للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

غَيْرُهُ إِنَّ التَّعْبِيرَ بِالْإِذْنِ لَيْسَ لِتَقْيِيدِ الْحُكْمِ بِعَدَمِ الْإِذْنِ وَقَصْرِهِ عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا وَرَدَ الْكَلَامُ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ الْغَالِبُ انْتَهَى.

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُ مَنْ تَوَلَّى شَامِلًا لِلْمَعْنَى الْأَعَمِّ مِنَ الْمُوَالَاةِ، وَأَنَّ مِنْهَا مُطْلَقَ النُّصْرَةِ وَالْإِعَانَةِ وَالْإِرْثِ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ: بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ يَتَعَلَّقُ بِمَفْهُومِهِ بِمَا عَدَا الْمِيرَاثَ، وَدَلِيلُ إِخْرَاجِهِ حَدِيثُ إِنَّمَا الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى.

وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ لَحَظَ هَذَا فَعَقَّبَ الْحَدِيثَ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ فِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ، فَإِنَّهُ يُؤْخَذُ مِنْهُ عَدَمُ اعْتِبَارِ الْإِذْنِ فِي ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، لِأَنَّهُ إِذَا مُنِعَ السَّيِّدُ مِنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ مَعَ مَا تَحَصَّلَ لَهُ مِنَ الْعِوَضِ وَمِنْ هِبَتِهِ مَعَ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْمَانَّةِ بِذَلِكَ فَمَنْعُهُ مِنَ الْإِذْنِ بِغَيْرِ عِوَضٍ، وَلَا مَانَّةٍ أَوْلَى، وَهُوَ مُنْدَرِجٌ فِي الْهِبَةِ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ انْتِمَاءَ الْمَوْلَى مِنْ أَسْفَلُ إِلَى غَيْرِ مَوْلَاهُ مِنْ فَوْق حَرَامٌ لِمَا فِيهِ مِنْ كُفْرِ النِّعْمَةِ وَتَضْيِيعِ حَقِّ الْإِرْثِ بِالْوَلَاءِ وَالْعَقْلِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَبِهِ اسْتَدَلَّ مَالِكٌ عَلَى مَا ذَكَرَهُ عَنْهُ ابْنُ وَهْبٍ فِي مُوَطَّئِهِ قَالَ: سُئِلَ عَنْ عَبْدٍ يَبْتَاعُ نَفْسَهُ مِنْ سَيِّدِهِ عَلَى أَنَّهُ يُوَالِي مَنْ شَاءَ فَقَالَ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ، وَاحْتَجَّ بِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ ثُمَّ قَالَ: فَتِلْكَ الْهِبَةُ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا.

وَقَدْ شَذَّ عَطَاءُ بْنُ أَبِي رَبَاحٍ بِالْأَخْذِ بِمَفْهُومِ هَذَا الْحَدِيثِ فَقَالَ فِيمَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْهُ: إِنْ أَذِنَ الرَّجُلُ لِمَوْلَاهُ أَنْ يُوَالِيَ مَنْ شَاءَ جَازَ، وَاسْتُدِلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ، قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ عَلَى خِلَافِ مَا قَالَ عَطَاءٌ، قَالَ: وَيُحْمَلِ حَدِيثُ عَلِيٍّ عَلَى أَنَّهُ جَرَى عَلَى الْغَالِبِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ﴾ وَقَدْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ قَتْلَ الْوَلَدِ حَرَامٌ سَوَاءٌ خَشِيَ الْإِمْلَاقَ أَمْ لَا، وَهُوَ مَنْسُوخٌ بِحَدِيثِ النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ.

