للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَهْلِ الْمَدِينَةِ ; لِأَنَّ التَّشْرِيعَ وَقَعَ عَلَى ذَلِكَ أَوَّلًا، وَأَكَّدَ ذَلِكَ بِدُعَاءِ النَّبِيِّ لَهُمْ بِالْبَرَكَةِ فِي ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: وَمَا تَوَارَثَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ مِنْ ذَلِكَ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ، أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى أَنَّ مِقْدَارَ الْمُدِّ وَالصَّاعِ فِي الْمَدِينَةِ لَمْ يَتَغَيَّرْ لِتَوَاتُرِهِ عِنْدَهُمْ إِلَى زَمَنِهِ، وَبِهَذَا احْتَجَّ مَالِكُ عَلَى أَبِي يُوسُفَ فِي الْقِصَّةِ الْمَشْهُورَةِ بَيْنَهُمَا، فَرَجَعَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ قَوْلِ الْكُوفِيِّينَ فِي قَدْرِ الصَّاعِ إِلَى قَوْلِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ. ثُمَّ ذَكَرَ في البابِ ثَلَاثَةَ أَحَادِيثَ:

الْأَوَّلُ: حَدِيثُ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ.

قَوْلُهُ: (كَانَ الصَّاعُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ مُدًّا وَثُلُثًا بِمُدِّكُمُ الْيَوْمَ، فَزِيدَ فِيهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ). قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُدَّهُمْ حِينَ حَدَّثَ بِهِ السَّائِبُ كَانَ أَرْبَعَةَ أَرْطَالٍ، فَإِذَا زِيدَ عَلَيْهِ ثُلُثُهُ وَهُوَ رِطْلٌ، وَثُلُثٌ قَامَ مِنْهُ خَمْسَةُ أَرْطَالٍ، وَثُلُثٌ وَهُوَ الصَّاعُ بِدَلِيلِ أَنَّ مُدَّهُ رِطْلٌ وَثُلُثٌ، وَصَاعُهُ أَرْبَعَةُ أَمْدَادٍ، ثُمَّ قَالَ: مِقْدَارُ مَا زِيدَ فِيهِ فِي زَمَنِ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ لَا نَعْلَمُهُ، وَإِنَّمَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مُدَّهُمْ ثَلَاثَةُ أَمْدَادٍ بِمُدِّهِ. انْتَهَى. وَمِنْ لَازِمِ مَا قَالَ أَنْ يَكُونَ صَاعُهُمْ سِتَّةَ عَشَرَ رِطْلًا، لَكِنْ لَعَلَّهُ لَمْ يَعْلَمْ مِقْدَارَ الرِّطْلِ عِنْدَهُمْ إِذْ ذَاكَ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابُ الْوُضُوءِ بِالْمُدِّ مِنْ كِتَابِ الطَّهَارَةِ بَيَانُ الِاخْتِلَافِ فِي مِقْدَارِ الْمُدِّ وَالصَّاعِ، وَمَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِنَ الْمَكِيلَاتِ فَخَصَّ صَاعَ الْمَاءِ بِكَوْنِهِ ثَمَانِيَةَ أَرْطَالٍ، وَمُدَّهُ بِرِطْلَيْنِ فَقَصَرَ الْخِلَافَ عَلَى غَيْرِ الْمَاءِ مِنَ الْمَكِيلَاتِ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ وَهُوَ سَلْمٌ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ اللَّامِ، وَفِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنِ الْمُنْذِرِ: حَدَّثَنَا أَبُو قُتَيْبَةَ سَلْمُ بْنُ قُتَيْبَةَ. قُلْتُ: وَهُوَ الشَّعِيرِيُّ بِفَتْحِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ، بَصْرِيٌّ أَصْلُهُ مِنْ خُرَاسَانَ، أَدْرَكَهُ الْبُخَارِيُّ بِالسِّنِّ، وَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يَلْقَاهُ، وَهُوَ غَيْرُ سَلْمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الْبَاهِلِيِّ، وَلَدِ أَمِيرِ خُرَاسَانَ قُتَيْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ وَقَدْ وُلِّيَ هُوَ إِمْرَةَ الْبَصْرَةِ، وَهُوَ أَكْبَرُ مِنَ الشَّعِيرِيِّ، وَمَاتَ قَبْلَهُ بِأَكْثَرَ مِنْ خَمْسِينَ سَنَةً.

قَوْلُهُ: (الْمُدُّ الْأَوَّلُ) هُوَ نَعْتُ مُدِّ النَّبِيِّ وَهِيَ صِفَةٌ لَازِمَةٌ لَهُ، وَأَرَادَ نَافِعٌ بِذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ لَا يُعْطِي بِالْمُدِّ الَّذِي أَحْدَثَهُ هِشَامٌ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَهُوَ أَكْبَرُ مِنْ مُدِّ النَّبِيِّ بِثُلُثَيْ رِطْلٍ، وَهُوَ كَمَا قَالَ، فَإِنَّ الْمُدَّ الْهِشَامِيَّ رِطْلَانِ، وَالصَّاعَ مِنْهُ ثَمَانِيَةُ أَرْطَالٍ.

