للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وَالْعَاهِرُ فَالْوَلَدُ لِرَبِّ الْفِرَاشِ.

قُلْتُ: وَالثَّانِي مُنْطَبِقٌ عَلَى خُصُوصِ الْوَاقِعَةِ وَالْأَوَّلُ أَعَمُّ.

قَوْلُهُ: (فَتَسَاوَقَا) أَيْ تَلَازَمَا فِي الذَّهَابِ بِحَيْثُ إِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا كَانَ كَالَّذِي يَسُوقُ الْآخَرَ.

قَوْلُهُ: (هُوَ لَكَ يَا عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ضَبْطُ عَبْدٍ وَأَنَّهُ يَجُوزُ فِيهِ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ، وَأَمَّا ابْنُ فَهُوَ مَنْصُوبٌ عَلَى الْحَالَيْنِ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ هُوَ لَكَ عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ بِحَذْفِ حَرْفِ النِّدَاءِ، وَقَرَأَهُ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ بِالتَّنْوِينِ وَهُوَ مَرْدُودٌ فَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ الْمُعَلَّقَةِ فِي الْمَغَازِي: هُوَ لَكَ، هُوَ أَخُوكَ يَا عَبْدُ، وَوَقَعَ لِمُسَدَّدٍ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ هُوَ أَخُوكَ يَا عَبْدُ.

قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَثْبُتُ الْأَمَةُ فِرَاشًا عِنْدَ أَهْلِ الْحِجَازِ إِنْ أَقَرَّ سَيِّدُهَا أَنَّهُ كَانَ يُلِمُّ بِهَا، وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ إِنْ أَقَرَّ سَيِّدُهَا بِالْوَلَدِ، وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: يَتَعَلَّقُ بِهَذَا الْحَدِيثِ اسْتِلْحَاقُ الْأَخِ لِأَخِيهِ، وَهُوَ صَحِيحٌ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ وَارِثٌ سِوَاهُ، وَقَدْ تَعَلَّقَ أَصْحَابُهُ بِهَذَا الْحَدِيثِ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ أَنَّ زَمْعَةَ ادَّعَاهُ وَلَدًا وَلَا اعْتَرَفَ بِوَطْءِ أُمِّهِ، فَكَانَ الْمُعَوَّلُ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى اسْتِلْحَاقِ عَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ، قَالَ: وَعِنْدَنَا لَا يَصِحُّ اسْتِلْحَاقُ الْأَخِ، وَلَا حُجَّةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ ثَبَتَ عِنْدَ النَّبِيِّ أَنَّ زَمْعَةَ كَانَ يَطَأُ أَمَتَهُ فَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِهِ لِأَنَّ مَنْ ثَبَتَ وَطْؤُهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِالْوَطْءِ، وَإِنَّمَا يَصْعُبُ هَذَا عَلَى الْعِرَاقِيِّينَ وَيَعْسُرُ عَلَيْهِمُ الِانْفِصَالُ عَمَّا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ لِمَا قَرَّرْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِزَمْعَةَ وَلَدٌ مِنَ الْأَمَةِ الْمَذْكُورَةِ سَابِقٌ، وَمُجَرَّدُ الْوَطْءِ لَا عِبْرَةَ بِهِ عِنْدَهُمْ فَيَلْزَمُهُمْ تَسْلِيمُ مَا قَالَ الشَّافِعِيُّ.

قَالَ: وَلَمَّا ضَاقَ عَلَيْهِمُ الْأَمْرُ قَالُوا الرِّوَايَةُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ هُوَ لَكَ عَبْدُ بْنَ زَمْعَةَ وَحَذَفَ حَرْفَ النِّدَاءِ بَيْنَ عَبْدٍ، وَابْنِ زَمْعَةَ، وَالْأَصْلُ: يَا ابْنَ زَمْعَةَ، قَالُوا: وَالْمُرَادُ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يُلْحَقُ بِزَمْعَةَ بَلْ هُوَ عَبْدٌ لِوَلَدِهِ ; لِأَنَّهُ وَارِثُهُ وَلِذَلِكَ أَمَرَ سَوْدَةَ بِالِاحْتِجَابِ مِنْهُ لِأَنَّهَا لَمْ تَرِثْ زَمْعَةَ ; لِأَنَّهُ مَاتَ كَافِرًا وَهِيَ مُسْلِمَةٌ، قَالَ: وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ الَّتِي ذَكَرُوهَا غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَلَوْ وَرَدَتْ لَرَدَدْنَاهَا إِلَى الرِّوَايَةِ الْمَشْهُورَةِ، وَقُلْنَا: بَلِ الْمَحْذُوفُ حَرْفُ النِّدَاءِ بَيْنَ لَكَ وَعَبْدٍ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ صَاحِبِ يُوسُفَ حَيْثُ قَالَ: ﴿يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا﴾ انْتَهَى.