قُلْتُ: قَدْ سَبَقَ عَطَاءً إِلَى الْقَوْلِ بِذَلِكَ عُثْمَانُ، فَرَوَى ابْنُ الْمُنْذِرِ أَنَّ عُثْمَانَ اخْتَصَمُوا إِلَيْهِ فِي نَحْوِ ذَلِكَ فَقَالَ لِلْعَتِيقِ: وَالِ مَنْ شِئْتَ، وَأَنَّ مَيْمُونَةَ وَهَبَتْ وَلَاءَ مَوَالِيهَا لِلْعَبَّاسِ وَوَلَدِهِ، وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ مُقَدَّمٌ عَلَى جَمِيعِ ذَلِكَ فَلَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْ هَؤُلَاءِ أَوْ بَلَغَهُمْ وَتَأَوَّلُوهُ وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى خِلَافِ قَوْلِهِمْ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْعَتِيقِ أَنْ يَكْتُبَ: فُلَانُ ابْنُ فُلَانٍ وَيُسَمِّيَ نَفْسَهُ وَمَوْلَاهُ الَّذِي أَعْتَقَهُ، بَلْ يَقُولُ: فُلَانٌ مَوْلَى فُلَانٍ، وَلَكِنْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنْتَسِبَ إِلَى نَسَبِهِ كَالْقُرَشِيِّ وَغَيْرِهِ، قَالَ: وَالْأَوْلَى أَنْ يُفْصِحَ بِذَلِكَ أَيْضًا كَأَنْ يَقُولَ: الْقُرَشِيُّ بِالْوَلَاءِ أَوْ مَوْلَاهُمْ. قَالَ: وَفِيهِ أَنَّ مَنْ عَلِمَ ذَلِكَ وَفَعَلَهُ سَقَطَتْ شَهَادَتُهُ لِمَا تَرَتَّبَ عَلَيْهِ مِنَ الْوَعِيدِ وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ وَالِاسْتِغْفَارُ. وَفِيهِ جَوَازُ لَعْنِ أَهْلِ الْفِسْقِ عُمُومًا، وَلَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ.

رَابِعُهَا: وَذِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي كِتَابِ الْجِزْيَةِ، وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ الثَّانِيِ فَقَدْ مَضَى فِي كِتَابِ الْعِتْقِ وَأَحَلْتُ بِشَرْحِهِ عَلَى مَا هُنَا.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هُوَ الثَّوْرِيُّ.

قَوْلُهُ: (عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ) هَكَذَا قَالَ الْحُفَّاظُ مِنْ أَصْحَابِ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْهُ، مِنْهُمْ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، وَوَكِيعٌ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَغَيْرُهُمْ.

قَوْلُهُ: (عَنِ ابْنِ عُمَرَ) فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ أَحْمَدَ بْنِ سِنَانٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ، عَنْ شُعْبَةَ، وَسُفْيَانَ، عَنِ ابْنِ دِينَارٍ: سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ، وَقَدِ اشْتُهِرَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ حَتَّى قَالَ مُسْلِمٌ لَمَّا أَخْرَجَهُ فِي صَحِيحِهِ: النَّاسُ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عِيَالٌ عَلَيْهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ بَعْدَ تَخْرِيجِهِ: حَسَنٌ صَحِيحٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ رَوَاهُ عَنْهُ سَعِيدٌ، وَسُفْيَانُ، وَمَالِكٌ، وَيُرْوَى عَنْ شُعْبَةَ أَنَّهُ قَالَ: وَدِدْتُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ دِينَارٍ لَمَّا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَذِنَ لِي حَتَّى كُنْتُ أَقُومُ إِلَيْهِ فَأُقَبِّلُ رَأْسَهُ.

قَالَ التِّرْمِذِيُّ: وَرَوَى يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ.

قُلْتُ: وَصَلَ رِوَايَةَ يَحْيَى بْنِ سُلَيْمٍ، ابْنُ مَاجَهْ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ؛ فَقَدْ تَابَعَهُ أَبُو ضَمْرَةَ أَنَسُ بْنُ عِيَاضٍ، وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأُمَوِيُّ كِلَاهُمَا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، أَخْرَجَهُ أَبُو عَوَانَةَ فِي صَحِيحِهِ مِنْ طَرِيقِهِمَا، لَكِنْ قَرَنَ كُلٌّ مِنْهُمَا نَافِعًا، بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ،