أَوْفِ بِنَذْرِكِ. وَزَادَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ أَنَّ ذَلِكَ وَقْتُ خُرُوجِهِ فِي غَزْوَةٍ، فَنَذَرَتْ إِنْ رَدَّهُ اللَّهُ - تَعَالَى - سَالِمًا.
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ: يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ أَذِنَ لَهَا فِي ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ إِظْهَارِ الْفَرَحِ بِالسَّلَامَةِ، وَلَا يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ الْقَوْلُ بِانْعِقَادِ النَّذْرِ بِهِ وَيَدُلُّ عَلَى أَنَّ النَّذْرَ لَا يَنْعَقِدُ فِي الْمُبَاحِ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ ثَالِثُ أَحَادِيثِ الْبَابِ، فَإِنَّهُ أَمَرَ النَّاذِرَ بِأَنْ يَقُومَ وَلَا يَقْعُدَ، وَلَا يَتَكَلَّمَ وَلَا يَسْتَظِلَّ، وَيَصُومَ وَلَا يُفْطِرَ، بِأَنْ يُتِمَّ صَوْمَهُ وَيَتَكَلَّمَ وَيَسْتَظِلَّ، وَيَقْعُدَ، فَأَمَرَهُ بِفِعْلِ الطَّاعَةِ وَأَسْقَطَ عَنْهُ الْمُبَاحَ، وَأَصْرَحُ مِنْ ذَلِكَ مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ أَيْضًا: إِنَّمَا النَّذْرُ مَا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ، وَالْجَوَابُ عَنْ قِصَّةِ الَّتِي نَذَرَتِ الضَّرْبَ بِالدُّفِّ مَا أَشَارَ إِلَيْهِ الْبَيْهَقِيُّ، وَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ مِنْ قِسْمِ الْمُبَاحِ مَا قَدْ يَصِيُرُ بِالْقَصْدِ مَنْدُوبًا كَالنَّوْمِ فِي الْقَائِلَةِ لِلتَّقَوِّي عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ، وَأَكْلَةِ السَّحَرِ لِلتَّقَوِّي عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ، فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ إِظْهَارَ الْفَرَحِ بِعَوْدِ النَّبِيِّ ﷺ سَالِمًا مَعْنًى مَقْصُودٌ يَحْصُلُ بِهِ الثَّوَابُ، وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي جَوَازِ الضَّرْبِ بِالدُّفِّ فِي غَيْرِ النِّكَاحِ وَالْخِتَانِ، وَرَجَّحَ الرَّافِعِيُّ فِي الْمُحَرَّرِ وَتَبِعَهُ فِي الْمِنْهَاجِ الْإِبَاحَةَ وَالْحَدِيثُ حُجَّةٌ فِي ذَلِكَ، وَقَدْ حَمَلَ بَعْضُهُمْ إِذْنَهُ لَهَا فِي الضَّرْبِ بِالدُّفِّ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، لَا عَلَى خُصُوصِ الْوَفَاءِ بِالنَّذْرِ كَمَا تَقَدَّمَ، وَيُشْكَلُ عَلَيْهِ أَنَّ فِي رِوَايَةِ أَحْمَدَ فِي حَدِيثِ بُرَيْدَةَ: إِنْ كُنْتِ نَذَرْتِ فَاضْرِبِي وَإِلَّا فَلَا، وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: نَذَرْتِ: حَلَفْتِ، وَالْإِذْنُ فِيهِ لِلْبِرِّ بِفِعْلِ الْمُبَاحِ،
وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ فِي آخَرِ الْحَدِيثِ: أَنَّ عُمَرَ دَخَلَ فَتَرَكَتْ، فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: إِنَّ الشَّيْطَانَ لَيَخَافُ مِنْكَ يَا عُمَرُ. فَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مِمَّا يُتَقَرَّبُ بِهِ مَا قَالَ ذَلِكَ، لَكِنْ هَذَا بِعَيْنِهِ يُشْكِلُ عَلَى أَنَّهُ مُبَاحٌ لِكَوْنِهِ نَسَبَهُ إِلَى الشَّيْطَانِ، وَيُجَابُ بِأَنَّ النَّبِيَّ ﷺ اطَّلَعَ عَلَى أَنَّ الشَّيْطَانَ حَضَرَ لِمَحَبَّتِهِ فِي سَمَاعِ ذَلِكَ لِمَا يَرْجُوهُ مِنْ تَمَكُّنِهِ مِنَ الْفِتْنَةِ بِهِ، فَلَمَّا حَضَرَ عُمَرُ فَرَّ مِنْهُ لِعِلْمِهِ بِمُبَادَرَتِهِ إِلَى إِنْكَارِ مِثْلِ ذَلِكَ، أَوْ أَنَّ الشَّيْطَانَ لَمْ يَحْضُرْ أَصْلًا، وَإِنَّمَا ذَكَرَ مِثَالًا لِصُورَةِ مَا صَدَرَ مِنَ الْمَرْأَةِ الْمَذْكُورَةِ، وَهِيَ إِنَّمَا شَرَعَتْ فِي شَيْءٍ أَصْلُهُ مِنَ اللَّهْوِ، فَلَمَّا دَخَلَ عُمَرُ خَشِيَتْ مِنْ مُبَادَرَتِهِ لِكَوْنِهِ لَمْ يَعْلَمْ بِخُصُوصِ النَّذْرِ أَوِ الْيَمِينِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهَا، فَشَبَّهَ النَّبِيُّ ﷺ حَالَهَا بِحَالَةِ الشَّيْطَانِ الَّذِي يَخَافُ مِنْ حُضُورِ عُمَرَ وَالشَّيْءُ بِالشَّيْءِ يُذْكَرُ، وَقَرُبَ مِنْ قِصَّتِهَا قِصَّةُ الْقَيْنَتَيْنِ اللَّتَيْنِ كَانَتَا تُغَنِّيَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فِي يَوْمِ عِيدٍ، فَأَنْكَرَ أَبُو بَكْرٍ عَلَيْهِمَا، وَقَالَ: أَبِمَزْمُورِ الشَّيْطَانِ عِنْدَ النَّبِيِّ ﷺ فَأَعْلَمَهُ النَّبِيُّ ﷺ بِإِبَاحَةِ مِثْلِ ذَلِكَ فِي يَوْمِ الْعِيدِ. فَهَذَا مَا يَتَعَلَّقُ بِحَدِيثِ عَائِشَةَ.
وَقَالَ الْفَزَارِيُّ عَنْ حُمَيْدٍ: حَدَّثَنِي ثَابِتٌ عَنْ أَنَسٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ أَنَسٍ وَهُوَ الثَّانِي مِنْ أَحَادِيثِ الْبَابِ فَذَكَرَهُ هُنَا مُخْتَصَرًا، وَتَقَدَّمَ فِي أَوَاخِرِ الْحَجِّ قُبَيْلَ فَضَائِلِ الْمَدِينَةِ بِتَمَامِهِ، وَأَوَّلُهُ رَأَى شَيْخًا يُهَادَى بَيْنَ ابْنَيْهِ، قَالَ: مَا بَالُ هَذَا؟ قَالُوا: نَذَرَ أَنْ يَمْشِيَ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: وَأَمَرَهُ أَنْ يَرْكَبَ، وَقَوْلُهُ: قَالَ الْفَزَارِيُّ، يَعْنِي: مَرْوَانَ بْنَ مُعَاوِيَةَ (عَنْ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنِي ثَابِتٌ، عَنْ أَنَسٍ) كَأَنَّهُ أَرَادَ بِهَذَا التَّعْلِيقِ تَصْرِيحَ حُمَيْدٍ بِالتَّحْدِيثِ، وَقَدْ وَصَلَهُ فِي الْبَابِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ فِي الْحَجِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَامٍ، عَنِ الْفَزَارِيِّ، وَبَيَّنْتُ هُنَاكَ مَنْ رَوَاهُ عَنْ حُمَيْدٍ مُوَافِقًا لِلْفَزَارِيِّ، وَمَنْ رَوَاهُ عَنْ حُمَيْدٍ بِدُونِ ذِكْرِ ثَابِتٍ فِيهِ، وَذَكَرَ الْمُصَنِّفُ هُنَاكَ حَدِيثَ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: نَدَرَتْ أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ.
الْحَدِيثَ، وَفِيهِ: لِتَمْشِي وَلْتَرْكَبْ، وَتَقَدَّمَ بَعْضُ الْكَلَامِ عَلَيْهِ ثَمَّ، وَوَقَعَ لِلْمِزِّيِّ فِي الْأَطْرَافِ فِيهِ وَهْمٌ فَإِنَّهُ ذَكَرَ أَنَّ الْبُخَارِيَّ أَخْرَجَهُ فِي الْحَجِّ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ مُوسَى، وَفِي النُّذُورِ عَنْ أَبِي عَاصِمٍ، وَالْمَوْجُودُ فِي نُسَخِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الطَّرِيقَيْنِ مَعًا فِي الْبَابِ الْمَذْكُورِ مِنَ الْحَجِّ، وَلَيْسَ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ فِي النُّذُورِ ذِكْرٌ أَصْلًا، وَإِنَّمَا أَمَرَ النَّاذِرَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ أَنْ يَرْكَبَ جَزْمًا، وَأَمَرَ أُخْتَ عُقْبَةَ أَنْ تَمْشِيَ، وَأَنْ تَرْكَبَ ; لِأَنَّ النَّاذِرَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ كَانَ شَيْخًا ظَاهِرَ الْعَجْزِ وَأُخْتَ عُقْبَةَ لَمْ تُوصَفْ بِالْعَجْزِ، فَكَأَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَمْشِيَ إِنْ قَدَرَتْ وَتَرْكَبَ إِنْ عَجَزَتْ، وَبِهَذَا تَرْجَمَ الْبَيْهَقِيُّ لِلْحَدِيثِ، وَأَوْرَدَ فِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute