للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لِتَرْجَمَةِ مَنِ ادَّعَى أَخًا أَوِ ابْنَ أَخٍ وَلَا إِشْكَالَ فِيهِ، وَأَمَّا التَّرْجَمَتَانِ فَسَقَطَتْ إِحْدَاهُمَا عِنْدَ بَعْضٍ وَثَبَتَتْ عِنْدَ بَعْضٍ.

قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: لَمْ يُدْخِلِ الْبُخَارِيُّ تَحْتَ هَذَا الرَّسْمِ حَدِيثًا، وَمَذْهَبُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْعَبْدَ النَّصْرَانِيَّ إِذَا مَاتَ فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ بِالرِّقِّ؛ لِأَنَّ مِلْكَ الْعَبْدِ غَيْرُ صَحِيحٍ وَلَا مُسْتَقِرٍّ، فَهُوَ مَالُ السَّيِّدِ يَسْتَحِقُّهُ لَا بِطَرِيقِ الْمِيرَاثِ وَإِنَّمَا يَسْتَحِقُّ بِطَرِيقِ الْمِيرَاثِ مَا يَكُونُ مِلْكًا مُسْتَقِرًّا لِمَنْ يُورَثُ عَنْهُ.

وَعَنِ ابْنِ سِيرِينَ: مَالُهُ لِبَيْتِ الْمَالِ وَلَيْسَ لِلسَّيِّدِ فِيهِ شَيْءٌ لِاخْتِلَافِ دِينِهِمَا، وَأَمَّا الْمُكَاتَبُ فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَدَاءِ كِتَابَتِهِ وَكَانَ فِي مَالِهِ وَفَاءٌ لِبَاقِي كِتَابَتِهِ أُخِذَ ذَلِكَ فِي كِتَابَتِهِ فَمَا فَضَلَ فَهُوَ لِبَيْتِ الْمَالِ.

قُلْتُ: وَفِي مَسْأَلَةِ الْمُكَاتَبِ خِلَافٌ يَنْشَأُ مِنَ الْخِلَافِ فِيمَنْ أَدَّى بَعْضَ كِتَابَتِهِ هَلْ يَعْتِقُ مِنْهُ بِقَدْرِ مَا أَدَّى أَوْ يَسْتَمِرُّ عَلَى الرِّقِّ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ شَيْءٌ؟ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَى ذَلِكَ فِي كِتَابِ الْعِتْقِ.

وَقَالَ ابْنُ الْمُنِيرِ: يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْبُخَارِيُّ أَرَادَ أَنْ يُدْرِجَ هَذِهِ التَّرْجَمَةَ تَحْتَ الْحَدِيثِ الَّذِي قَبْلَهَا؛ لِأَنَّ النَّظَرَ فِيهِ مُحْتَمَلٌ كَأَنْ يُقَالَ يَأْخُذُ الْمَالَ لِأَنَّ الْعَبْدَ مِلْكُهُ وَلَهُ انْتِزَاعُهُ مِنْهُ حَيًّا فَكَيْفَ لَا يَأْخُذُهُ مَيِّتًا؟

وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ لَا يَأْخُذُهُ لِعُمُومِ لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ.

قُلْتُ: وَتَوْجِيهُهُ مَا تَقَدَّمَ، وَجَرَى الْكِرْمَانِيُّ عَلَى مَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي نُعَيْمٍ فَقَالَ: هَاهُنَا ثَلَاثُ تَرَاجِمَ مُتَوَالِيَةٌ وَالْحَدِيثُ ظَاهِرٌ لِلثَّالِثَةِ وَهِيَ مَنِ ادَّعَى أَخًا أَوِ ابْنَ أَخٍ، قَالَ: وَهَذَا يُؤَيِّدُ مَا ذَكَرُوا أَنَّ الْبُخَارِيَّ تَرْجَمَ لِأَبْوَابٍ وَأَرَادَ أَنْ يُلْحِقَ بِهَا الْأَحَادِيثَ فَلَمْ يَتَّفِقْ لَهُ إِتْمَامُ ذَلِكَ، وَكَانَ أَخْلَى بَيْنَ كُلِّ تَرْجَمَتَيْنِ بَيَاضًا فَضَمَّ النَّقَلَةُ بَعْضَ ذَلِكَ إِلَى بَعْضٍ.

قُلْتُ: وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ فِي الْأَصْلِ مِيرَاثُ الْعَبْدِ النَّصْرَانِيِّ وَالْمُكَاتَبُ النَّصْرَانِيُّ كَانَ مَضْمُومًا إِلَى لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ إِلَخْ وَلَيْسَ بَعْدَ ذَلِكَ مَا يُشْكِلُ إِلَّا تَرْجَمَةُ مَنِ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ وَلَا سِيَّمَا عَلَى سِيَاقِ أَبِي ذَرٍّ وَسَأَذْكُرُهُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ.

(تَكْمِيلٌ):

لَمْ يَذْكُرِ الْبُخَارِيُّ مِيرَاثَ النَّصْرَانِيِّ إِذَا أَعْتَقَهُ الْمُسْلِمُ، وَقَدْ حَكَى فِيهِ ابْنُ التِّينِ ثَمَانِيَةَ أَقْوَالٍ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ، وَاللَّيْثُ، وَالشَّافِعِيُّ: هُوَ كَالْمَوْلَى الْمُسْلِمِ إِذَا كَانَتْ لَهُ وَرَثَةٌ وَإِلَّا فَمَالُهُ لِسَيِّدِهِ، وَقِيلَ: يَرِثُهُ الْوَلَدُ خَاصَّةً، وَقِيلَ: الْوَلَدُ وَالْوَالِدُ خَاصَّةً، وَقِيلَ: هُمَا وَالْإِخْوَةُ، وَقِيلَ: هُمْ وَالْعَصَبَةُ، وَقِيلَ: مِيرَاثُهُ لِذَوِي رَحِمِهِ وَقِيلَ: لِبَيْتِ الْمَالِ فَيْئًا، وَقِيلَ: يُوقَفُ فَمَنِ ادَّعَاهُ مِنَ النَّصَارَى كَانَ لَهُ. انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَمَا نَقَلَهُ عَنِ الشَّافِعِيِّ لَا يَعْرِفُهُ أَصْحَابُهُ، وَاخْتُلِفَ فِي عَكْسِهِ؛ فَالْجُمْهُورُ أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا أَعْتَقَ مُسْلِمًا لَا يَرِثُهُ بِالْوَلَاءِ، وَعَنْ أَحْمَدَ رِوَايَةً لِأَنَّهُ يَرِثُهُ، وَنُقِلَ مِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ، وَأَمَّا مَا أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ، وَالْحَاكِمُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوعًا: لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ النَّصْرَانِيَّ إِلَّا أَنْ يَكُونَ عَبْدَهُ أَوْ أَمَتَهُ، وَأَعَلَّهُ ابْنُ حَزْمٍ بِتَدْلِيسِ أَبِي الزُّبَيْرِ، وَهُوَ مَرْدُودٌ؛ فَقَدْ أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرًا، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ لِكُلٍّ مِنَ الْمَسْأَلَتَيْنِ لِأَنَّهُ ظَاهِرٌ فِي الْمَوْقُوفِ.

قَوْلُهُ: (بَابُ إِثْمِ مَنِ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ) أَوْرَدَ فِيهِ حَدِيثَ عَائِشَةَ فِي قِصَّةِ مُخَاصَمَةِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعَبْدِ بْنِ زَمْعَةَ، وَقَدْ مَضَى شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ الْوَلَدِ لِلْفِرَاشِ، وَقَدْ خَفِيَ تَوْجِيهُ هَذِهِ التَّرْجَمَةِ لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُخَرَّجَ عَلَى أَنَّ عُتْبَةَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ مَاتَ مُسْلِمًا، وَأَنَّ الَّذِي حَمَلَهُ عَلَى أَنْ يُوصِيَ أَخَاهُ بِأَخْذِ وَلَدِ وَلِيدَةِ زَمْعَةَ خَشْيَةَ أَنْ يَكُونَ سُكُوتُهُ عَنْ ذَلِكَ مَعَ اعْتِقَادِهِ أَنَّهُ وَلَدُهُ يَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ النَّفْيِ، وَكَانَ سَمِعَ مَا وَرَدَ فِي حَقِّ مَنِ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ مِنَ الْوَعِيدِ فَعَهِدَ إِلَى أَخِيهِ أَنَّهُ ابْنُهُ وَأَمَرَهُ بِاسْتِلْحَاقِهِ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ عُتْبَةُ مَاتَ كَافِرًا فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ هُوَ الْحَامِلَ لِسَعْدٍ عَلَى اسْتِلْحَاقِ ابْنِ أَخِيهِ وَيَلْحَقُ انْتِفَاءُ وَلَدِ الْأَخِ بِالِانْتِفَاءِ مِنَ الْوَلَدِ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَرِثُ مِنْ عَمِّهِ كَمَا يَرِثُ مِنْ أَبِيهِ.

وَقَدْ وَرَدَ الْوَعِيدُ فِي حَقِّ مَنِ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ مِنْ رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رَفَعَهُ مَنِ انْتَفَى مِنْ وَلَدِهِ