للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْكَثِيرِ، وَقَدْ تُعُقِّبَ بِأَنَّ الشَّافِعِيَّ نَصَّ عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ حُجَّةٌ، وَجَزَمَ بِنَقْلِهِ عَنْهُ الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ، وَالْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُمَا، وَلَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يُخَالِفَهُ الْمَنْطُوقُ. قُلْتُ: وَالَّذِي يَظْهَرُ مَعَ كَوْنِ مَخْرَجِ الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ وَاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ عَنْهُ أَنَّ الْحُكْمَ لِلزَّائِدِ؛ لِأَنَّ الْجَمِيعَ ثِقَاتٌ، وَتَقَدَّمَ هُنَاكَ تَوْجِيهٌ آخَرُ.

قَوْلُهُ: (تَلِدُ) فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ: فَتَعْلَقُ فَتَحْمِلُ فَتَلِدُ، وَكَذَا فِي قَوْلِهِ: يُقَاتِلُ، تَقْدِيرُهُ: فَيَنْشَأُ فَيَتَعَلَّمُ الْفُرُوسِيَّةَ فَيُقَاتِلُ، وَسَاغَ الْحَذْفُ؛ لِأَنَّ كُلَّ فِعْلٍ مِنْهَا مُسَبَّبٌ عَنِ الَّذِي قَبْلَهُ، وَسَبَبُ السَّبَبِ سَبَبٌ.

قَوْلُهُ: فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قَالَ سُفْيَانُ يَعْنِي الْمَلَكَ: هَكَذَا فَسَّرَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ صَاحِبَ سُلَيْمَانَ الْمَلَكُ، وَتَقَدَّمَ فِي النِّكَاحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ الْجَزْمُ بِأَنَّهُ الْمَلَكُ.

قَوْلُهُ: فَنَسِيَ زَادَ فِي النِّكَاحِ: فَلَمْ يَقُلْ قِيلَ: الْحِكْمَةُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ صَرَفَ عَنِ الِاسْتِثْنَاءِ السَّابِقِ الْقَدَرُ، وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ فِي الْكَلَامِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، وَالتَّقْدِيرُ: فَلَمْ يَقُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَقِيلَ لَهُ: قُلْ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَهَذَا إِنْ كَانَ سَبَبُهُ أَنَّ قَوْلَهُ: فَنَسِيَ يُغْنِي عَنْ قَوْلِهِ: فَلَمْ يَقُلْ، فَكَذَا يُقَالُ: إِنَّ قَوْلَهُ: فَقَالَ لَهُ صَاحِبُهُ: قُلْ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ، فَيَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ كَانَ لَمْ يَقُلْهَا، فَالْأَوْلَى عَدَمُ ادِّعَاءِ التَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ، وَمِنْ هُنَا يَتَبَيَّنُ أَنَّ تَجْوِيزَ مَنِ ادَّعَى أَنَّهُ تَعَمَّدَ الْحِنْثَ مَعَ كَوْنِهِ مَعْصِيَةً لِكَوْنِهَا صَغِيرَةً لَا يُؤَاخَذُ بِهَا لَمْ يُصِبْ دَعْوَى وَلَا دَلِيلًا. وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: قَوْلُهُ: فَلَمْ يَقُلْ، أَيْ: لَمْ يَنْطِقْ بِلَفْظِ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِلِسَانِهِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ غَفَلَ عَنِ التَّفْوِيضِ إِلَى اللَّهِ بِقَلْبِهِ، وَالتَّحْقِيقُ أَنَّ اعْتِقَادَ التَّفْوِيضِ مُسْتَمِرٌّ لَهُ لَكِنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ: فَنَسِيَ أَنَّهُ نَسِيَ أَنْ يَقْصِدَ الِاسْتِثْنَاءَ الَّذِي يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَمِينِ، فَفِيهِ تَعَقُّبٌ عَلَى مَنِ اسْتَدَلَّ بِهِ لِاشْتِرَاطِ النُّطْقِ فِي الِاسْتِثْنَاءِ.

قَوْلُهُ: (فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) هُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا.

قَوْلُهُ: (يَرْوِيهِ) هُوَ كِنَايَةٌ عَنْ رَفْعِ الْحَدِيثِ، وَهُوَ كَمَا لَوْ قَالَ مَثَلًا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْحُمَيْدِيِّ التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ، وَلَفْظُهُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ، وَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَرَ، عَنْ سُفْيَانَ.

قَوْلُهُ: (لَوْ قَالَ: إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمْ يَحْنَثْ) تَقَدَّمَ الْمُرَادُ بِمَعْنَى الْحِنْثِ، وَقَدْ قِيلَ: هُوَ خَاصٌّ بِسُلَيْمَانَ ، وَأَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي هَذِهِ الْوَاقِعَةِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ حَصَلَ مَقْصُودُهُ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ كُلَّ مَنْ قَالَهَا وَقَعَ مَا أَرَادَ، وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ أَنَّ مُوسَى قَالَهَا عِنْدَمَا وَعَدَ الْخَضِرَ أَنَّهُ يَصْبِرُ عَمَّا يَرَاهُ مِنْهُ وَلَا يَسْأَلُهُ عَنْهُ وَمَعَ ذَلِكَ فَلَمْ يَصْبِرْ كَمَا أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى، لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يَقُصَّ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا. وَقَدْ مَضَى ذَلِكَ مَبْسُوطًا فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ طه، وَقَدْ قَالَهَا الذَّبِيحُ فَوَقَعَ مَا ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ : ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ فَصَبَرَ حَتَّى فَدَاهُ اللَّهُ بِالذِّبْحِ، وَقَدْ سُئِلَ بَعْضُهُمْ عَنِ الْفَرْقِ بَيْنَ الْكَلِيمِ وَالذَّبِيحِ فِي ذَلِكَ فَأَشَارَ إِلَى أَنَّ الذَّبِيحَ بَالَغَ فِي التَّوَاضُعِ فِي قَوْلِهِ: ﴿مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ حَيْثُ جَعَلَ نَفْسَهُ وَاحِدًا مِنْ جَمَاعَةٍ، فَرَزَقَهُ اللَّهُ الصَّبْرَ. قُلْتُ وَقَدْ وَقَعَ لِمُوسَى أَيْضًا نَظِيرُ ذَلِكَ مَعَ شُعَيْبٍ، حَيْثُ قَالَ لَهُ: ﴿سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ﴾ فَرَزَقَهُ اللَّهُ ذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (وَكَانَ دَرَكًا) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ أَيْ لَحَاقًا، يُقَالُ: أَدْرَكَهُ إِدْرَاكًا وَدَرَكًا، وَهُوَ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ: لَمْ يَحْنَثْ.

قَوْلُهُ: (قَالَ: وَحَدَّثَنَا أَبُو الزِّنَادِ)، الْقَائِلُ هُوَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، وَقَدْ أَفْصَحَ بِهِ مُسْلِمٌ فِي رِوَايَتِهِ، وَهُوَ مَوْصُولٌ بِالسَّنَدِ الْأَوَّلِ أَيْضًا، وَفَرَّقَهُ أَبُو نُعَيْمٍ فِي الْمُسْتَخْرَجِ مِنْ طَرِيقِ الْحُمَيْدِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بِهِمَا.

قَوْلُهُ: (مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ)، أَيِ: الَّذِي سَاقَهُ مِنْ طَرِيقِ طَاوُسٍ عَنْهُ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ لِسُفْيَانَ فِيهِ سَنَدَيْنِ إِلَى أَبِي هُرَيْرَةَ: هِشَامٌ، عَنْ طَاوُسٍ، وَأَبُو الزِّنَادِ، عَنِ الْأَعْرَجِ. وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ بَدَلَ قَوْلِهِ: مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ بِلَفْظِ: عَنِ الْأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ مِثْلُهُ. أَوْ نَحْوُهُ. وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ نَفْيُ احْتِمَالِ الْإِرْسَالِ فِي سِيَاقِ الْبُخَارِيِّ لِكَوْنِهِ اقْتَصَرَ عَلَى قَوْلِهِ: عَنِ الْأَعْرَجِ مِثْلُ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ أَيْضًا احْتِمَالُ الْمُغَايَرَةِ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فِي