للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أَرَادَ الْإِغْلَاظَ بِظَاهِرِ اللَّفْظِ دُونَ بَاطِنِهِ، وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا قَاتِلٌ، وَلَمْ يُرِدْ أَنَّهُ صَارَ كَافِرًا بِقَتْلِهِ إِيَّاهُ.

وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ الْمُهَلَّبِ مَعْنَاهُ فَقَالَ: أَيْ أَنَّكَ بِقَصْدِكَ لِقَتْلِهِ عَمْدًا آثِمٌ كَمَا كَانَ هُوَ بِقَصْدِهِ لِقَتْلِكَ آثِمًا، فَأَنْتُمَا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ مِنَ الْعِصْيَانِ. وَقِيلَ الْمَعْنَى أَنْتَ عِنْدَهُ حَلَالُ الدَّمِ قَبْلَ أَنْ تُسْلِمَ وَكُنْتَ مِثْلَهُ فِي الْكُفْرِ كَمَا كَانَ عِنْدَكَ حَلَالَ الدَّمِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَقِيلَ مَعْنَاهُ: إنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ بِشَهَادَةِ التَّوْحِيدِ كَمَا أَنَّكَ مَغْفُورٌ لَكَ بِشُهُودِ بَدْرٍ.

وَنَقَلَ ابْنُ بَطَّالٍ، عَنِ ابْنِ الْقَصَّارِ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: وَأَنْتَ بِمَنْزِلَتِهِ أَيْ فِي إِبَاحَةِ الدَّمِ، وَإِنَّمَا قَصَدَ بِذَلِكَ رَدْعَهُ وَزَجْرَهُ عَنْ قَتْلِهِ لَا أَنَّ الْكَافِرَ إِذَا قَالَ: أَسْلَمْتُ حَرُمَ قَتْلُهُ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ الْكَافِرَ مُبَاحُ الدَّمِ وَالْمُسْلِمَ الَّذِي قَتَلَهُ إِنْ لَمْ يَتَعَمَّدْ قَتْلَهُ وَلَمْ يَكُنْ عَرَفَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ وَإِنَّمَا قَتَلَهُ مُتَأَوِّلًا فَلَا يَكُونُ بِمَنْزِلَتِهِ فِي إِبَاحَتِهِ.

وَقَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: مَعْنَاهُ أَنَّهُ مِثْلُهُ فِي مُخَالَفَةِ الْحَقِّ وَارْتِكَابِ الْإِثْمِ وَإِنِ اخْتَلَفَ النَّوْعُ فِي كَوْنِ أَحَدِهِمَا كُفْرًا وَالْآخَرِ مَعْصِيَةً.

وَقِيلَ: الْمُرَادُ إِنْ قَتَلْتَهُ مُسْتَحِلًّا لِقَتْلِهِ فَأَنْتَ مِثْلُهُ فِي الْكُفْرِ، وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالْمِثْلِيَّةِ أَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ بِشَهَادَةِ التَّوْحِيدِ وَأَنْتَ مَغْفُورٌ لَكَ بِشُهُودِ بَدْرٍ.

وَنَقَلَ ابْنُ التِّينِ أَيْضًا عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّهُ أَوَّلَهُ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ فَقَالَ: يُفَسِّرُهُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي فِي آخِرِ الْبَابِ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ اللَّائِذُ بِالشَّجَرَةِ الْقَاطِعُ لِلْيَدِ مُؤْمِنًا يَكْتُمُ إِيمَانَهُ مَعَ قَوْمٍ كُفَّارٍ غَلَبُوهُ عَلَى نَفْسِهِ، فَإِنْ قَتَلْتَهُ فَأَنْتَ شَاكٌّ فِي قَتْلِكَ إِيَّاهُ أَنَّى يُنْزِلُهُ اللَّهُ مِنَ الْعَمْدِ وَالْخَطَأ كَمَا كَانَ هُوَ مَشْكُوكًا فِي إِيمَانِهِ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ، ثُمَّ قَالَ: فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَطَعَ يَدَ الْمُؤْمِنِ وَهُوَ مِمَّنْ يَكْتُمُ إِيمَانَهُ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ دَفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ فَجَازَ لَهُ ذَلِكَ كَمَا جَازَ لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يَدْفَعَ عَنْ نَفْسِهِ مَنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ وَلَوْ أَفْضَى إِلَى قَتْلِ مَنْ يُرِيدُ قَتْلَهُ فَإِنَّ دَمَهُ يَكُونُ هَدَرًا، فَلِذَلِكَ لَمْ يُقِدِ النَّبِيُّ مِنْ يَدِ الْمِقْدَادِ لِأَنَّهُ قَطَعَهَا مُتَأَوِّلًا.