وَقَدْ سَلَكَ الطَّحَاوِيُّ فِيهِ مَسْلَكًا آخَرَ فَقَالَ: مَعْنَى قَوْلِهِ: هُوَ لَكَ أَيْ يَدُكَ عَلَيْهِ لَا أَنَّكَ تَمْلِكُهُ، وَلَكِنْ تَمْنَعُ غَيْرَكَ مِنْهُ إِلَى أَنْ يَتَبَيَّنَ أَمْرُهُ كَمَا قَالَ لِصَاحِبِ اللُّقَطَةِ هِيَ لَكَ وَقَالَ لَهُ إِذَا جَاءَ صَاحِبُهَا فَأَدِّهَا إِلَيْهِ، قَالَ وَلَمَّا كَانَتْ سَوْدَةُ شَرِيكَةٌ لِعَبْدٍ فِي ذَلِكَ لَكِنْ لَمْ يُعْلَمْ مِنْهَا تَصْدِيقُ ذَلِكَ وَلَا الدَّعْوَى بِهِ أَلْزَمَ عَبْدًا بِمَا أَقَرَّ بِهِ عَلَى نَفْسِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ حُجَّةً عَلَيْهَا فَأَمَرَهَا بِالِاحْتِجَابِ، وَكَلَامُهُ كُلُّهُ مُتَعَقَّبٌ بِالرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ الْمُصَرَّحِ فِيهَا بِقَوْلِهِ: هُوَ أَخُوكَ فَإِنَّهَا رَفَعَتِ الْإِشْكَالَ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَقِفْ عَلَيْهَا، وَلَا عَلَى حَدِيثِ ابْنِ الزُّبَيْرِ، وَسَوْدَةَ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ سَوْدَةَ وَافَقَتْ أَخَاهَا عَبْدًا فِي الدَّعْوَى بِذَلِكَ.

قَوْلُهُ: (الْوَلَدُ لِلْفِرَاشِ وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ) تَقَدَّمَ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ تَعْلِيقًا مِنْ رِوَايَةِ يُونُسَ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : الْوَلَدُ إِلَخْ وَهَذَا مُنْقَطِعٌ، وَقَدْ وَصَلَهُ غَيْرُهُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ يُونُسَ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَكَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ يَصِيحُ بِذَلِكَ، وَقَدْ قَدَّمْتُ هُنَاكَ أَنَّ مُسْلِمًا أَخْرَجَهُ مَوْصُولًا مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَأَبِي سَلَمَةَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَوْلُهُ: وَلِلْعَاهِرِ الْحَجَرُ أَيْ لِلزَّانِي الْخَيْبَةُ وَالْحِرْمَانُ، وَالْعَهَرُ - بِفَتْحَتَيْنِ - الزِّنَا، وَقِيلَ يَخْتَصُّ بِاللَّيْلِ، وَمَعْنَى الْخَيْبَةِ هُنَا حِرْمَانُ الْوَلَدِ الَّذِي يَدَّعِيهِ، وَجَرَتْ عَادَةُ الْعَرَبِ أَنْ تَقُولَ لِمَنْ خَابَ: لَهُ الْحَجَرُ وَبِفِيهِ الْحَجَرُ وَالتُّرَابُ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْحَجَرِ هُنَا أَنَّهُ يُرْجَمُ.

قَالَ النَّوَوِيُّ: وَهُوَ ضَعِيفٌ ; لِأَنَّ الرَّجْمَ مُخْتَصٌّ بِالْمُحْصَنِ، وَلِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ رَجْمِهِ نَفْيُ الْوَلَدِ، وَالْخَبَرُ إِنَّمَا سِيقَ لِنَفْيِ الْوَلَدِ. وَقَالَ السُّبْكِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَشْبَهُ بِمَسَاقِ الْحَدِيثِ لِتَعُمَّ الْخَيْبَةُ كُلَّ زَانٍ، وَدَلِيلُ الرَّجْمِ، مَأْخُوذٌ مِنْ مَوْضِعٍ آخَرَ فَلَا حَاجَةَ لِلتَّخْصِيصِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ.

قُلْتُ: وَيُؤَيِّدُ