للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مِنَ الدُّنْيَا أَمْكَنُ لِحِفْظِهِ. وَفِيهِ فَضِيلَةُ التَّكَسُّبِ لِمَنْ لَهُ عِيَالٌ، وَفِيهِ جَوَازُ إِخْبَارِ الْمَرْءِ بِمَا فِيهِ مِنْ فَضِيلَةٍ إِذَا اضْطُرَّ إِلَى ذَلِكَ وَأَمِنَ مِنَ الْإِعْجَابِ.

قَوْلُهُ: (ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ بِهَذَا) أَشْكَلَ قَوْلُهُ بِهَذَا عَلَى بَعْضِ الشَّارِحِينَ؛ لِأَنَّ ابْنَ أَبِي فُدَيْكٍ لَمْ يَتَقَدَّمْ لَهُ ذِكْرٌ، وَقَدْ ظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ الْمَذْكُورُ قَبْلُ، فَيَكُونُ مُرَادُهُ أَنَّ السِّيَاقَيْنِ مُتَّحِدَانِ إِلَّا فِي اللَّفْظَةِ الْمُبَيَّنَةِ فِيهِ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ ; لِأَنَّ ابْنَ أَبِي فُدَيْكٍ اسْمُهُ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ بْنِ مُسْلِمٍ وَهُوَ لَيْثِيٌّ (١) يُكَنَّى أَبَا إِسْمَاعِيلَ. وَابْنُ دِينَارٍ جُهَنِيٌّ يُكَنَّى أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لَكِنِ اشْتَرَكَا فِي الرِّوَايَةِ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ لِهَذَا الْحَدِيثِ وَلِغَيْرِهِ، وَفِي كَوْنِهِمَا مَدَنِيَّيْنِ، وَجَوَّزَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَكُونَ الْحَدِيثُ عِنْدَ الْمُصَنِّفِ بِإِسْنَادٍ آخَرَ عَنِ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ غَفْلَةٌ عَمَّا عِنْدَ الْمُصَنِّفِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ فَقَدْ سَاقَهُ بِالْإِسْنَادِ الْمَذْكُورِ، وَالْمَتْنُ مِنْ غَيْرِ تَغْيِيرٍ إِلَّا فِي قَوْلِهِ: بِيَدَيْهِ فَإِنَّهُ ذَكَرَهَا بِالْإِفْرَادِ، وَقَالَ فِيهَا أَيْضًا: فَغَرَفَ وَهِيَ رِوَايَةُ الْأَكْثَرِينَ فِي حَدِيثِ الْبَابِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي وَحْدَهُ فَحَذَفَ بَدَلَ فَغَرَفَ، وَهُوَ تَصْحِيفٌ لِمَا وَضَحَ فِي سِيَاقِهِ فِي عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ. وَقَدْ رَوَاهُ ابْنُ سَعْدٍ فِي الطَّبَقَاتِ عَنِ ابْنِ أَبِي فُدَيْكٍ، فَقَالَ: فَغَرَفَ.

١٢٠ - حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَخِي، عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وِعَاءَيْنِ: فَأَمَّا أَحَدُهُمَا فَبَثَثْتُهُ، وَأَمَّا الْآخَرُ فَلَوْ بَثَثْتُهُ قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ) هُوَ ابْنُ أَبِي أُوَيْسٍ (حَدَّثَنِي أَخِي) هُوَ أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْحَمِيدِ.

قَوْلُهُ: (حَفِظْتُ عَنْ) وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ بَدَلَ عَنْ، وَهِيَ أَصْرَحُ فِي تَلَقِّيهِ مِنَ النَّبِيِّ بِلَا وَاسِطَةٍ.

قَوْلُهُ: (وِعَاءَيْنِ) أَيْ ظَرْفَيْنِ، أَطْلَقَ الْمَحَلَّ وَأَرَادَ بِهِ الْحَالَّ، أَيْ: نَوْعَيْنِ مِنَ الْعِلْمِ، وَبِهَذَا التَّقْرِيرِ يَنْدَفِعُ إِيرَادُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ هَذَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ فِي الْحَدِيثِ الْمَاضِي كُنْتُ لَا أَكْتُبُ، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّ مَحْفُوظَهُ مِنَ الْحَدِيثِ لَوْ كُتِبَ لَمَلَأَ وِعَاءَيْنِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَمْلَى حَدِيثَهُ عَلَى مَنْ يَثِقُ بِهِ فَكَتَبَهُ لَهُ وَتَرَكَهُ عِنْدَهُ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى. وَوَقَعَ فِي الْمُسْنَدِ عَنْهُ حَفِظْتُ ثَلَاثَةَ أَجْرِبَةٍ، بَثَثْتُ مِنْهَا جِرَابَيْنِ. وَلَيْسَ هَذَا مُخَالِفًا لِحَدِيثِ الْبَابِ؛ لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ أَحَدَ الْوِعَاءَيْنِ كَانَ أَكْبَرَ مِنَ الْآخَرِ بِحَيْثُ يَجِيءُ مَا فِي الْكَبِيرِ فِي جِرَابَيْنِ وَمَا فِي الصَّغِيرِ فِي وَاحِدٍ. وَوَقَعَ فِي الْمُحَدِّثِ الْفَاضِلِ لِلرَّامَهُرْمُزِي مِنْ طَرِيقٍ مُنْقَطِعَةٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ خَمْسَةَ أَجْرِبَةٍ، وَهُوَ - إِنْ ثَبَتَ - مَحْمُولٌ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ. وَعُرِفَ مِنْ هَذَا أَنَّ مَا نَشَرَهُ مِنَ الْحَدِيثِ أَكْثَرُ مِمَّا لَمْ يَنْشُرْهُ.

قَوْلُهُ: (بَثَثْتُهُ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْمُثَلَّثَةِ وَبَعْدَهَا مُثَلَّثَةٌ سَاكِنَةٌ تُدْغَمُ فِي الْمُثَنَّاةِ الَّتِي بَعْدَهَا أَيْ: أَذَعْتُهُ وَنَشَرْتُهُ، زَادَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ: فِي النَّاسِ.

قَوْلُهُ: (قُطِعَ هَذَا الْبُلْعُومُ) زَادَ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ - يَعْنِي الْمُصَنِّفَ - الْبُلْعُومُ مَجْرَى الطَّعَامِ، وَهُوَ بِضَمِّ الْمُوَحَّدَةِ، وَكَنَّى بِذَلِكَ عَنِ الْقَتْلِ. وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ لَقُطِعَ هَذَا يَعْنِي رَأْسَهُ. وَحَمَلَ الْعُلَمَاءُ الْوِعَاءَ الَّذِي لَمْ يَبُثَّهُ عَلَى الْأَحَادِيثِ الَّتِي فِيهَا تَبْيِينُ أَسَامِي أُمَرَاءِ السُّوءِ وَأَحْوَالِهِمْ وَزَمَنِهِمْ، وَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَكُنِّي عَنْ بَعْضِهِ، وَلَا يُصَرِّحُ بِهِ خَوْفًا عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُمْ، كَقَوْلِهِ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ رَأْسِ السِّتِّينَ وَإِمَارَةِ الصِّبْيَانِ، يُشِيرُ إِلَى خِلَافَةِ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ سَنَةَ سِتِّينَ مِنَ الْهِجْرَةِ. وَاسْتَجَابَ اللَّهُ دُعَاءَ أَبِي هُرَيْرَةَ فَمَاتَ قَبْلَهَا بِسَنَةٍ، وَسَتَأْتِي الْإِشَارَةُ إِلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ أَيْضًا فِي كِتَابِ الْفِتَنِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: جَعَلَ الْبَاطِنِيَّةُ هَذَا الْحَدِيثَ ذَرِيعَةً إِلَى تَصْحِيحِ بَاطِلِهِمْ حَيْثُ اعْتَقَدُوا أَنَّ لِلشَّرِيعَةِ ظَاهِرًا وَبَاطِنًا، وَذَلِكَ الْبَاطِنُ إِنَّمَا حَاصِلُهُ الِانْحِلَالُ مِنَ الدِّينِ. قَالَ:


(١) في تهذيب التهذيب وتقريب التهذيب"ديلي"