قُلْتُ: وَعَلَيْهِ مُؤَاخَذَاتٌ: مِنْهَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْقِصَّتَيْنِ بِهَذَا التَّكَلُّفِ مَعَ ظُهُورِ اخْتِلَافِهِمَا، وَإِنَّمَا الَّذِي يَنْطَبِقُ عَلَى حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ قِصَّةُ أُسَامَةَ الْآتِيَةُ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِيهِ حَيْثُ حَمَلَ عَلَى رَجُلٍ أَرَادَ قَتْلَهُ فَقَالَ إِنِّي مُسْلِمٌ فَقَتَلَهُ ظَنًّا أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ مُتَعَوِّذًا مِنَ الْقَتْلِ، وَكَانَ الرَّجُلُ فِي الْأَصْلِ مُسْلِمًا، فَالَّذِي وَقَعَ لِلْمِقْدَادِ نَحْوُ ذَلِكَ كَمَا سَأُبَيِّنُهُ وَأَمَّا قِصَّةُ قَطْعِ الْيَدِ فَإِنَّمَا قَالَهَا مُسْتَفْتِيًا عَلَى تَقْدِيرِ أَنْ لَوْ وَقَعَتْ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ، وَإِنَّمَا تَضَمَّنَ الْجَوَابُ النَّهْيَ عَنْ قَتْلِهِ لِكَوْنِهِ أَظْهَرَ الْإِسْلَامَ فَحُقِنَ دَمُهُ وَصَارَ مَا وَقَعَ مِنْهُ قَبْلَ الْإِسْلَامِ عَفْوًا.

وَمِنْهَا أَنَّ فِي جَوَابِهِ عَنْ الِاسْتِشْكَالِ نَظَرًا لِأَنَّهُ كَانَ يُمْكِنُهُ أَنْ يَدْفَعَ بِالْقَوْلِ بِأَنْ يَقُولَ لَهُ عِنْدَ إِرَادَةِ الْمُسْلِمِ قَتْلَهُ إِنِّي مُسْلِمٌ فَيَكُفُّ عَنْهُ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُبَادِرَ لِقَطْعِ يَدِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْقَوْلِ الْمَذْكُورِ وَنَحْوِهِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى صِحَّةِ إِسْلَامِ مَنْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِلَّهِ وَلَمْ يَزِدْ عَلَى ذَلِكَ، وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ كَافٍ فِي الْكَفِّ، عَلَى أَنَّهُ وَرَدَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ أَنَّهُ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَهُوَ رِوَايَةُ مَعْمَرٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ السُّؤَالِ عَنِ النَّوَازِلِ قَبْلَ وُقُوعِهَا بِنَاءً عَلَى مَا تَقَدَّمَ تَرْجِيحُهُ، وَأَمَّا مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ السَّلَفِ مِنْ كَرَاهَةِ ذَلِكَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَا يَنْدُرُ وُقُوعُهُ، وَأَمَّا مَا يُمْكِنُ وُقُوعُهُ عَادَةً فَيُشْرَعُ السُّؤَالُ عَنْهُ لِيُعْلَمَ.

٦٨٦٦ وقال حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ عَنْ سَعِيدٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ لِلْمِقْدَادِ: إِذَا كَانَ رَجُلٌ ممن يُخْفِي إِيمَانَهُ مَعَ قَوْمٍ كُفَّارٍ فَأَظْهَرَ إِيمَانَهُ فَقَتَلْتَهُ، فَكَذَلِكَ كُنْتَ أَنْتَ تُخْفِي إِيمَانَكَ بِمَكَّةَ مِنْ قَبْلُ.

الحديث الخامس، قَوْلُهُ: (وَقَالَ حَبِيبُ بْنُ أَبِي عَمْرَةَ) هُوَ الْقَصَّابُ الْكُوفِيُّ لَا يُعْرَفُ اسْمُ أَبِيهِ، وَهَذَا التَّعْلِيقُ وَصَلَهُ الْبَزَّارُ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ فِي الْأَفْرَادِ وَالطَّبَرَانِيُّ فِي الْكَبِيرِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ عَطَاءِ بْنِ مُقَدَّمٍ وَالِدِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدَّمِيِّ، عَنْ حَبِيبٍ وَفِي أَوَّلِهِ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ سَرِيَّةً فِيهَا الْمِقْدَادُ، فَلَمَّا أَتَوْهُمْ وَجَدُوهُمْ تَفَرَّقُوا وَفِيهِمْ رَجُلٌ لَهُ مَالٌ كَثِيرٌ لَمْ يَبْرَحْ فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ الْمِقْدَادُ فَقَتَلَهُ الْحَدِيثَ.

وَفِيهِ: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ فَقَالَ: يَا مِقْدَادُ قَتَلْتَ رَجُلًا قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَكَيْفَ لَكَ بِلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا﴾ الْآيَةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ لِلْمِقْدَادِ: كَانَ رَجُلًا مُؤْمِنًا يُخْفِي إِيمَانَهُ إِلَخْ، قَالَ