ظَبْيَانَ بِظَاءٍ مُعْجَمَةٍ مَفْتُوحَةٍ ثُمَّ مُوَحَّدَةٍ سَاكِنَةٍ ثُمَّ يَاءٍ آخِرَ الْحُرُوفِ وَاسْمُهُ أَيْضًا حُصَيْنٌ وَهُوَ ابْنُ جُنْدَبٍ مِنْ كِبَارِ التَّابِعِينَ.
قَوْلُهُ: (بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِلَى الْحُرَقَةِ) بِضَمِّ الْمُهْمَلَةِ وَبِالرَّاءِ ثُمَّ قَافٍ، وَهُمْ بَطْنٌ مِنْ جُهَيْنَةَ تَقَدَّمَ نِسْبَتُهُمْ إِلَيْهِمْ فِي غَزْوَةِ الْفَتْحِ، قَالَ ابْنُ الْكَلْبِيِّ: سُمُّوا بِذَلِكَ لِوَقْعَةٍ كَانَتْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ بَنِي مُرَّةَ بْنِ عَوْفِ بْنِ سَعْدِ بْنِ ذُبْيَانَ فَأَحْرَقُوهُمْ بِالسِّهَامِ لِكَثْرَةِ مَنْ قَتَلُوا مِنْهُمْ.
وَهَذِهِ السَّرِيَّةُ يُقَالُ لَهَا سَرِيَّةُ غَالِبِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ اللَّيْثِيِّ وَكَانَتْ فِي رَمَضَانَ سَنَةَ سَبْعٍ فِيمَا ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ عَنْ شَيْخِهِ، وَكَذَا ذَكَرَهُ ابْنُ إِسْحَاقَ فِي الْمَغَازِي: حَدَّثَنِي شَيْخٌ مِنْ أَسْلَمَ عَنْ رِجَالٍ مِنْ قَوْمِهِ قَالُوا: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ غَالِبَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ الْكَلْبِيَّ ثُمَّ اللَّيْثِيَّ إِلَى أَرْضِ بَنِي مُرَّةَ وَبِهَا مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ حَلِيفٌ لَهُمْ مِنْ بَنِي الْحُرَقَةِ فَقَتَلَهُ أُسَامَةُ فَهَذَا يُبَيِّنُ السَّبَبَ فِي قَوْلِ أُسَامَةَ: بَعَثْنَا إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ.
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ قِصَّةَ الَّذِي قَتَلَ ثُمَّ مَاتَ فَدُفِنَ وَلَفَظَتْهُ الْأَرْضُ غَيْرُ قِصَّةِ أُسَامَةَ؛ لِأَنَّ أُسَامَةَ عَاشَ بَعْدَ ذَلِكَ دَهْرًا طَوِيلًا، وَتَرْجَمَ الْبُخَارِيُّ فِي الْمَغَازِيِ: بَعَثَ النَّبِيُّ ﷺ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ إِلَى الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ فَجَرَى الدَّاوُدِيُّ فِي شَرْحِهِ عَلَى ظَاهِرِهِ فَقَالَ فِيهِ: تَأْمِيرُ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ وَتُعُقِّبَ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّ أُسَامَةَ كَانَ الْأَمِيرَ؛ إِذْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ جَعَلَ التَّرْجَمَةَ بِاسْمِهِ لِكَوْنِهِ وَقَعَتْ لَهُ تِلْكَ الْوَاقِعَةُ لَا لِكَوْنِهِ كَانَ الْأَمِيرَ، وَالثَّانِي أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ سَنَةَ سَبْعٍ أَوْ ثَمَانٍ فَمَا كَانَ أُسَامَةُ يَوْمئِذٍ إِلَّا بَالِغًا لِأَنَّهُمْ ذَكَرُوا أَنَّهُ كَانَ لَهُ لَمَّا مَاتَ النَّبِيُّ ﷺ ثَمَانِيَةَ عَشَرَ عَامًا.
قَوْلُهُ: (فَصَبَّحْنَا الْقَوْمَ) أَيْ هَجَمُوا عَلَيْهِمْ صَبَاحًا قَبْلَ أَنْ يَشْعُرُوا بِهِمْ، يُقَالُ صَبَّحْتُهُ أَتَيْتُهُ صَبَاحًا بَغْتَةً، وَمِنْهُ قَوْلُهُ: ﴿وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ﴾
قَوْلُهُ: (وَلَحِقْتُ أَنَا وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ) لَمْ أَقِفْ عَلَى اسْمِ الْأَنْصَارِيِّ الْمَذْكُورِ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ
قَوْلُهُ: (رَجُلًا مِنْهُمْ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ اسْمُهُ مِرْدَاسُ بْنُ عَمْرٍو الْفَدْكِيُّ وَيُقَالُ: مِرْدَاسُ بْنُ نَهِيكٍ الْفَزَارِيُّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ الْكَلْبِيِّ قَتَلَهُ أُسَامَةُ وَسَاقَ الْقِصَّةَ، وَذَكَرَ ابْنُ مَنْدَهْ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ سَرِيَّةً فِيهَا أُسَامَةُ إِلَى بَنِي ضَمْرَةَ فَذَكَرَ قَتْلَ أُسَامَةَ الرَّجُلَ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ فِي الدِّيَاتِ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَلِيمٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ حَسَّانَ، عَنِ الْحَسَنِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ بَعَثَ خَيْلًا إِلَى فَدْكٍ فَأَغَارُوا عَلَيْهِمْ، وَكَانَ مِرْدَاسٌ الْفَدْكِيُّ قَدْ خَرَجَ مِنَ اللَّيْلِ وَقَالَ لِأَصْحَابِهِ أَنِّي لَاحِقٌ بِمُحَمَّدٍ وَأَصْحَابِهِ فَبَصُرَ بِهِ رَجُلٌ فَحَمَلَ عَلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي مُؤْمِنٌ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ - وَسَلَّمَ: هَلَّا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ: قَالَ فَقَالَ أَنَسٌ: إِنَّ قَاتِلَ مِرْدَاسٍ مَاتَ فَدَفَنُوهُ فَأَصْبَحَ فَوْقَ الْقَبْرِ فَأَعَادُوهُ فَأَصْبَحَ فَوْقَ الْقَبْرِ مِرَارًا فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ ﷺ فَأَمَرَ أَنْ يُطْرَحَ فِي وَادٍ بَيْنَ جَبَلَيْنِ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ الْأَرْضَ لَتَقْبَلُ مَنْ هُوَ شَرٌّ مِنْهُ وَلَكِنَّ اللَّهَ وَعَظَكُمْ.
قُلْتُ: إِنْ ثَبَتَ هَذَا فَهُوَ مِرْدَاسٌ آخَرُ، وَقَتِيلُ أُسَامَةَ لَا يُسَمَّى مِرْدَاسًا، وَقَدْ وَقَعَ مِثْلُ هَذَا عِنْدَ الطَّبَرِيِّ فِي قَتْلِ مِحْلَمِ بْنِ جَثَّامَةَ، عَامِرَ بْنَ الْأَضْبَطِ وَأَنَّ مَحَلمًا لَمَّا مَاتَ وَدُفِنَ لَفَظَتْهُ الْأَرْضُ فَذَكَرَ نَحْوَهُ.
قَوْلُهُ: (غَشِينَاهُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَكَسْرِ ثَانِيهِ مُعْجَمَتَيْنِ أَيْ لَحِقْنَا بِهِ حَتَّى تَغَطَّى بِنَا، وَفِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي ظَبْيَانَ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَطَعَنْتُهُ بِرُمْحِي حَتَّى قَتَلْتُهُ، وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ جُنْدَبٍ عِنْدَ مُسْلِمٍ: فَلَمَّا رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَتَلَهُ وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ رَفَعَ عَلَيْهِ السَّيْفَ أَوَّلًا فَلَمَّا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ ضَرْبِهِ بِالسَّيْفِ طَعَنَهُ بِالرُّمْحِ.
قَوْلُهُ: (فَلَمَّا قَدِمْنَا) أَيِ الْمَدِينَةَ (بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ) فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ: فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ ﷺ وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ بَلَغَ النَّبِيَّ ﷺ مِنْ أُسَامَةَ لَا مِنْ غَيْرِهِ، فَتَقْدِيرُهُ الْأَوَّلُ بَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ ﷺ مِنِّي.
قَوْلُهُ: (أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ) فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ: بَعْدَ أَنْ قَالَ، قَالَ ابْنُ التِّينِ: فِي هَذَا اللَّوْمِ تَعْلِيمٌ وَإِبْلَاغٌ فِي الْمَوْعِظَةِ حَتَّى لَا يُقْدِمَ أَحَدٌ عَلَى قَتْلِ مَنْ تَلَفَّظَ بِالتَّوْحِيدِ، وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: فِي