قَوْلُهُ: (قَالَ لَنَا مَالِكٌ) هُوَ مَقُولُ أَبِي قُتَيْبَةَ، وَهُوَ مَوْصُولٌ.

قَوْلُهُ: (مُدُّنَا أَعْظَمُ مِنْ مُدِّكُمْ) يَعْنِي فِي الْبَرَكَةِ، أَيْ: مُدُّ الْمَدِينَةِ وَإِنْ كَانَ دُونَ مُدِّ هِشَامٍ فِي الْقَدْرِ، لَكِنَّ مُدَّ الْمَدِينَةِ مَخْصُوصٌ بِالْبَرَكَةِ الْحَاصِلَةِ بِدُعَاءِ النَّبِيِّ لَهَا فَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ مُدِّ هِشَامٍ، ثُمَّ فَسَّرَ مَالِكٌ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ: وَلَا تَرَى الْفَضْلَ إِلَّا فِي مُدِّ النَّبِيِّ .

قَوْلُهُ: (وَقَالَ لِي مَالِكٌ: لَوْ جَاءَكُمْ أَمِيرٌ إِلَخْ)، أَرَادَ مَالِكٌ بِذَلِكَ إِلْزَامَ مُخَالِفِهِ ; إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِي مُطْلَقِ الْمُخَالَفَةِ، فَلَوِ احْتَجَّ الَّذِي تَمَسَّكَ بِالْمُدِّ الْهِشَامِيِّ فِي إِخْرَاجِ زَكَاةِ الْفِطْرِ وَغَيْرِهَا مِمَّا شُرِعَ إِخْرَاجُهُ بِالْمُدِّ كَإِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ بِأَنَّ الْأَخْذَ بِالزَّائِدِ أَوْلَى، قِيلَ: كَفَى بِاتِّبَاعِ مَا قَدَّرَهُ الشَّارِعُ بَرَكَةً، فَلَوْ جَازَتِ الْمُخَالَفَةُ بِالزِّيَادَةِ لَجَازَتْ مُخَالَفَتُهُ بِالنَّقْصِ، فَلَمَّا امْتَنَعَ الْمُخَالِفُ مِنَ الْأَخْذِ بِالنَّاقِصِ قَالَ لَهُ: أَفَلَا تَرَى أَنَّ الْأَمْرَ إِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى مُدِّ النَّبِيِّ لِأَنَّهُ إِذَا تَعَارَضَتِ الْأَمْدَادُ الثَّلَاثَةُ: الْأَوَّلُ وَالْحَادِثُ وَهُوَ الْهِشَامِيُّ وَهُوَ زَائِدٌ عَلَيْهِ، وَالثَّالِثُ الْمَفْرُوضُ وُقُوعُهُ وَإِنْ لَمْ يَقَعْ وَهُوَ دُونَ الْأَوَّلِ كَانَ الرُّجُوعُ إِلَى الْأَوَّلِ أَوْلَى ; لِأَنَّهُ الَّذِي تَحَقَّقَتْ شَرْعِيَّتُهُ. قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَالْحُجَّةُ فِيهِ نَقْلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَهُ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَجِيلًا بَعْدَ جِيلٍ، قَالَ: وَقَدْ رَجَعَ أَبُو يُوسُفَ بِمِثْلِ هَذَا فِي تَقْدِيرِ الْمُدِّ وَالصَّاعِ إِلَى مَالِكٍ وَأَخَذَ بِقَوْلِهِ.

(تَنْبِيهٌ): هَذَا الْحَدِيثُ غَرِيبٌ لَمْ يَرْوِهِ عَنْ مَالِكٍ إِلَّا أَبُو قُتَيْبَةَ، وَلَا عَنْهُ إِلَّا الْمُنْذِرُ، وَقَدْ ضَاقَ مَخْرَجُهُ عَلَى الْإِسْمَاعِيلِيِّ وَعَلَى أَبِي نُعَيْمٍ، فَلَمْ يَسْتَخْرِجَاهُ، بَلْ ذَكَرَاهُ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَقَدْ أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي غَرَائِبِ مَالِكٍ مِنْ طَرِيقِ الْبُخَارِيِّ، وَأَخْرَجَهُ أَيْضًا عَنِ ابْنِ عُقْدَةَ، عَنِ الْحُسَيْنِ بْنِ الْقَاسِمِ الْبَجَلِيِّ، عَنِ الْمُنْذِرِ بِهِ دُونَ كَلَامِ مَالِكٍ، وَقَالَ: صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ، عَنِ الْمُنْذِرِ بِهِ.

الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: حَدِيثُ أَنَسٍ فِي