَنْ يَفْعَلَهُ عَنْ أَبَوَيْهِ، وَلَمَا نُهِيَ عَنِ الِاسْتِغْفَارِ لِعَمِّهِ، وَلَبَطَلَ مَعْنَى قَوْلِهِ: ﴿وَلا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلا عَلَيْهَا﴾ انْتَهَى. وَجَمِيعُ مَا قَالَ لَا يَخْفَى وَجْهُ تَعَقُّبِهِ خُصُوصًا مَا ذَكَرَهُ فِي حَقِّ الشَّارِعِ، وَأَمَّا الْآيَةُ فَعُمُومُهَا مَخْصُوصٌ اتِّفَاقًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ
(تَنْبِيهٌ): ذَكَرَ الْكَرْمَانِيُّ أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: قَالَ صَلِّي عَلَيْهَا، وُجِّهَ بِأَنَّ عَلَى بِمَعْنَى عَنْ عَلَى رَأْيٍ قَالَ: أَوِ الضَّمِيرُ رَاجِعٌ إِلَى قُبَاءٍ. ثُمَّ ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ حَدِيثَ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ اسْتَفْتَى فِي نَذْرٍ كَانَ عَلَى أُمِّهِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ فِي كِتَابِ الْوَصَايَا، وَذَكَرْتُ مَنْ قَالَ فِيهِ عَنْ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَجَعَلَهُ مِنْ مُسْنَدِهِ.
قَوْلُهُ: فِي آخِرِ الْحَدِيثِ فِي قِصَّةِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ: (فَكَانَتْ سُنَّةً بَعْدُ)، أَيْ: صَارَ قَضَاءُ الْوَارِثِ مَا عَلَى الْمُوَرِّثِ طَرِيقَةً شَرْعِيَّةً أَعَمَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ وُجُوبًا أَوْ نَدْبًا، وَلَمْ أَرَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي غَيْرِ رِوَايَةِ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، فَقَدْ أَخْرَجَ الْحَدِيثَ الشَّيْخَانِ مِنْ رِوَايَةِ مَالِكٍ، وَاللَّيْثِ، وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ وَيُونُسَ وَمَعْمَرٍ، وَبَكْرِ بْنِ وَائِلٍ، وَالنَّسَائِيُّ مِنْ رِوَايَةِ الْأَوْزَاعِيِّ، وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute