عَنْ يُونُسَ بِلَفْظِ: تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، وَرَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ: مَا طَالَ عَلَيَّ وَلَا نَسِيتُ، الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، وَهُوَ إِنْ لَمْ يَكُنْ رَفْعُهُ صَرِيحًا لَكِنَّهُ فِي مَعْنَى الْمَرْفُوعِ، وَأَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنْ يَحْيَى كَذَلِكَ، وَمِنْ رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ عَنْ عَمْرَةَ مَوْقُوفًا عَلَى عَائِشَةَ، قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: وَرِوَايَةُ يَحْيَى مُشْعِرَةٌ بِالرَّفْعِ، وَرِوَايَةُ الزُّهْرِيِّ صَرِيحَةٌ فِيهِ وَهُوَ أَحْفَظُهُمْ.
وَقَدْ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ مِثْلَ رِوَايَةِ سُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ عَنْهَا الَّتِي أَشَرْتُ إِلَيْهَا آنِفًا. وَكَذَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْهَادِ بِلَفْظِ: لَا تُقْطَعُ يَدُ السَّارِقِ إِلَّا فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْمٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ مَوْقُوفًا، وَحَاوَلَ الطَّحَاوِيُّ تَعْلِيلَ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الْمَرْفُوعَةِ بِرِوَايَةِ وَلَدِهِ الْمَوْقُوفَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ أَتْقَنُ وَأَعْلَمُ مِنْ وَلَدِهِ، عَلَى أَنَّ الْمَوْقُوفَ فِي مِثْلِ هَذَا لَا يُخَالِفُ الْمَرْفُوعَ؛ لِأَنَّ الْمَوْقُوفَ مَحْمُولٌ عَلَى طَرِيقِ الْفَتْوَى، وَالْعَجَبُ أَنَّ الطَّحَاوِيَّ ضَعَّفَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أَبِي بَكْرٍ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، وَرَامَ هُنَا تَضْعِيفُ الطَّرِيقِ الْقَوِيمَةِ بِرِوَايَتِهِ، وَكَأَنَّ الْبُخَارِيَّ أَرَادَ الِاسْتِظْهَارَ لِرِوَايَةِ الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمْرَةَ بِمُوَافَقَةِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْهَا لِمَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ ابْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ مِنَ الِاخْتِلَافِ فِي لَفْظِ الْمَتْنِ: هَلْ هُوَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ أَوْ مِنْ فِعْلِهِ.
وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ غَيْرِ الزُّهْرِيِّ فِيمَا أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ، عَنْ قُتَيْبَةَ عَنْهُ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، وَعَبْدِ رَبِّهِ بْنِ سَعِيدٍ، وَزُرَيْقٍ صَاحِبِ أَيْلَةَ أَنَّهُمْ سَمِعُوا عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، ثُمَّ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مِنْ طُرُقٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِهِ مَرْفُوعًا وَمَوْقُوفًا وَقَالَ: الصَّوَابُ مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ عَمْرَةَ عَنْ عَائِشَةَ: مَا طَالَ عَلَيَّ الْعَهْدُ وَلَا نَسِيتُ؛ الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، وَفِي هَذَا إِشَارَةٌ إِلَى الرَّفْعِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ تَعَلَّقَ بِذَلِكَ بَعْضُ مَنْ لَمْ يَأْخُذْ بِهَذَا الْحَدِيثِ، فَذَكَرَهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى، وَجَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِلَفْظِ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَقْطَعُ السَّارِقَ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا، أَوْرَدَهُ الشَّافِعِيُّ، وَالْحُمَيْدِيُّ وَجَمَاعَةٌ عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِلَفْظِ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: تُقْطَعُ الْيَدُ الْحَدِيثَ، وَعَلَى هَذَا التَّعْلِيلِ عَوَّلَ الطَّحَاوِيُّ، فَأَخْرَجَ الْحَدِيثَ عَنْ يُونُسَ بْنِ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنِ ابْنِ عُيَيْنَةَ بِلَفْظِ: كَانَ يَقْطَعُ وَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ لَا حُجَّةَ فِيهِ لِأَنَّ عَائِشَةَ إِنَّمَا أَخْبَرَتْ عَمَّا قُطِعَ فِيهِ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا قَوَّمَتْ مَا وَقَعَ الْقَطْعُ فِيهِ إِذْ ذَاكَ فَكَانَ عِنْدَهَا رُبْعُ دِينَارٍ فَقَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَقْطَعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ مَعَ احْتِمَالِ أَنْ تَكُونَ الْقِيمَةُ يَوْمئِذٍ أَكْثَرَ.
وَتُعُقِّبَ بِاسْتِبْعَادِ أَنْ تَجْزِمَ عَائِشَةُ بِذَلِكَ مُسْتَنِدَةً إِلَى ظَنِّهَا الْمُجَرَّدِ، وَأَيْضًا فَاخْتِلَافُ التَّقْوِيمِ وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا لَكِنْ مُحَالٌ فِي الْعَادَةِ أَنْ يَتَفَاوَتَ هَذَا التَّفَاوُتَ الْفَاحِشَ بِحَيْثُ يَكُونُ عِنْدَ قَوْمٍ أَرْبَعَةَ أَضْعَافِ قِيمَتِهِ عِنْدَ آخَرِينَ، وَإِنَّمَا يَتَفَاوَتُ بِزِيَادَةٍ قَلِيلَةٍ أَوْ نَقْصٍ قَلِيلٍ وَلَا يَبْلُغُ الْمِثْلَ غَالِبًا، وَادَّعَى الطَّحَاوِيُّ اضْطِرَابَ الزُّهْرِيِّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لِاخْتِلَافِ الرُّوَاةِ عَنْهُ فِي لَفْظِهِ، وَرُدَّ بِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الِاضْطِرَابِ أَنْ تَتَسَاوَى وُجُوهُهُ، فَأَمَّا إِذَا رُجِّحَ بَعْضُهَا فَلَا، وَيَتَعَيَّنُ الْأَخْذُ بِالرَّاجِحِ، وَهُوَ هُنَا كَذَلِكَ لِأَنَّ جُلَّ الرُّوَاةِ عَنُ الزُّهْرِيِّ ذَكَرُوهُ عَنْ لَفْظِ النَّبِيِّ ﷺ عَلَى تَقْرِيرِ قَاعِدَةٍ شَرْعِيَّةٍ فِي النِّصَابِ، وَخَالَفَهُمُ ابْنُ عُيَيْنَةَ تَارَةً وَوَافَقَهُمْ تَارَةً، فَالْأَخْذُ بِرِوَايَتِهِ الْمُوَافِقَةِ لِلْجَمَاعَةِ أَوْلَى، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ ابْنُ عُيَيْنَةَ اضْطَرَبَ فِيهِ فَلَا يَقْدَحُ ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ مَنْ ضَبَطَهُ.
وَأَمَّا نَقْلُ الطَّحَاوِيِّ عَنِ الْمُحَدِّثِينَ أَنَّهُمْ يُقَدِّمُونَ ابْنَ عُيَيْنَةَ فِي الزُّهْرِيِّ عَلَى يُونُسَ، فَلَيْسَ مُتَّفَقًا عَلَيْهِ عِنْدَهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ عَلَى الْعَكْسِ، وَمِمَّنْ جَزَمَ بِتَقْدِيمِ يُونُسَ عَلَى سُفْيَانَ فِي الزُّهْرِيِّ، يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ الْمِصْرِيُّ، وَذَكَرَ أَنَّ يُونُسَ صَحِبَ الزُّهْرِيَّ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً، وَكَانَ يُزَامِلُهُ فِي السَّفَرِ وَيَنْزِلُ عَلَيْهِ الزُّهْرِيُّ إِذَا قَدِمَ أَيْلَةَ، وَكَانَ يَذْكُرُ أَنَّهُ كَانَ يَسْمَعُ الْحَدِيثَ الْوَاحِدَ مِنَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute