شَيْءٌ، وَلِذَلِكَ قَالَ: وَمَا عِنْدِي مَا أَحْمِلُكُمْ.
قَالَ الْعُلَمَاءُ فِي قَوْلِهِ: مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ، وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ، الْمَعْنَى بِذَلِكَ إِزَالَةُ الْمِنَّةِ عَنْهُمْ وَإِضَافَةُ النِّعْمَةِ لِمَالِكِهَا الْأَصْلِيِّ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ لَا صُنْعَ لَهُ أَصْلًا فِي حَمْلِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ مَا قَالَ بَعْدَ ذَلِكَ: لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَكَفَّرْتُ. وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: مَعْنَى قَوْلِهِ: إِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ: إِنَّ اللَّهَ أَعْطَانِي مَا حَمَلْتُكُمْ عَلَيْهِ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدِي مَا حَمَلْتُكُمْ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ نَسِيَ يَمِينَهُ وَالنَّاسِي لَا يُضَافُ إِلَيْهِ الْفِعْلُ، وَيَرُدُّهُ التَّصْرِيحُ بِقَوْلِهِ: وَاللَّهِ مَا نَسِيتُهَا، وَهِيَ عِنْدَ مُسْلِمٍ كَمَا بَيَّنْتُهُ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ عَنْهُ وَالْإِثْبَاتُ لِلَّهِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا تَفَضَّلَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْغَنِيمَةِ الْمَذْكُورَةِ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ بِتَسَبُّبٍ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ وَلَا كَانَ مُتَطَلِّعًا إِلَيْهَا وَلَا مُنْتَظِرًا لَهَا، فَكَانَ الْمَعْنَى: مَا أَنَا حَمَلْتُكُمْ لِعَدَمِ ذَلِكَ أَوَّلًا وَلَكِنَّ اللَّهَ حَمَلَكُمْ بِمَا سَاقَهُ إِلَيْنَا مِنْ هَذِهِ الْغَنِيمَةِ.
قَوْلُهُ: (تَابَعَهُ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، وَالْقَاسِمِ بْنُ عَاصِمٍ الْكُلَيْبِيِّ). قَالَ الْكَرْمَانِيُّ: إِنَّمَا أَتَى بِلَفْظِ تَابَعَهُ أَوَّلًا وَبِـ حَدَّثَنَا ثَانِيًا وَثَالِثًا إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْأَخِيرَيْنِ حَدَّثَاهُ بِالِاسْتِقْلَالِ وَالْأَوَّلَ مَعَ غَيْرِهِ، قَالَ: وَالْأَوَّلُ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِخِلَافِهِمَا. قُلْتُ: لَمْ يَظْهَرْ لِي مَعْنَى قَوْلِهِ: مَعَ غَيْرِهِ، وَقَوْلُهُ: يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّهُ يَحْتَمِلُ عَدَمَ التَّعْلِيقِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ فِي حُكْمِ التَّعْلِيقِ؛ لِأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَمْ يُدْرِكْ حَمَّادًا، وَقَدْ وَصَلَ الْمُصَنِّفُ مُتَابَعَةَ حَمَّادِ بْنِ زَيْدٍ فِي فَرْضِ الْخُمُسِ، ثُمَّ إِنَّ هَذِهِ الْمُتَابَعَةَ وَقَعَتْ فِي الرِّوَايَةِ عَنِ الْقَاسِمِ فَقَطْ، وَلَكِنْ زَادَ حَمَّادٌ ذِكْرَ أَبِي قِلَابَةَ مَضْمُومًا إِلَى الْقَاسِمِ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ) هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْمَجِيدِ الثَّقَفِيُّ.
قَوْلُهُ: (بِهَذَا) أَيْ بِجَمِيعِ الْحَدِيثِ، وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَى أَنَّ رِوَايَةَ حَمَّادٍ وَعَبْدِ الْوَهَّابِ مُتَّفِقَتَانِ فِي السِّيَاقِ، وَقَدْ سَاقَ رِوَايَةَ قُتَيْبَةَ هَذِهِ فِي بَابُ لَا تَحْلِفُوا بِآبَائِكُمْ تَامَّةً، وَقَدْ سَاقَهَا أَيْضًا فِي أَوَاخِرِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْوَهَّابِ الْحَجْبِيِّ، عَنِ الثَّقَفِيِّ وَلَيْسَ بَعْدَ الْبَابِ الَّذِي سَاقَهَا فِيهِ مِنَ الْبُخَارِيِّ سِوَى بَابَيْنِ فَقَطْ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ) تَقَدَّمَ سِيَاقُ رِوَايَتِهِ فِي كِتَابِ الذَّبَائِحِ، وَقَدْ بَيَّنْتُ مَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَاتِ مِنَ التَّخَالُفِ مُفَصَّلًا، وَفِي الْحَدِيثِ غَيْرُ مَا تَقَدَّمَ تَرْجِيحُ الْحِنْثِ فِي الْيَمِينِ إِذَا كَانَ خَيْرًا مِنَ التَّمَادِي، وَأَنَّ تَعَمُّدَ الْحِنْثِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ يَكُونُ طَاعَةً لَا مَعْصِيَةً، وَجَوَازُ الْحَلِفِ مِنْ غَيْرِ اسْتِحْلَافٍ لِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ وَلَوْ كَانَ مُسْتَقْبَلًا وَهُوَ يَقْتَضِي الْمُبَالَغَةَ فِي تَرْجِيحِ الْحِنْثِ بِشَرْطِهِ الْمَذْكُورِ، وَفِيهِ تَطْيِيبُ قُلُوبِ الْأَتْبَاعِ، وَفِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ بِـ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَبَرُّكًا، فَإِنْ قَصَدَ بِهَا حَلَّ الْيَمِينِ صَحَّ بِشَرْطِهِ الْمُتَقَدِّمِ.
وَتَابَعَهُ يُونُسُ وَسِمَاكُ بْنُ عَطِيَّةَ وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ وَحُمَيْدٌ وَقَتَادَةُ وَمَنْصُورٌ وَهِشَامٌ وَالرَّبِيعُ.
قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ) هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدِ بْنِ فَارِسِ بْنِ ذُؤَيْبٍ الذُّهْلِيُّ الْحَافِظُ الْمَشْهُورُ فِيمَا جَزَمَ بِهِ الْمِزِّيُّ، وَقَالَ: نَسَبَهُ إِلَى جَدِّهِ. وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ: لَمْ أَرَهُ مَنْسُوبًا فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ. قُلْتُ: وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ فِي بَدْءِ الْخَلْقِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَخْرَمِيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي الثَّلْجِ، وَهُمَا مِنْ هَذِهِ الطَّبَقَةِ، وَرَوَى أَيْضًا فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حَوْشَبٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الرَّقَاشِيِّ وَهُمْ أَعْلَى مِنْ طَبَقَةِ الْمَخْرَمِيِّ وَمَنْ مَعَهُ، وَرُوِيَ أَيْضًا بِوَاسِطَةٍ تَارَةً وَبِغَيْرِ وَاسِطَةٍ أُخْرَى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، وَهُوَ أَعْلَى مِنْ طَبَقَةِ ابْنِ نُمَيْرٍ وَمَنْ ذُكِرَ مَعَهُ فَقَدْ ثَبَتَ هَذَا الْحَدِيثُ بِعَيْنِهِ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنِ ابْنِ عَوْنٍ شَيْخِ عُثْمَانَ بْنِ عُمَرَ شَيْخِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمَذْكُورِ فِي هَذَا الْبَابِ، فَعَلَى هَذَا لَمْ يَتَعَيَّنْ مَنْ هُوَ شَيْخُ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَابْنُ عَوْنٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ الْمَشْهُورُ، وَقَوْلُهُ فِي آخِرِ الْحَدِيثِ: تَابَعَهُ أَشْهَلُ بِالْمُعْجَمَةِ وَزْنُ أَحْمَرَ: عَنِ ابْنِ عَوْنٍ وَقَعَتْ رِوَايَتُهُ مَوْصُولَةً عِنْدَ أَبِي عَوَانَةَ، وَالْحَاكِمِ، وَالْبَيْهَقِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي قِلَابَةَ الرَّقَاشِيِّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيُّ، وَأَشْهَلُ بْنُ حَاتِمٍ، قَالَا: أَنْبَأَنَا ابْنُ عَوْنٍ بِهِ.
قَوْلُهُ: وَتَابَعَهُ يُونُسُ، وَسِمَاكُ بْنُ عَطِيَّةَ، وَسِمَاكُ بْنُ حَرْبٍ، وَحُمَيْدٌ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute