للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الْعَمْدِ.

قَوْلُهُ: (وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ﴾ كَذَا لِلْجَمِيعِ، لَكِنْ سَقَطَتِ الْوَاوُ الْأُولَى لِأَبِي ذَرٍّ، وَالنَّسَفِيِّ، وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ وَعِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَدْ تَقَدَّمَ النَّقْلُ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفُرْقَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرِهِ فِي ذَلِكَ وَبَيَانُ الِاخْتِلَافِ هَلْ لِلْقَاتِلِ تَوْبَةٌ بِمَا يُغْنِي عَنْ إِعَادَتِهِ.

وَأَخْرَجَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمَّا نَزَلَتْ قَالَ الْمُهَاجِرُونَ وَالْأَنْصَارُ وَجَبَتْ، حَتَّى نَزَلَ ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾.

قُلْتُ: وَعَلَى ذَلِكَ عَوَّلَ أَهْلُ السُّنَّةِ فِي أَنَّ الْقَاتِلَ فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ عُبَادَةَ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْقَتْلَ وَالزِّنَا وَغَيْرَهُمَا وَمَنْ أَصَابَ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ إِنْ شَاءَ عَاقَبَهُ وَإِنْ شَاءَ عَفَا عَنْهُ وَيُؤَيِّدُهُ قِصَّةُ الَّذِي قَتَلَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ نَفْسًا ثُمَّ قَتَلَ الْمُكَمِّلَ مِائَةً وَقَدْ مَضَى فِي ذِكْرِ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ أَحَادِيثِ الْأَنْبِيَاءِ، ثُمَّ ذَكَرَ فِيهِ خَمْسَةَ أَحَادِيثَ مَرْفُوعَةٍ.

الْحَدِيثُ الْأَوَّلُ: حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ: أَيُّ الذَّنْبِ أَكْبَرُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ إِثْمِ الزُّنَاةِ، وَقَوْلُهُ: أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: لَا مَفْهُومَ لَهُ لِأَنَّ الْقَتْلَ مُطْلَقًا أَعْظَمُ.

قُلْتُ: لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ الذَّنْبُ أَعْظَمَ مِنْ غَيْرِهِ وَبَعْضُ أَفْرَادِهِ أَعْظَمَ مِنْ بَعْضٍ، ثُمَّ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ: وَجْهُ كَوْنِهِ أَعْظَمَ أَنَّهُ جَمَعَ مَعَ الْقَتْلِ ضَعْفَ الِاعْتِقَادِ فِي أَنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ.

الْحَدِيثُ الثَّانِي: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ.

قَوْلُهُ: (حَدَّثَنَا عَلِيٌّ) كَذَا لِلْجَمِيعِ غَيْرُ مَنْسُوبٍ وَلَمْ يَذْكُرْهُ أَبُو عَلِيٍّ الْجَيَّانِيُّ فِي تَقْيِيدِهِ وَلَا نَبَّهَ عَلَيْهِ الْكَلَابَاذِيُّ، وَقَدْ ذَكَرْتُ فِي الْمُقَدِّمَةِ أَنَّهُ عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ لِأَنَّ عَلِيَّ بْنَ الْمَدِينِيِّ لَمْ يُدْرِكْ إِسْحَاقَ بْنَ سَعِيدٍ.

قَوْلُهُ: (لَا) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: لَنْ.

قَوْلُهُ: (فِي فُسْحَةٍ) بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْمُهْمَلَةِ وَبِحَاءٍ مُهْمَلَةٍ أَيْ سَعَةٍ.

قَوْلُهُ: (مِنْ دِينِهِ) كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ مِنَ الدِّينِ، وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: مِنْ ذَنْبِهِ، فَمَفْهُومُ الْأَوَّلِ أَنْ يَضِيقَ عَلَيْهِ دِينُهُ فَفِيهِ إِشْعَارٌ بِالْوَعِيدِ عَلَى قَتْلِ الْمُؤْمِنِ مُتَعَمِّدًا بِمَا يُتَوَعَّدُ بِهِ الْكَافِرُ، وَمَفْهُومُ الثَّانِي أَنَّهُ يَصِيرُ فِي ضِيقٍ بِسَبَبِ ذَنْبِهِ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى اسْتِبْعَادِ الْعَفْوِ عَنْهُ لِاسْتِمْرَارِهِ فِي الضِّيقِ الْمَذْكُورِ.

وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: الْفُسْحَةُ فِي الدِّينِ سَعَةُ الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ حَتَّى إِذَا جَاءَ الْقَتْلُ ضَاقَتْ لِأَنَّهَا لَا تَفِي بِوِزْرِهِ، وَالْفُسْحَةُ فِي الذَّنْبِ قَبُولُهُ الْغُفْرَانَ بِالتَّوْبَةِ حَتَّى إِذَا جَاءَ الْقَتْلُ ارْتَفَعَ الْقَبُولُ، وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ فَسَّرَهُ عَلَى رَأْيِ ابْنِ عُمَرَ فِي عَدَمِ قَبُولِ تَوْبَةِ الْقَاتِلِ.

قَوْلُهُ: (مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا) فِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ الْقَاضِي مِنْ هَذَا الْوَجْهِ: مَا لَمْ يَتَنَدَّ بِدَمٍ حَرَامٍ، وَهُوَ بِمُثَنَّاةٍ ثُمَّ نُونٍ ثُمَّ دَالٍ ثَقِيلَةٍ، وَمَعْنَاهُ الْإِصَابَةُ، وَهُوَ كِنَايَةٌ عَنْ شِدَّةِ الْمُخَالَطَةِ وَلَوْ قَلَّتْ.

وَقَدْ أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ فِي الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ بِسَنَدٍ رِجَالُهُ ثِقَاتٌ إِلَّا أَنَّ فِيهِ انْقِطَاعًا مِثْلَ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ مَوْقُوفًا أَيْضًا وَزَادَ فِي آخِرِهِ: فَإِذَا أَصَابَ دَمًا حَرَامًا نُزِعَ مِنْهُ الْحَيَاءُ.

ثُمَّ أَوْرَدَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ يَعْقُوبَ وَهُوَ الْمَسْعُودِيُّ الْكُوفِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ سَعِيدٍ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي السَّنَدِ الَّذِي قَبْلَهُ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إِلَى ابْنِ عُمَرَ.

قَوْلُهُ: (إِنَّ مِنْ وَرَطَاتِ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالرَّاءِ، وَحَكَى ابْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ قُيِّدَ فِي الرِّوَايَةِ بِسُكُونِ الرَّاءِ، وَالصَّوَابُ التَّحْرِيكُ، وَهِيَ جَمْعُ وَرْطَةٍ بِسُكُونِ الرَّاءِ وَهِيَ الْهَلَاكُ، يُقَالُ: وَقَعَ فُلَانٌ فِي وَرْطَةٍ أَيْ فِي شَيْءٍ لَا يَنْجُو مِنْهُ، وَقَدْ فَسَّرَهَا فِي الْخَبَرِ بِقَوْلِهِ الَّتِي لَا مَخْرَجَ لِمَنْ أَوْقَعَ نَفْسَهُ فِيهَا.

قَوْلُهُ: (سَفْكُ الدَّمِ) أَيْ إِرَاقَتُهُ وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَتْلُ بِأَيِّ صِفَةٍ كَانَ، لَكِنْ لَمَّا كَانَ الْأَصْلُ إِرَاقَةَ الدَّمِ عَبَّرَ بِهِ.

قَوْلُهُ: (بِغَيْرِ حِلِّهِ) فِي رِوَايَةِ أَبِي نُعَيْمٍ: بِغَيْرِ حَقِّهِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِلَفْظِ الْآيَةِ، وَهَلِ الْمَوْقُوفُ عَلَى ابْنِ عُمَرَ مُنْتَزَعٌ مِنَ الْمَرْفُوعِ فَكَأَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَهِمَ مِنْ كَوْنِ الْقَاتِلِ لَا يَكُونُ فِي فُسْحَةٍ أَنَّهُ وَرَّطَ نَفْسَهُ فَأَهْلَكَهَا، لَكِنَّ التَّعْبِيرَ بِقَوْلِهِ: مِنْ وَرَطَاتِ الْأُمُورِ يَقْتَضِي الْمُشَارَكَةَ بِخِلَافِ اللَّفْظِ الْأَوَّلِ فَهُوَ أَشَدُّ فِي الْوَعِيدِ، وَزَعَمَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ أَنَّ هَذِهِ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ غَلَطٌ وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ الْغَلَطِ،